الولي في الزواج
جاءني سؤالان موضوعهما واحد، الأول من فتى، والثاني من فتاة، يقول الفتى في سؤاله: إنني فتى في العشرين من عمري، وأرغب في الزواج من ابنة خالتي، وهي فتاة مؤمنة، ومحجبة ومثقفة، وبيني وبينها توافق وتناسب كبير، وهي راضية بخطوبتي، كما أن والدها ووالدتها راغبان بي زوجا لابنتهما أيضا، إلا أن أبي يعارض في ذلك لأمر شخصي بينه وبين زوج خالتي، فهل لي أن أتخطى مخالفة أبي، وأتزوج بابنة خالتي، في الفقه والقانون ؟
وتقول الفتاة: إنني فتاة في الخامسة والعشرين من عمري، وقد تقدم لخطوبتي ابن عمي، وهو مناسب لي، وصاحب دين وخلق، إلا أن أبي وعمي يرفضان الموافقة على خطوبته لي، لأسباب شخصية تتعلق بخلاف قائم بين أبي وعمي، فهل لي من سبيل إلى الزواج من ابن عمي مع معارضة أبي وعمي في ذلك، في الفقه والقانون ؟
أيها الإخوة والأخوات: أقول في الجواب على هاتين الرسالتين: إن الزواج صلة بين أسرتين، وليس بين زوج وزوجة فقط، ولهذا فإن علينا أن نأخذ بعين الاعتبار موافقة أسرتي الزوجين، ممثلة بموافقة القائمين عليهما ؛ ولي الزوج وولي الزوجة، قدر الإمكان، ولكن لا يجوز أن نجعل هذه الموافقة هي الأساس والأصل لعقد الزواج، ونهمل إرادة الزوجين في ذلك بالكلية، فإن لكلٍّ دوره في إسعاد الأسرة، وحسن نشأتها، واستمرارها، والموافقة الأولى والأهم هي للزوجين، لأنهما المحور الرئيس فيها، والمستفيد المباشر منها، والفاعل الأهم فيها، ومن بعد ذلك نجعل لموافقة وليي الخطيين دورا مناسبا في ذلك، يحفظهما من الشطط، ويقيهما من العثرات، وينزِّههما عن الانسياق في النزوات، وسوف أعرض باختصار مذاهب فقهاء المسلمين في هذا الموضوع، وما اتجه إليه القانون في ذلك، مبينا أثر كل من موافقة الزوج والزوجة، وموافقة أوليائهما في صحة الزواج، كما يلي:
1- أجمع الفقهاء على أن الزوج إذا كان عاقلا بالغا، فلا سلطان لأحد عليه في زواجه، وهو الذي يختار الزوجة التي تناسبه، وهو الذي يعقد عليها أو يوكل في عقده عليها من يشاء، ولا يستطيع أن يرغمه على الزواج ممن لا يرغب، أو يمنعه من الزواج ممن يرغب بها، أب ولا جد ولا أم ولا غيرهم، إلا أنه يستحب للشاب أن لا يتزوج إلا ممن يوافق عليها أبواه، برا بهما، واستفادة من نصحهما، فإن تزوج بغير رضاهما صح مع الكراهة،
فإذا كان الزوج قاصرا دون البلوغ، أو كان مجنونا، لم يصح زواجه بغير إذن وليه، بإجماع الفقهاء، لأن اختياره هَدَر، فيحل اختيار وليِّه محل اختياره،
2- موافقة الزوجة، وجمهور الفقهاء على أن الزوجة إذا كانت بالغة عاقلة ثيبا فلا يستطيع أحد أن يرغمها على الزواج ممن لا تريد، إلا أن عليها الاستنارة بموافقة وليها، فإذا كانت صغيرة أو كانت بكرا، فإن أمرها إلى وليها، وليس لها الزواج ممن لا يرغب فيه وليها أصلا.
وذهب الحنفية إلى أن الفتاة كالفتى تماما، إذا كانت عاقلة بالغة، فأمرها إليها، ويندب لها ندبا الاستنارة بموافقة وليها كالشاب، بِرَّا به وتوفيرا لمصلحة الأسرة، فإذا كانت قاصرة فأمرها إلى وليها، كالرجل تماما،
وذهب قانون الأحوال الشخصية الكويتي إلى مذهب وسط بين الاتجاهين، فقضى في المادة(31) منه بأن الفتاة البكر لا تتزوج ألا بموافقة وليها حتى الخامسة والعشرين، فإذا تجاوزت هذه السن فأمرها إليها متى بلغت وعقلت، أما الفتى ؛ فإذا بلغ فأمره إليه، ولا دخل لأحد في زواجه أيا كان، والقاصر الصغير أمره إلى وليه، أما القانون السوري فقد ذهب مذهب الحنفية،
إلا أنني أنبه بعد ذلك العرض لآراء الفقهاء واتجاه القانون، إلى أن سلطة الولي هنا - في حدود ما تقدم - ليست مطلقة، وإنما هي إليه من الشارع لرعاية أولاده، وتحقيق مصالحهم، وليس لإيذائهم، وعلى ذلك ؛ فإذا امتنع الولي عن زواج من في ولايته من ذكر أو أنثى لسبب شخصي، ولم يكن لامتناعه مبرر شرعي، فإنه يُرفع إلى القاضي ليحل محله في الولاية، ويقوم بالموافقة على الزواج بدلا منه، في الفقه والقانون، فإذا كان لمعارضته في الزواج مبرر شرعي، كانعدام الكفاءة مثلا، وافقه القاضي على معارضته، ومنع الزواج، حماية لمصلحة من تحت الولاية من ذكر أو أنثى،
وعلى ذلك ؛ فإنني أتوجه للسائلين الكريمين، بأن الأولى في هذه الحال دِينا وخلقا وبِرَّا بالوالدين، أن يحاولا استرضاء الوالدين في أمر زواجهما، وأن لا يعزما الزواج حتى يرضيان، فإن أبيا كفَّا عن الزواج ندبا، فإن أبيا إلا الزواج كان لهما فقها وقانونا، فأما الفتى فيستطيع الزواج دون أي إجراء، وأما الفتاة فعليها أن ترفع أمرها إلى القاضي، فإذا ثبت لديه أن ابن عمها كفؤ لها حل محل أبيها في الولاية وعدَّه عاضلا، أي ممتنعا بغير سبب، وزوَّجها منه،
وقبل نهاية حديثي، أود أن أوجه نداء لأولياء أمور الفتيان والفتيات، أن يراقبوا الله تعالى في ولايتهم عليهم، وأن يقدِّموا مصالح أبنائهم وبناتهم على كل مصلحة أخرى، وأن يبروهم في تصرفاتهم، وأن يوافقوهم على كل ما ليس فيه شر أو معصية، وأن يتنزهوا في ذلك، وأن يتعالوا فوق مصالحهم الشخصية، والله تعالى من وراء القصد، والحمد لله رب العالمين.