أساتذته:
لقد أخذ ـ رحمه الله تعالى ـ علومه عن كثير من أساتذة الشهباء المشهورين والمتبحرين في شتى العلوم, وكان لهم الأثر الكبير في توجيهه وحسن تثقيفه, إلى أن اشتد عوده وقوي ساعده وأصبح بإمكانه السير في طريق السبر والتحقيق والتنقيب عن المشكلات العلمية لوحده، فاتخذ لنفسه مكتبة قيمة، جمعت من الكتب أمهاتها, ومن الفنون أشتاتها, وعكف على المطالعة والدرس والتحقيق والتمحيص واستنباط المسائل وحده، مسترشداً بما غرسه فيه أساتذته من توجيه حكيم، وتوعية كاملة، وتبصر واسع، فحفظ كثيراً من المتون في مختلف العلوم والفنون, أذكر منها: متن الألفية لابن مالك في النحو والصرف، حفظه في مدة قصيرة، وكان يديم ترديده يوم الأحد من كل أسبوع دونما انقطاع حتى في مرضه الأخير، كما أنه كان يردد في أيام الأسبوع الأخرى متوناً غيرها منظومة ومنثورة حفظها في علوم الفقه والأصول والحديث والمنطق والتوحيد وغير ذلك، وأول أساتذته الذين أخذ عنهم وكان لهم الأثر البين في حياته العلمية هم: العلامة الكبير الشيخ بشير الغزي، والعلامة الشيخ حسين الكردي، والشيخ الكلاوي, فقد كان يحترمهم كثيراً ويجلهم ويتأدب في مجلسهم، ولا يتهاون في خدمتهم.
أذكر من ذلك أنه كان مغرماً بشرب الدخان، بل ومن المكثرين منه في أول حياته, ومع ذلك ما شرب لفافة منه قط أمام أحد أساتذته مهما طال به المقام معهم، تأدباً واحتراماً لهم، كما كان دائماً يذكرهم ويذكر مآثرهم وعلمهم وتبحرهم بإجلال وإكبار، عرافاناً منه بالجميل، وتقديراً لهم على جهودهم التي بذلوها في سبيل إعداده وتهذيبه وتثقيفه، وبخاصة منهم الشيخ بشير الغزي الذي جمع في صدره من العلوم ما يندر أن يجتمع لغيره, فقد كان يقول عنه: إنه حجة هذا العصر في كل فن وعلم.