نكتته وظرافته وعذوبة مجلسه:
لقد كان ـ رحمه الله تعالى ـ حلو الحديث, لين الكلام, رخيم الصوت, حسن المجالسة, تكثر في مجلسه النكات والطرف الفريدة, فما من حادثة تمر في مجلسه، أو حديث يدور فيه، إلا ويستشهد له ببيت من الشعر، أو آية من القرآن الكريم، أو حديث من السنة الصحيحة, وما سمعت منه نكتة مكرورة قط.
روى الشيخ راغب الطباخ –رحمه الله تعالى- عنه في تاريخه، فقال: (حصل خلاف بين جماعة في مجلس المترجم، في الأرض، هل هي متحركة أو واقفة؟ فاستدعوا لحل هذا الخلاف جلال بك من معلمي المكتب السلطاني في عهد الحكومة العثمانية, فجاء وهو سكران, وأخذ في سرد الأدلة على حركة الأرض، فقال له شيخنا: إن جميع ما أتى به جلال بك من الأدلة ظني لا قطعي, ونظم عند ذلك بيتين وهما:
زعموا بأن الأرض تجري مثلما |
تجري الكواكب والدليل ظنون |
جاؤوا بسكير يؤيد زعمهـــم |
يبدي فنونـاً والفنـون جنون |
فعظم وقع هذين البيتين في نفوس الحاضرين.
وكان يتردد على شيخنا إبراهيم أفندي الكلزي، حينما كان ناظراً لأوقاف حلب, وقد عمر خاناً في قرية كفر أنطون، الواقعة في الطريق بين حلب والإسكندرونة، ولما أتم بنائه دعا شيخنا مع بعض أحبائه إلى هناك, ولما أرادوا أن يناموا في الغرف التي فيه هجمت عليهم جيوش من البعوض والبراغيث، فأرق شيخنا، فارتجل عدة أبيات أسمعها من كان معه، أولها:
يا ليلة في كفر أنطون بها |
بتنا على أرض بغير لحاف |
إلى أن قال مما أصابهم من الهوام:
فتصرفت بدمائنا ولحومنـا |
كتصرف النظار في الأوقاف |
فكان لها أحسن وقع في نفوس الحاضرين، وتداولها الناس، غير أني لم أجد بعد البحث الكثير من يحفظ هذه الأبيات بتمامها، فأثبت ما وصل إلي منها، وهو المطلع والختام). انتهى كلام الشيخ راغب الطباخ.