عمل المرأة
جاءني سؤال من امرأة متزوجة تعاني من مشكلة مع زوجها، تقول فيها: أنا امرأة موظفة ومتزوجة ولي ثلاثة أولاد، وزوجي يستحثني على ترك وظيفتي والبقاء في البيت للتفرغ له وللأولاد، مدعيا أن عملي الوظيفي يضيع عليه الكثير من حقوقه، كما يضيع على أولادي حسن التربية والرعاية، حيث أضطر إلى تركهم ساعات طويلة من الوقت في اليوم عندما أذهب إلى وظيفتي، من الساعة السابعة، وأعود إلى البيت منها في الساعة الثانية بعد الظهر، وطيلة مدة غيابي يبقى أولادي وحدهم في البيت مع الخادمة، وربما زارتني أمي مرة فبقيت عند الأولاد بضعة أيام مع الخادمة، وأنا أرفض ذلك وأصر على الاستمرار في عملي، لأنه في نظري خدمة قومية من جهة، ومصدر مالي أستطيع به أن أرفد الأسرة وأساعد في الإنفاق عليها، ثم هو حق لي أثبت فيه ومن خلاله ذاتي، وأشعر من خلاله بوجودي، لهذا كله فأنا متمسكة بعملي، ورافضة الاستجابة لطلب زوجي ترك العمل، فأرجو يا فضيلة الشيخ أن تخبرني عن موقفي هذا، أهو موقف صحيح وموقف زوجي خاطئ ؟ أم العكس هو الصحيح ؟ وذلك على ضوء النصوص الشرعية والمذاهب الفقهية،
أيها الإخوة والأخوات: إن مشكلة هذه الأخت السائلة هي مشكلة العصر، فقد كثر الموظفات من النساء في أكثر الأقطار في عالمنا العربي، حتى ساووا الرجال في العدد، وربما زاد عددهم على عدد الرجال في بعض المرافق، وهو أمر مستحدث أفرزته الحضارة الحديثة، والتماس مع الغرب بعد أن لم يكن، فمنذ خمسين سنة فقط، وربما أقل من ذلك، كان توظف المرأة في الوظائف العامة عارا وشنارا، ولا يقدم عليه إلا الموصوفات بالتفلت والخروج على الأخلاق والقيم، اللهم إلا سلك التعليم الابتدائي، فقد كان أرباب العوائل يسامحون بناتهم إذا عملن معلمات للبنات منذ زمن بعيد،
وقد ساعد على هذا التوسع في توظيف المرأة تثقف المرأة وتعلمها، فقد أصبح عدد الطالبات في الجامعات يساوي عدد الرجال فيها أو يقاربه، وربما زاد عليه في بعض الجامعات كما هو الحال في العديد من كليات جامعة الكويت، حسب الإحصائيات المنشورة عن ذلك، وقد نتج عن هذه الظاهرة - أقصد ظاهرة توظف المرأة _ تغير الكثير من القيم والأخلاق المتوارثة لدينا، مثل:
مشاركة المرأة في نفقات الأسرة، بعد أن كانت النفقة مقصورة على الرجل، وخروج المرأة إلى الشارع في كل يوم، بل في اليوم أكثر من مرة أحيانا، بعد أن كان خروجها من البيت لا يتعدى المرة في الأسبوع، وربما في الشهر، ولحاجات خاصة ضرورية فقط،
ومنها كثرة إنفاق النساء المال على الكماليات، وربما ما دون الكماليات، كبعض أدوات الزينة وما إليها،
ومنها تغير طريقة معاملة الزوجة لزوجها ونظرتها إليه، فبعد أن كانت تنظر إليه على أنه القائد للأسرة، والمدير لأمورها، أصبحت تنظر إليه شريكا في قيادة الأسرة معها، وربما شريكا من الدرجة الثانية بعدها هي في بعض الأحوال، وما إلى ذلك،
وهذا كله يثير ضيق بعض الرجال وحنقهم، بل الكثيرين من الرجال الذين يأبون إلا التمسك بالقيم التي تربَّوا عليها وعدوها جزءا من إسلامهم الذي يدينون به، أو تراثا من عروبتهم التي يتمسكون بها،
وإنني هنا أريد أن أقول كلمة بين الفريقين، تضع كلا منهما أمام مسؤولياته، وتوضح له ماله وما عليه، على ضوء المبادئ والقواعد والأسس الإسلامية ، وذلك بالبنود التالية:
1 - قيادة الأسرة للرجل، وذلك مصداقا لقوله سبحانه: « الرجال قوامون على النساء » 34 / النساء، ولكن هذه القيادة لا تعني التجبر والظلم، ولكن تعني المسؤولية عن إصدار القرار بعد المشاورة والحوار مع المرأة،
2 - نفقات الأسرة كلها واجبة على الرجل وحده مهما كان حاله ومهما كان حال المرأة، إلا أنه لا يكلف أكثر من طاقته وإمكانه، لقوله تعالى:« لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا » 7 / الطلاق، فإن أرادت المرأة أن تتبرع لنفسها أو لأولادها أو زوجها بشيء من مالها فوق طاقة زوجها واحتماله إذا كانت غنية، فهذا لها، وهو أمر حسن تشكر عليه، ولكنه ليس واجبا تلزم به أصلا، فلا تكلف به ولا تجبر عليه،
3 - ليس للزوجة مغادرة بيت الزوجية إلا بإذن من الزوج أو لضرورة أو حاجة ماسة، فإذا غادرته بغير إذنه أو ضرورة كانت ناشزا، وسقطت نفقتها، وأثمت عند الله تعالى، لقول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: ( أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة) رواه الترمذي، هذا إذا قام الزوج بجميع التزاماته نحو زوجته، من نفقة، ومهر، وحسن معاملة، وغير ذلك، فإذا أخل بالتزاماته، كأن منعها من مهرها المعجل، أو نفقتها المستحقة لها، أو آذاها، أو أضرَّ بها، أو طردها، فإنها تخرج من بيته إلى بيت أهلها رضي أو لم يرض، ولا تكون بذلك ناشزا،
وعلى ذلك، فإن للزوج أن يمنع زوجته من التوظف، لأن إقامتها في بيته حقه ما دام قائما بالتزاماته الشرعية نحوها، من نفقة وحسن معاملة ورعاية، هذا ما لم يصبح التوظف واجبا عينيا عليها، وهو أمر مستبعد في الظروف العادية،
وفي هذه المناسبة أريد أن أقول كلمة في حكم عمل المرأة وتوظفها بشكل عام، سواء كانت زوجة أو لا،
فالعمل خارج البيت، والتوظف في الأصل، حق لكل إنسان، رجلا كان أو امرأة، ما لم يترتب عليه إضرار بحقوق غيره، أو مخالفة لأمر الشارع، فإذا ما رغب في العمل إنسان، رجلا كان أو امرأة، وترتب على عمله هذا إضرار بالغير، كالأجير الخاص يعمل للغير في مدة إجارته بدون إذن من المستأجر، فإن فيه إضرارا بالمستأجر، فيمنع لذلك، أو يعمل في خمارة أو مصرف ربوي، فإنه محرم لحديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ( لعنت الخمرة على عشرة أوجه: بعينها وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومبتاعها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها وشاربها وساقيها) رواه ابن ماجه، وكذلك الربا، لأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: ( لعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء) رواه مسلم، فيمنع لذلك،
والعمل إلى جانب ذلك واجب على الرجل وحده، ولا يجب على المرأة منه شيء، إلا في حالات الضرورة، وعلى ذلك فإذا امتنع الرجل الفقير عن العمل مع قدرته عليه، وطلب فرض النفقة له على أقاربه، لم يجب إلى طلبه، ويؤمر بالعمل، لأنه واجب عليه، أما المرأة الفقيرة إذا امتنعت عن العمل مع قدرتها عليه وطلبت فرض النفقة لها على أقاربها، أجيبت إلى طلبها، ولم تؤمر بالعمل، وفي ذلك تكريم للمرأة ليس بعده تكريم، وإبعاد لها عن مهابط الشبهات ما بعده إبعاد،
نعم إذا أصبح العمل والوظيفة للمرأة ضرورة قومية، كما في حال انشغال الرجال كلهم في الحروب والمعارك، فإن العمل والوظيفة تصبح على المرأة في هذه الحالة ضرورة قومية وواجبا عينيا ، فتؤمر به كالرجل، إلا أنها حالات خاصة لا أظن أن أمتنا وشعبنا يمرون بها الآن، وحتى في هذه الحالات الخاصة، فإن المرأة تؤمر بالعمل بشرط احتجابها بحجابها الشرعي بعيدا عن الاختلاط بالرجال، لأنه إثم لا ضرورة إليه،
ومن هذا المنطلق فإنني أنادي من بيده الأمر، أن يأخذ بعين الاعتبار هذه المعاني المتقدمة عند توظيف النساء في الوظائف العامة، فلا يسرف في ذلك، ويلاحظ مع هذا أمور الحجاب، ومنع الاختلاط، والله تعالى من وراء القصد، وهو يهدي السبيل، والحمد لله رب العالمين .