تلاميذه:
لم يكن ليمضي على مجاورته في المدرسة الرضائية ـ رحمه الله تعالى ـ سنتان حتى لمع بين طلاب العلوم فضله, فأقبلوا عليه يتلقون العلوم الآلية والفنون الأدبية, وأخيراً لازمه جماعة من الأدباء الترك، منهم الكاتب التركي الشهير بعلي كمال بك, فأخذ عنه من مختارات النظم والنثر ما يملأ مجلداً, ومنهم مظهر بك ابن بدري بك, تلقى عنه عدة علوم آلية، فأعجب الشيخ به وبذكائه، وقال عنه: لا بد لهذا الشاب من أن يرقى إلى مرتبة عالية في حكومة الدولة العثمانية، وقد صدقت فيه فراسته, فإن هذا الشاب لم يزل يتدرج في الخدمة العالية حتى صار والياً في عدة ولايات، من جملتها ولاية حلب.
وممن لازم الشيخ من أفاضل الترك: رفعت بك المناسترى، صاحب المؤلفات الشهيرة عند الترك, وهو الذي اقترح عليه أن يعرِّب المنظومة الحكمية المسماة (ترجيع بند)، هذا ولم تكن ملازمة التركي له بأكثر من ملازمة الطلاب العرب، فقد كان يفد عليه الطلاب زرافات ووحدانا من أقصى البلاد العربية وأدناها، لينهلوا من أدبه ويتزودوا من حكمه وفقهه, إلى جانب الطلاب الحلبيين الذين كانوا يعكفون على دروسه في المدرسة الرضائية وغيرها من المدارس العلمية التي كان يلقي فيها دروسه بشكل رتيب, وأذكر من أولئك على سبيل المثال لا على سبيل الحصر: جدي ـ رحمه الله تعالى ـ الشيخ أحمد الكردي، والشيخ خالد عقيل، والشيخ راغب الطباخ... وغيرهم. وكان جدي – رحمه الله تعالى - من المعجبين بعلمه وفصاحته و أدبه وتوقد ذكائه، وقد كان من أقرب تلامذته إليه وأحظاهم عنده وأكثرهم استفادة منه, فقد درس عليه الفقه والأصول واللغة والنحو والمنطق السنين الطويلة, وكان لا يفتأ يذكره في كل مجلس حال حياته وبعد وفاته, ويتندر بنكاته الطريفة وأحاديثه الحلوة الظريفة، ويقول: صعب على الأيام أن تعوض الشهباء شخصية علمية يجتمع لها من الصفات الخَلقية والخُلقية كما اجتمع للشيخ بشير الغزي ـ رحمه الله تعالى ـ.