المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا محمد ختم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه الغر الميامين، والتابعين ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فقد قضيت في التدريس الجامعي ما يزيد على ثلث قرن من الزمان، درَّست خلالها العديد من المقررات العلمية المختلفة، في العديد من الكليات والجامعات العربية، وأكبر عنايتي كانت في مقررات الأحوال الشخصية الشاملة لمباحث: الزواج والطلاق والأهلية والوقف والوصية والولاية والمواريث.... وكنت في خلال هذه المدة الطويلة نسبيا مرجع الطلاب والطالبات الذين تجاوز عددهم عشرات الألوف لحل مشكلاتهم: العلمية والعائلية أيضا، وذلك لما أكرمني الله تعالى به من شعور مميز نحو هؤلاء الطلاب، فقد كنت أحس في قرارة نفسي نحوهم بأبوة، وربما كان الكثير منهم يستشعر مني ذلك ويبادلني شعور الأبوة بشعور بالبنوة لا يقل عن البنوة الحقيقية، فكانوا يفتحون لي قلوبهم ويشركونني في همومهم ومتاعبهم ومشكلاتهم، ويطلبون مني المساعدة في حل هذه المشكلات، وكنت ألبي طلبهم واستمع إليهم بروية، وأقلب معهم وجوه النظر في سبيل حل ما عرضوه من المتاعب، على ضوء المنطق والمصلحة والمُثُل العليا، وفي ضوء نصوص القرآن والسنة والأحكام الفقهية، وكنا في الغالب نجد الحلول المرضية التي تخرجهم من ضيقهم، وتزرع في قلوبهم الأمل والبهجة والسعادة.
وقد طُلب مني في يوم تقديم مسلسل إذاعي بعنوان: (الأسرة في المنظور الإسلامي)، فلبيت الطلب وكتبت تسعة وعشرين حلقة لمدة شهر هجري، عالجت في كل واحدة منها مشكلة من مشكلات الشباب والأسر، مستوحيا الحلول فيها مما كنت قدمته للطلاب سابقا من حلول لمشكلاتهم، وقد أذيعت هذه الحلقات أكثر من مرة، ولاقت قبولا، وقد طلب البعض صورا صوتية من هذه الحلقات لتكرار سماعها، وقد أشار البعض عليَّ بنشر مضمون هذه الحلقات في كتيب، ليعم نفعها ويستفيد منها عدد آخر من الشباب ممن يعانون من أمثال هذه المشكلات، وليعم ما فيها من فقه وأحكام شرعية يحتاج إليها الكثيرون من الشباب وغيرهم من عامة المسلمين، فلاحظت وجاهة في هذا الطلب وسارعت إلى تلبيته رجاء أن يتحقق ما طلبه الإخوة ، ويكون فيها مادة ثقافية مفيدة تسد الحاجة في هذا الباب.
ولقد صورت في هذه المسائل التي طرحتها أو اخترتها مما طرحه علي فعلا الطلاب سابقا هموم شريحة غير قليلة من شبابنا وشاباتنا، من مشاكل حيَّة تعيشها الساحة العربية اليوم، ويعاني منها العديد من الشباب والأسر، وربما تسبب بعضها في تمزيق أسر، أو زرع التحاقد والتباغض في نفوس أزواج وزوجات، أو إخوة وأخوات، وربما آباء وأمهات أيضا، مما لا يرضى به إنسان، ووضعت لها عنوانا يبين موضوعها، وكانت الحلول المقترحة حلولا متأنية عميقة تفند المشكلة وتتعرف على جذورها وأصولها ومنابعها، لترسم على ضوء نصوص القرآن والسنة الحلول الجذرية لها التي تسعى نحو اجتثاثها من أصولها، دون الوقوف عند تغطيتها بقشه لا تلبث أن تزول فتظهر المشكلة من جديد.
ولقد عزوت هذه النصوص الشرعية التي استشهدت بها إلى مواطنها من القرآن الكريم وكتب السنة المطهرة، وربما كانت بعض الأحاديث الشريفة التي استشهدت بها ضعيفة السند، وهو ما قد يثير التساؤل لدى بعض الناس، والجواب عليه أنها ليست موضوعة، ولم أبن عليها أحكاما شرعية، وأفصل بها حقوقا قضائية، ولكنني استشهدت بها للاستئناس إلى سلامة الحل المستند إلى نصوص أو قواعد أخرى غير هذه النصوص، وهو ما أذن به الفقهاء وأساغوه، على أن جل نصوص الأحاديث الشريفة التي وردت في هذا الكتيب هي من الأحاديث الصحيحة أو الحسنة التي أجمع العلماء على جواز الاستشهاد بها.
والله تعالى أسأل أن ينفع بهذه الحلول شبابنا وشاباتنا، وأن يأخذ بيدهم إلى مجتمع فاضل، وأسر سعيدة هانئة، وحياة وديعة هادئة، فيكونون كما قال سبحانه: « ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون » 21/ الروم، وقوله جل من قائل: « هنَّ لباس لكم وأنتم لباس لهن » 187/ البقرة.
والحمد لله رب العالمين.
الكويت 2/صفر الخير /1418هـ .
7/يونيو حزيران /1997م .
أ.د.أحمد الحجي الكردي
خبير في الموسوعة الفقهية في الكويت
وأستاذ في جامعتي دمشق وحلب بسوريا