زوجة المستقبل
جاءني سؤال من شاب يقول فيه: أنا شاب مسلم، ملتزم بأحكام الإسلام ، ومطبق لها على قدر الإمكان، نشأت في بيئة مسلمة والحمد لله رب العالمين، وقد قام أبويَّ منذ نعومة أظفاري على تسليكي بسلوك المسلمين، وتحفيظي الكثير من آيات القرآن الحكيم، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وتثبيت معالم الإيمان في نفسي، وقد نيَّفت على العشرين، وتسنى لي من الثقافة ما أستطيع معه الانفراد بالقراءة وحدي، وقد تاقت نفسي إلى الزواج والاقتران برفيقة العمر، وتيسرت لي والحمد لله الأسباب المادية والصحية، وأريد أن أفتش عن فتاة تُدخل البهجة إلى قلبي، وتحفظ عليَّ ديني وخُلقي، وأقوم أنا برعايتها وحفظ دينها وخُلقها، كي نسير معا في بناء أسرة مسلمة، تساهم في بناء المجتمع الإسلامي والحضارة الإسلامية، وتعمل على عبادة الله تعالى في الأرض، وأسأل فضيلتكم عن الصفات التي عليَّ أن أفتش عنها في زوجة المستقبل، ورفيقة الحياة.
وجوابي لهذا الشاب المؤمن هو: بارك الله لك في دينك وخُلُقك، وقوَّاك على استدامة طاعته ومرضاته، ووفقك لرفيقة العمر المناسبة لك، التي تكون عونا لك على طاعة الله تعالى، وأُذكِّرك بالصفات التي عليك أن تتوخاها في زوجتك، مستعينا بكتاب الله تعالى، وبالسنة المطهرة، والسيرة النبوية العطرة.
فإنَّ الزواج أيها الشاب المؤمن مفترق طرق خطير، يمر به الإنسان في حياته، ولا أبالغ إذا قلت لك: إنه أخطر مفترق طرق يمر به الإنسان في حياته كلها، فهو فيه إما سائر إلى سعادة عارمة، وهناء غامر، وحياة رغدة، وإما متجه إلى شقاء مستمر، وسعير لا يصطلى، والعياذ بالله تعالى، فالمرأة للرجل سِرُّ سعادته أو سِرُّ شقائه، وهو لها سِرُّ هنائها أو مصدر تعاستها أيضا، ومن هنا جاء اهتمام السنة النبوية المطهرة بهذه المرحلة الخطرة من حياة كل شابٍّ وشابَّة، وتفتيحها العيون على حسن الاختيار، وضرورة تبيُّن كل من الزوجين لحال الآخر، وقد توجَّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشباب قائلا: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنَّه له وجاء) متفق عليه، كما قال لهم: ( تَخيَّروا لِنُطفكم وانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم) رواه ابن ماجه، وقال: ( تُنكح المرأة لأربع، لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) متفق عليه، ثم اتجه إلى الشابات وأولياء أمورهن منبها وواعظا فقال: ( إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) رواه الترمذي،
وعلى ذلك فإن أول صفة يجب أن تتجه إليها أنظار كل من الشباب والشابات في رفيقة العمر وشريك الحياة، هي الدين، إلاَّ أن الدين هنا ليس مجرد لقب يحمله الإنسان، أو وصف يُذكر في بطاقته المدنية أو الشخصية، ولكنه الإيمان الراسخ بوجود الله تعالى وصفاته، وجميع رسله وكتبه وملائكته، وبالقضاء والقدر خيره وشره من الله تعالى، وباليوم الآخر الذي يجري فيه الحساب ثم الثواب والعقاب، إيمانا يُثمر عملا صالحا، وحبا للناس، وتفانيا في تقديم كل عون ممكن لهم، ودفع كل شرٍّ عنهم، إيمانا يتضمن حبا خالصا لله تعالى يعلو على كل حب للدنيا ومظاهرها الخادعة، ومُتَعها الزائلة، وزخارفها الفانية، ويتضمن حبا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، يفوق حب الوالد لولده، والغني لماله، والمُحب لحبيبه، قال جل من قائل:« قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبَّ إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربَّصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين » 24 / التوبة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) متفق عليه، وذلك كله مع القيام بأركان الإسلام ، واتباع أوامره واجتناب نواهيه.
أخي الشاب المؤمن السائل: هذه هي الصفات التي عليك أن تفتش عنها في زوجتك، فإن وجدتها فيها فهي فتاتك التي تسعى إليها، وهي رفيقة عمرك التي تبحث عنها، فالتزمها وأكرمها واحرص عليها، وضمها إليك في أسرة كريمة، تنجب لك الأولاد والذرِّيَّة بإذن الله تعالى، وترعاهم لك بالإيمان والصدق، وتربِّيهم على عبادة الله تعالى، وتحفظ عليك دينك ومالك، وتسعى جهدها لإدخال السرور والبهجة إلى نفسك، وتكون عونا لك على متاعب الحياة ونوائبها ؛ فتفرح لغناك، وتصبر على فقرك، وتشكر الله تعالى على صحتك، وتقف مواسية لك في مرضك، على منهاج قويم يرضي الله تعالى ويرضي رسوله الكريم صلى الله تعالى عليه وسلم، فإذا ما تطلعت نفسك بعد توافر هذه الصفات إلى شيء من الجمال، أو شيء من المال، أو شيء من الحسب، فلا تثريب عليك، ولكن بعد توافر الدين الذي ألمحت إليه، وعوَّلت عليه، وليس على حساب الدِّين والأخلاق،
فإذا تسامحت أيها الشاب في أمر الدين، وهوَّنت من شأنه، وتزوَّجت بذات الجمال أو المال من الفاسقات اللاهيات، اللواتي لم تصل طموحاتهن إلى أكثر مما في الحياة الدنيا من متع زائلة، ولذَّات عابرة، متناسيات ما عند الله تعالى للمؤمنات القانتات من المقامات العالية، وجنَّات قطوفها دانية، فإنك لا تلبث أن تجني الحسرة واللوعة والندم، هذا إذا استطعت البقاء محافظا على دينك وخلقك معها، وأغلب الظن أنك ستفقد ذلك وتضيِّعه، لأنها من زبانية إبليس، وسوف تجرُّك بحبالها إلى معصية الله تعالى، والانخراط في الشهوات، ومتابعة طريق إرضاء النزوات، والعياذ بالله تعالى، وقد حذَّرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من هذا المنزلق الخطير، ونبَّه الشباب إليه، وفتح أعينهم عليه.
ثم فكِّرْ أخي السائل في أولادك ونسلك، فإنهم أمانة الله بين يدي أمهم، شئت أو أبيت، لأن من جسدها غذاؤهم، ومن عواطفها وغرائزها دوافعهم، ثم من تربيتها وسلوكها وأحوالها سلوكهم، واستمع معي إلى الشاعر العربي يقول:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيِّب الأعراق
وأختم كلامي إليك، وجوابي عن سؤالك، بقول الله تعالى: « ولأمَةٌ مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم » 220 / البقرة، وإن أي تقصير أو تساهل منك في مراعاة ذلك سوف يُحَمِّلك مسؤوليات كبرى نحو نفسك، وزوجك، وأولادك، وصدق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، حيث يقول: ( من سنَّ سنَّةً حسنة فعمل بها كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها لا ينقص من أجورهم شيئا، ومن سّنَّ سنة سيئة فعمل بها كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص من أوزارهم شيئا) رواه مسلم وغيره،
أيها الشاب المؤمن، أسأل الله تعالى أن يوفقك في خطوبتك، ويرزقك بالفتاة المؤمنة الصالحة، إنه سميع مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.