المناصب العلمية والوظائف التي تقلب فيها:
كان أول منصب شغله ـ رحمه الله تعالى ـ في حياته أن عين كاتباً في المحكمة الشرعية قي حلب, إذ كانت المحاكم كلها في حلب تحكم يومئذ بموجب الأحكام الشرعية الصرفة، واستمر على ذلك مدة أربع سنوات، ثم انتقل بعدها إلى دار المعلمين، فدرَّس فيها العلوم العربية لمدة سنة واحدة، ثم رجع بعدها رئيساً لكتاب محكمة قاضي القضاة، بناء على طلب أستاذه العلامة الشيخ بشير الغزي الذي عين قاضي القضاة يومئذ في دولة حلب, ولم يطل به الأمر كثيراً حتى شغر منصب أمانة الفتوى بحلب، فرُشح له من قبل العلماء والمسؤولين في الحكومة، فرفض الموافقة على ذلك قبل استشارة أستاذه الشيخ بشير الغزي, ولما شاوره في الأمر رفض التخلي عنه أولاً، ثم رجع فوافق بعدما تبينت له المصلحة العامة في ذلك، وعندئذ نقل إلى أمانة الفتوى، وكان ذلك عام /1921/ م واستمر فيها إلى أن أحيل الشيخ عبد الحميد الكيالي مفتي حلب إلى التقاعد، وأجريت انتخابات رسمية، اختاره علماء حلب فيها للفتوى، فعين مفتياً لحلب عام /1950/م.
وعندما أسست المدرسة الخسروية عام /1922/ م و/1340/ هـ على يد مدير أوقاف حلب إذ ذاك يحيى بك الكيالي، عين مدرساً لمادتي الفقه والتوحيد فيها, وبعد ست سنوات تقريباً استقال من منصبه هذا بسبب قضية الطالب الشيخ أحمد المعود المتقدمة، ثم مضت الأيام وكرت السنون وعزل مدير المدرسة الخسروية من منصبه، وتوفي الشيخ حسين الأورفلي مدرس الأصول فيها، فعين جدي الشيخ أحمد الكردي مكانه مدرساً للأصول في الصفوف المنتهية، بساعات ممتازة, واستمر فيها كذلك إلى أن قلبت برامج المدرسة وحولت عن صبغتها الشرعية المحضة عام (1945)م، فاعتزل عندئذ التدريس فيها نهائياً، رغم إصرار ورجاء المسئولين عن إدارتها الجديدة لاستمراره.
وفي عام /1934/م عين رئيساً لمجلس الأوقاف الإداري لمدة أربع سنوات, فكان له في ذلك أطيب الأثر، وأعطر الثناء، بما أحدثه من إصلاحات قيمة ومشروعات مفيدة.
ولما جاء عام / 1944/ م وتوفي الشيخ علي العالم (الكيالي) مدرس الفقه الحنفي في المدرسة الرضائية (العثمانية) عين جدي ـ رحمه الله تعالى ـ مكانه مدرساً للفقه الحنفي فيها، بناء على طلب وإلحاح جمهور الطلاب والعلماء في المدينة, ثم استمر في عمله هذا إلى جانب كونه أميناً للفتوى ثم مفتياً إلى أن توفاه الله سبحانه وتعالى, وكان يحضر دروسه إلى جانب الطلاب الرسميين في المدرسة عدد من علماء المدينة، رغبة منهم في الاستفادة والتحصيل، إذ إنه كان يقرأ في دروسه فيها حاشية ابن عابدين (رد المحتار على الدر المختار) التي تعتبر من أمهات كتب المذهب الحنفي، في جمعها واستقصائها لمختلف الآراء والأقوال في المذهب, وما كان ـ رحمه الله تعالى ـ يرضى بالاقتصار عليها وعلى ما جاء فيها من أدلة وأحكام، بل كان يبسط البحث، ويتوسع في الموضوع، ويستقصي آراء العلماء فيه، بحيث لا يترك شاردة ولا واردة تتعلق بالموضوع إلا ويوردها، مع جميع الأدلة التي تدعمها وتقويها.
وفي عام /1950/ م تولى منصب الإفتاء كما تقدم بعد أن اختاره العلماء له، واستمر فيه إلى أن انتقل إلى جوار ربه، وكان بموجب ذلك يرأس مجلس الأوقاف المحلي بحلب، كما كان عضواً طبيعياً في المجلس الإسلامي الأعلى في دمشق.