الاختلاط بين الجنسين
لقيني شاب في الخامسة والعشرين من العمر، فيه وسامة، وقال لي: إن لدي مشكلة أحار في أمرها، ولا أعرف لها طريقا ولا حلا، فالحلول التي أقدرها لها حلول مظلمة سوداء، ولا أرى فيها وميضا أنفذ منه إلى حل مُرضٍ لا شقاء فيه ولا ضرر ولا عنت ، لهذا لجأت إليك لتنير لي الطريق إلى حل مرض، وتقدم لي المشورة في ذلك، فقلت له أهلا بك ومرحبا ، فما هي مشكلتك ؟ قلها باختصار لعلي أستطيع مساعدتك في حلها،
فقال الشاب متنهدا: لقد تزوجت منذ سنتين من زوجة مثقفة جميلة، ومن أسرة مسلمة، إلا أنها متفرنجة غير ملتزمة بالآداب الإسلامية والحجاب الإسلامي، بل إنها في الأصل مقصرة في كثير من العبادات الإسلامية، كالصلاة والصوم وما إلى ذلك، وتستسيغ الاختلاط بين الرجال والنساء في اللقاءات والسهرات والندوات، ولم آبه إلى هذا كله يوم الخطوبة والزواج، لأن تطلعاتي للحياة المستقبلية كانت تتوافق مع هذا الاتجاه وتستحسنه، فأنا شاب من أسرة مقاربة لهذه الأسرة، وحالها مثل حالها، فلم يأمرني أحد من أبوي أو غيرهم بالصلاة في الصغر، ولا بالصوم ولا غيره، بل إن أحدا منهما لم يُعرِّفني عقيدة المسلمين أصلا، ولم يمارس أي شعيرة من شعائر الدين أمامي، فنشأت على ما عليه حياة أسرتي، لا أعرف من الإسلام إلا أنني مسلم، وبعد الزواج استمرت حياتنا على ما قدمت، وكانت حياة ميسَّرة لا تعتريها أية مشكلة، يزورني الأصدقاء مع زوجاتهم وهن بكامل زينتهن، فنسمر معا، وزوجتي هي التي تقوم بخدمة الضيوف وتقديم الضيافة لهم، في حليِّها وزينتها، وربما دارت أحاديث اشتركنا فيها رجالا ونساء، أو نكات ضحكنا لها جميعا دون ما حرج، وقد مضى على ذلك سنتان كما قدمت، والآن بدأت حياتي تتغير، والشكوك في قلبي تنمو وتتزايد، وزوجتي أصابها مثل الذي أصابني، فالغيرة بدأت تبدو على تصرفاتها، واعتراها مثل الذي اعتراني، فإننا في كل يوم نتعاتب ؛ تعاتبني على نظرة أستللتها من زوجة صديق، وابتسامة افتعلتها من نكتة روتها زوجة صديق آخر، وربما اتهمتني بالإعجاب بفلانة، أو التباسط في الحديث بما لا ينبغي مع أخرى، وهكذا، ولا أخفي أن النار بدأت تشتعل في قلبي كلما اجتمعنا، فإن نظرات الأصدقاء لزوجتي لم تعد نظرات بريئة في تقديري، وبخاصة فإن زوجتي هي أجمل الزوجات، وأصغرهن سنا، وأكثرهن أناقة، وألينهن حديثا، - أو أن ذلك في نظري على أقل تقدير -، وقد بدأت أحس بأن بعضهم يكن لها التقدير والإعجاب، وربما الحب أيضا، وأخيرا بدأت أحس بأن هناك اتصالات هاتفية بين زوجتي وبعض الأصدقاء في الخفاء دون علمي، وربما مضمون بعض هذه الاتصالات كان مشبوها فيه ما لا يرضي الله ولا رسوله، ولا يرضي أي زوج حريص على زوجته، وربما كانت هذه الشكوك مني أوهاما لا حقيقة لها، ولكنها أوهام استولت على تفكيري، وأخذت عليَّ مشاعري، وبدأت تظهر في سلوكي، فأصبحت كثير الشرود، وحاد المزاج، وكثير النزق، وبذيء اللسان مع زوجتي ومع غيرها من أرحامي، قلق البال لا أحس بطعم الراحة والهناءة ، وكأنني أنام على شوك، ولهذا لجأت إليك سيدي الشيخ، لتعاونني في حل مشكلتي، وإعادة التوازن إلى سلوكي والهدوء إلى نفسي، جزاك الله تعالى عني خير الجزاء،
أيها الإخوة والأخوات، إن هذه المشكلة المعروضة عليَّ وعليكم الآن ليست مشكلة خاصة بهذا الشاب وهذه الزوجة، ولا نادرة الوقوع في هذا العصر، ولكنها مشكلة كثيرين من شبابنا وشاباتنا ممن لم يتربوا على أخلاق المسلمين وقيم المسلمين وعاداتهم، ومن كان هذا حاله لابد أن يقع فيما وقع فيه هذا الشاب، من قلق البال، وأرق النفس، واضطراب السلوك، والإحساس بالشقاء، وصدق الله تعالى حيث يقول: « ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى، قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا، قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم » 124-126 / طه،
أيها الأخ الكريم: هذا جزاء من تجنب شرع الله تعالى، وتنكب سلوك المسلمين، وساير الشاذِّين والمنحرفين، ولم يلتزم بأمر الله تعالى ورسوله الذي فرضه الله تعالى على عباده ليسعدوا في حياتهم، فإنه تعالى غني عنهم جميعا، ولا أريد أن أعاتبك على ما سبق من تقصيرك نحو نفسك ونحو زوجتك، كما لا أريد أن أعتب على أبويك وأسرتك على تفلتهم من القيم الإسلامية، وتقصيرهم في تربيتك وهدايتك إلى سواء السبيل، وأترك ذلك كله إلى الله تعالى وإلى توبة نصوح أرجو أن تتحلوا بها جميعا، وألتفت إلى مستقبل الأيام، وأوضح منهج الإسلام في تعاملك مع زوجتك، عساك تستطيع انتهاجه، وبه وحده تتخلص من مشكلاتك، ويعود إليك صفاؤك وسرورك إن شاء الله تعالى،
الزواج يا أخي مسؤولية تلقى على عاتق كل من الزوجين تلقاء الزوج الآخر، مضمونها الإخلاص له وتقديم كل عون ممكن، وبذل الجهد نحو إسعاده بكل الطرق الممكنة، والابتعاد قدر الإمكان عن كل ما يضره ويؤذيه ويشوش باله، وتطبيقا لهذا المنهاج فقد نص الفقهاء على أحكام عدة يكون في التزامها وفاء بواجبات الزوجية، بعضها هي حقوق للزوجة على الزوج، وبعضها هي حقوق للزوج على زوجته، وهي باختصار:
1 - التزام الزوج بالنفقة على الزوجة والأسرة بحسب حال الزوج يسرا وعسرا، دون إسراف أو تقتير، ومن أبسط مشتملات النفقة إفرادها بمسكن مستقل بها لا يشاركها فيه غيره وغير أولادها منه،
2 - التزام الزوجة المقام في بيت الزوجية وعدم مغادرته إلا بإذن الزوج أو ضرورة شرعية، فإذا خرجت كانت متحجبة بالحجاب الإسلامي وجوبا،
3 - التزام الزوجة بعدم السماح لأي إنسان كان بالدخول إلى بيت الزوجية إلا بإذن من الزوج، وعدم مقابلة أي رجل غير مَحْرَم عليها بغير الحجاب الإسلامي الكامل ومع حضور الزوج أو محرم منها،
4 - التزام الزوج بالإحسان إلى الزوجة وتلبية رغباتها في حدود طاقته وإمكانه، ما لم يكن في ذلك إثم أو معصية،
وقد ألِفَ المسلمون عبر تاريخهم عادات استنبطوها من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وسلوك السلف الصالح، وعلى رأسها عدم الاختلاط بين الرجال والنساء، فإذا ما حصل تزاور عائلي بين الأرحام والأقارب، كان مكان الرجال منفصلا عن مكان النساء، فلا يرى منهم أحد أحدا بحجاب ولا بغير حجاب،
وأهم ما ينبغي أن يحذر منه في ذلك الرجل القريب، فعندما نزلت آية الحجاب وحرَّم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم دخول الرجال على النساء غير المحارم، جاء بعض الصحابيات إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فسألنه عن حكم دخول أخ الزوج عليهن، هل ينطبق عليه التحريم أيضا ؟ فكان جوابه صلى الله تعالى عليه وسلم: ( الحمو الموت) متفق عليه، وقديما قال الحكيم العربي:{ من مأمنه يؤتى الحذر }،
أيها الأخ الكريم السائل: أرجو أن يكون في جوابي هذا إليك ما يكفي لطمأنة بالك ، وهدوء نفسك، ووضع أصابعك على مكمن الخطر، وأرجو أن توفق أنت وزوجك للالتزام بمنهج الإسلام ، وفي ذلك الخير العميم لك ولكل الإخوة الشباب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.