أقرانه وتلاميذه:
لقد كان ـ رحمه الله تعالى ـ حلو الحديث, حسن المجالسة, متواضعاً بين أقرانه وتلاميذه، يحبهم، ويعطف عليهم، ويعود مريضهم, ويساعد محتاجهم بماله وجاهه، ويحرص على فائدتهم, وطالما بذل ما في وسعه في سبيل إسعاد كثير من تلاميذه, وكثيراً ما كلفه ذلك ترك وظيفته التي يتقاضى منها مرتباً قل أن يضحي به أحد غيره.
حدثني أحد تلاميذه، وهو الشيخ أحمد المُعَوَّد فقال: "حدث شجار بين الطلاب في المدرسة الخسروية عندما كنت طالباً فيها، فقررت الإدارة طردي من المدرسة بتهمة اشتراكي في ذلك، مع أني في الواقع لم يكن لي أي دخل في هذا الشجار, والإدارة على علم يقيني بذلك, ولكن قرار الطرد قد صدر بناء على رغبة أحد أفراد الهيئة التدريسية ذوي السلطان، ولما علم الشيخ أحد الكردي بذلك طلب من الإدارة الرجوع عن قرارها الجائر هذا، بعد أن بين لها الواقع، ولكنها رفضت الرجوع إلى الحق، فاستقال الشيخ من جميع دروسه في المدرسة التي كان يتقاضى عليها مبالغ لا يستهان بها في ذلك الزمن، احتجاجاً على هذا القرار الجائر الذي تسبب في حرمان طالب بريء من نعمة متابعة العلم.
وقد كان ـ رحمه الله تعالى ـ يحب المرح والسرور البريء المشروع, ويقود طلابه أيام الصيف والربيع في رحلات إلى بساتين حلب الجميلة إذ ذاك، فإذا وصل إلى البستان انخرط بين طلابه كواحد منهم، يمازحهم ويداعبهم ويشاطرهم العمل في الطعام وتهيئة المأكل، رغم إلحاحهم عليه بالاستراحة، ويقول: لا خير فيَّ إذا شاركتكم في الأكل دون العمل.
لذلك كثر أصدقاؤه ومحبوه والتفوا حوله, كما كثر تلاميذه وتعلقوا به تعلقاً كبيراً، وكثيراً ما كان يندرج بين تلاميذه من هو أعلى منهم في الصف والمرتبة، فيتركون دروسهم وأساتذتهم ليحضروا دروسه، حرصاً منهم على الفائدة الجمة والتدريس المحكم والدرس المبسط المسهب.
وكان – رحمه الله تعالى- ينظر إلى تلاميذه على أنهم أولاده الحقيقيون، لا تلامذة غرباء عنه, فيحنو عليهم، ويسعى جهده لإفادتهم، وتقريب المعلومات إلى أذهانهم, كما كان يلتفت إلى جانب ذلك إلى تربيتهم وتحليتهم بالخلق الكريم، وتزويدهم بمحاسن العادات وأفضل الشيم، وهذه الصفات كلها معروفة عنه ومعروف بها، لا ينكرها من تتلمذ عليه أو جالسه, ولا أعرف في الشهباء اليوم من كبار العلماء وطلاب العلم أحداً إلا صادقه أو تتلمذ عليه أو استمع له.
ومن أقرانه وأصدقائه الذين كانوا على صلة وثيقة به: الشيخ محمد الحنيفي الشهير، شارح الجوهرة في التوحيد, والشيخ علي العالم (الكيالي) مدرس المدرسة الرضائية ـ العثمانية ـ وقاضي حلب في حينه, والشيخ وحيد حمزة القاضي في محكمة الجنايات وعضو محكمة الاستئناف, والشيخ سعيد الإدلبي الفقيه المقرئ, والشيخ نجيب سراج الدين المفسر الداعية, والشيخ حامد هلال, والشيخ إبراهيم الترمانيني, والشيخ عبد اللطيف خزندار، وغيرهم، كما أذكر من تلاميذه الذين كانوا يحرصون على الحضور عليه والاجتماع به والاستماع له: المرحوم الشيخ محمد الناشد، الذي كان يدعى في حلب (الزمخشري الصغير) لفرط تبحره في علوم العربية, والشيخ علي الدادا، القاضي الشرعي بحلب في حينه, والشيخ سعيد العرفي، مفتي دير الزور, والدكتور معروف الدواليبي، والأستاذ مصطفى الزرقاء, والأستاذ صبحي الصباغ رئيس محكمة التمييز في سوريا, والأستاذ محمد الحكيم فتي حلب بعده , والأستاذ محمد بلنكو مفتي حلب بعده , والدكتور محمد فوزي فيض الله, والأستاذ عبد الفتاح أبو غدة, والأستاذ عمر مكناس, والأستاذ عبد الله حماد, والأستاذ عبد الوهاب سكر, والأستاذ أمين الله عيروض, والأستاذ محمد الملاح, الأستاذ ناجي أبو صالح, والأستاذ عبد القادر الكرمان, والطبيب الدكتور عمر خياطة, وغيرهم ممن توفاه الله أو هو على قيد الحياة. وكلهم حتى اليوم دون استثناء يذكره بخير، ويذكر له حرصه عليه، وإخلاصه وتواضعه له.