مزاجه وطريقته في الحياة:
لقد كان ـ رحمه الله تعالى ـ يحب البساطة ويكره التعقيد في الأمور كلها, بسيطاً في لباسه، لا يحب الزهو والخيلاء, بسيطاً في حديثه ومجلسه، يحب الصغار من الأطفال ويحنو عليهم ويضمهم إلى صدره ويبرهم، وأذكر أنه كثيراً ما ضمني إليه عندما كنت صغيراً، وأجلسني إلى جانبه، وأطعمني بيده، ولاطفني في الحديث، وحمل إلي السرور والبهجة بكل ما أوتيه من قوة ووسع, وإلى جانب ذلك كله كان يحب النظام والترتيب والنظافة والمحافظة على الوعد والصدق في القول, فقد كان يتناول طعام الفطور عقب صلاة الفجر من كل يوم، ثم يذهب إلى عمله, أما طعام الغداء فكثيراً ما كان يتناوله في مقر عمله، وبخاصة في السنين الأخيرة التي قضاها أميناً للفتوى ثم مفتياً، حيث كان مقره في المدرسة الرضائية (العثمانية) فكان يتناول الغداء هناك، ولا يعود إلى منزله إلا بعد صلاة العصر، فإذا دخل منزله لم يخرج منه إلى اليوم الثاني غالبا, اللهم إلا إذا كان إلى بعض الندوات الخاصة التي كان يحضرها أحياناً مع لفيف من زملائه بعد صلاة العشاء في دار الشيخ وحيد حمزة رئيس محكمة الاستئناف في محلة قاضي عسكر ـ إحدى مناطق حلب القديمة الواقعة في الجهة الشرقية من المدينة ـ وإذا حان وقت المغرب صلاه، ووضع العَشاء فنتعشى جميعا، فإذا كانت العشاء صلاها وأوى إلى الفراش, وأخص بالذكر هنا أنه ما كان يحب أن يأكل طعام العشاء إلا إذا اجتمع جميع أفراد العائلة معه على المائدة, وكان يرى في ذلك اللذة الكاملة والراحة التامة.
كان – رحمه الله تعالى – يحب الأصدقاء ويساعدهم ويتودد إليهم ويحفظ لهم مآثرهم، كما كان يحب طلاب العلم ويعطف عليهم ويقربهم ويبحث معهم مشكلاتهم، ويسعى جهده لإفادتهم، وكان يقول دائماً: إن لدي طلابا نجباء حرصوا على الفائدة سيكون لهم الحظ الأوفر والمكانة المرموقة في حياتهم العلمية والعملية، وفي طليعتهم الشيخ محمد فوزي فيض الله، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة، والشيخ عبد الوهاب سكر, وبالفعل فقد بلغ هؤلاء من العلم مبلغا عظيما، ونالوا في الدولة مكانة مرموقة، فقد نال الشيخ فوزي فيض الله شهادة الدكتوراه في الفقه الإسلامي من الأزهر الشريف، وأصبح مدرس الفقه والأصول في كلية الشريعة من جامعة دمشق, وأصبح الشيخ عبد الفتاح أبو غدة مدرساً للتربية الإسلامية في ثانويات حلب، وأحد أقطاب العلم فيها, والشيخ عبد الوهاب سكر مدرساً دينياً في محافظة حلب، ومثل منطقة الباب أكثر من دورة في البرلمان السوري، وذلك بعد أن أنهى تحصيله في الأزهر الشريف.