سفر الحاضنة بالمحضون
وردني سؤال من شاب يقول فيه: أنا رجل في الثلاثين من عمري، متزوج ولي أربعة أولاد، أكبرهم في الثامنة من عمره، وأصغرهم في السنة الثانية من عمره، وقد ساءت العلاقة بيني وبين زوجتي، واستشاط النزاع بيننا واستعصى على الحل، رغم وساطة الأهل والأصدقاء، وانتهى الأمر بيننا إلى الطلاق، وقد دفعت لزوجتي بعد طلاقها مؤجل مهرها، كما دفعت لها نفقة عدتها، ثم نفقة الأولاد، لأنها اصطحبتهم معها في حضانتها، ودفعت لها فوق ذلك أجرة لحضانتها للأولاد حسب ما أمر به الشرع الإسلامي وقانون الأحوال الشخصية، ومن يومها والأولاد عند أمهم ترعاهم وتربيهم وتعنى بهم، وإنني أزورهم بين الفينة والفينة، أتفقد أحوالهم، وأرعى شؤونهم، وأسدي لهم النصح والتوجيه قدر الإمكان، وقبل أسبوعين علمت أن مطلقتي أم الأولاد تنتوي السفر مع الأولاد إلى بلد عربي مجاور، للإقامة فيه معهم، وذلك لظروف خاصة اقتضت سفرها، إلا أنني لا أوافق على ذلك، لأن سفرها بهم سوف يحرمني من رؤيتهم وتربيته والإشراف عليهم، وهو ضرر كبير بي وبهم، لهذا رجعت إليك يافضيلة الشيخ لتبين لي إن كان بإمكاني منعها من السفر، أو أخذ الأولاد منها إذا سافرت، لأقوم على رعايتهم بنفسي، أم أن لها أن تسافر بهم وتحرمني منهم وتحرمهم مني ؟
أيها الإخوة والأخوات: هذه إحدى المآسي التي تمر ببعض الأسر التي تَفَرَّق شملها، وتمزق كيانها بالطلاق، ويعود ذلك بأسوء العواقب على الأولاد وتربيتهم وسلوكهم، بل على نفسيتهم أولا، ولهذا فإنني أناشد الأزواج والزوجات ثانيا وثالثا أن يراقبوا الله تعالى في أولادهم، وأن يحسبوا حساب مثل هذا الموقف ألف مرة ومرة قبل أن يقدموا على الطلاق، وأن يقدِّموا مصلحة الأولاد على نزواتهم وشهواتهم ومصالحهم الخاصة، وأن يصبروا ويتحملوا بعض المتاعب، وأن يحاولوا تذليل كل العقبات التي تحول دون استمرارهم في أسرة واحدة، من أجلهم ومن أجل أولادهم،
وعلى أي حال، فإنني أعود إلى سؤال السائل الكريم، وأقول له: الحضانة حق الأم وحق الأولاد معا، فهي لمصلحتهما شرعت، فالأم بها تشبع أمومتها، والأولاد بها يضمنون حنان أمهم ورعايتها لهم، وبالتالي تنشئتهم على أحسن ما يمكن، إلا أن هنالك حقا آخر إلى جانب حق الحضانة، وهو حق الولاية، والولاية تثبت حقا للأب والأولاد أيضا، فهي للأب يشبع بها غريزة الأبوة، وهي للأولاد تضمن لهم رعاية مستمرة وسلوكا قويما وتنشئة سوية، وعلينا - حماية لمصلحة الأولاد من جهة ومصلحة الزوجين معا من جهة ثانية - أن نحافظ على الحقين معا قدر الإمكان ؛ حق الحضانة وحق الولاية، وأن نمنع أي استهتار بأي من هذين الحقين، أو أي عبث بهما أو تجاوز عليهما، ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، وعلى ذلك فإذا ما أرادت هذه الأم الحاضنة السفر بالأولاد بما يفوِّت حق الولاية لهم وللأب، كان للأب منعها من ذلك حماية للحقين معا، ومحافظة عليهما على سواء، فيقال لها إما أن تبقي وتبقى الحضانة لك والأولاد بين يديك، وإما أن تسافري فتسقط حضانتك وينتقل الأولاد إلى من بعدك في الحضانة، بحسب ترتيب محكم بيَّنه الفقهاء وقدمته في حلقة سابقة، إلا أن تسافر الحاضن بالأولاد إلى مكان قريب من بلد أبيهم، إذا كان ذلك - لقربه - لا يمنع الأب من تفقد حالهم والنظر إلى شؤونهم كل يوم، كالخروج بهم إلى مدينة قريبة من مدينة أبيهم لا يزيد بعدها عنها أكثر من ساعة أو ساعتين بالوسيلة المعتادة، كالسيارة،
وكذلك فإن للأم خاصة أن تسافر بالأولاد إلى بلدها الأصلي الذي تزوجها فيه زوجها وعقد فيه عليها، مهما كان بعيدا، لأن ذلك يعد مشروطا عليه في عقد الزواج حكما،
هذا ملخص حكم انتقال الحاضنة بالمحضون، وفيه أنتهي إلى إجابة السائل الكريم عن سؤاله، فأقول له: من حقك يا أخي أن تمنع زوجتك بعد طلاقها من السفر بالأولاد خارج القطر، مهما كان مبرر السفر، إلا أن يكون المكان الذي تود الزوجة السفر إليه هو بلدها الأصلي الذي عقدتَ عليها فيه الزواج، فإذا لم يكن كذلك وأبت إلا السفر سقطت حضانتها، وجاز لك أن تطلب نقل حضانة الأولاد منها إلى مَن بَعدها في الدرجة، كأمها، ثم أمك، ومن بعدهما من الحاضنات، فإذا لم يوجد أحد يصلح لحضانتهم منهن، نقلوا إليك لترعاهم بنفسك مدة غياب الأم،
هذا هو حكم الفقه والقانون، ولكني أناشدك الله تعالى يا أخي المسلم أن تراقب الله تعالى في أولادك، وأن تنظر من خلال مصلحتهم لا مصلحتك أنت، فإن رأيت أن الأفضل لهم أن يسافروا مع أمهم، وأنه لا خطر ولا ضرر عليهم في ذلك، فدعهم معها، وتحمَّل البعد عنهم لمصلحتهم، وإن كان في ذلك ضرر عليهم، فلك أن تطلب إسقاط حضانتها عنهم، ونقلهم إلى حاضنة أخرى بعد أمهم، والله تعالى من وراء القصد، وهو يهدي السبيل، والحمد لله رب العالمين.