نفقة الزوجة والأولاد
أيها الإخوة والأخوات، لقد سألتني امرأة فقالت: أنا امرأة متزوجة ولي ثلاثة أولاد، وزوجي ميسور الحال والحمد لله رب العالمين، ولكنه بخيل مقتِّر علينا في النفقة، فلا ينفق علينا إلا نفقة المعسرين، ولا يأتينا إلا بالضروري من الطعام والكساء، أما المسكن فهو مسكن بسيط متواضع يكاد لا يحتوي على أكثر من الضروري جدا، فهو غرفة واحدة ومطبخ وحمام صغير، مع أن زوجي ميسور كما ذكرت، بل غني يستطيع أن ينفق علينا دون إحراج أضعاف ما ينفقه الآن، ولكنه يرفض التوسيع علينا بالنفقة رغم الإلحاح الشديد عليه وتوسيط الأقرباء والأصدقاء،
فأرجو يا فضيلة الشيخ أن تبين لي ما يجب على زوجي من النفقة والمسكن لي ولأولادي، وما هي الطريقة الشرعية والقانونية التي عليَّ أن أتبعها للحصول على هذا الحق ؟
أيها الإخوة والأخوات، إن الإسلام أحاط الأسرة بسياج من الرعاية والعناية، يجعلها متماسكة مترابطة قوية، مستغنية بنفسها، غير محتاجة إلى غيرها، وأقام بين أفرادها وشائج من الترابط والتعاون يضمن لها الاستمرار والسعادة، ومن ذلك النفقة، فقد أوجب الشارع الإسلامي على الزوج النفقة على زوجته مطلقا، وعلى أولاده الصغار الفقراء، والنفقة هذه ليست نفقة كفاف وضرورة تقف عند الحد الأدنى للنفقة، ولكنها نفقة كفاية، تكون بحسب حال الزوج يسرا وعسرا، فلا يقبل من الغني إلا نفقة الأغنياء ولو كانت زوجته فقيرة ومن أسرة فقيرة، وكذلك أولاده الصغار ماداموا فقراء لا مال لهم، فإن نفقتهم عليه نفقة موسعة، وهي نفقة كفاية بحسب حاله ثراء وفقراً، أما إذا كان الزوج من المتوسطين، فإنه يقبل منه نفقة المتوسطين، فإذا كان فقيرا معسرا قُبِل منه نفقة الفقراء المعسرين بحسب حاله، بشرط أن لا ينزل ذلك عن حد الضرورة،
فإذا أعسر الزوج بالنفقة كليا، وكان قادرا على العمل، فإنه يؤمر بالعمل للإنفاق على زوجته وأولاده، ويعاقب بالتعزير حتى يعمل ويكفيهم، فإذا لم يجد عملا أو كان عاجزا عن الكسب لمرض أو غيره، أمرت زوجته وأولاده من قبل القاضي بالاستدانة عليه في حدود نفقة الضرورة، ويكون ما يستدينونه دينا على الزوج إذا أيسر، فإذا أبى الناس إقراضهم، ألزم القاضي أقارب الزوجة الذين تلزمهم
نفقتها - لولا الزوج - إقراضها مقدار النفقة، وألزم أقارب الأولاد الذين تلزمهم نفقتهم لولا أبيهم أن يقرضوهم مقدار نفقتهم، ثم يكون ذلك كله دينا على الزوج يوفيه إذا أيسر، فإذا مات الزوج معسرا، لم يرجعوا على أحد بشيء.
وبذلك يكون التشريع الإسلامي قد وفَّر للزوجة والأولاد الصغار الفقراء النفقة على وجه مرض، في كل الظروف والأحوال، ولم يدعهم عرضة للحاجة أو السؤال أو العوز، والنفقة محل الحديث تشمل الطعام والكساء والمسكن، والدواء والخدمة عند الحاجة.
هذا ما يتعلق بمقدار النفقة الواجبة على الزوج، أما طريق استيفائها والحصول عليها، فالأصل أن يترك الأمر فيه إلى الزوج نفسه، فينفق على زوجته وأولاده بحسب رأيه في الحدود التي تقدمت، وهو ما يسمى بالإمتاع، فيشتري لهم من الطعام ما يحتاجون إليه، ومن الكساء أيضا ما يحتاجون إليه، وكذلك المسكن. ..، وكل ذلك في حدود طاقته وثروته، فإن كان ممن يسكنون البيوت الخاصة ( فيلا) لم يقبل منه إلا بيت كذلك، وإن كان ممن يسكنون شققا صغيرة اكتفي منه بشقة صغيرة، بحسب حاله، وكذلك الكساء والطعام. ..، وليس للزوجة والأولاد أن يطلبوا منه النفقة نقودا ليشتروا بها ما يحتاجون إليه بأنفسهم، وهو ما يسمى ببدل النفقة،
إلا أن الزوج إذا ثبت تقتيره عليهم، وتقصيره في أداء ما توجَّب عليه نحوهم من النفقة إمتاعا، بحسب ثروته وطاقته، أمر القاضي _ بناء على طلب الزوجة والأولاد _الزوج بدفع بدل النفقة لهم في هذه الحال، بحسب طريقة دخله ؛ يوميا أو أسبوعيا أو شهريا. .. ، فإن كان من أهل الدخل اليومي كبعض العمال، يأمره القاضي بدفعها لهم يوما فيوما، وإن كان من أصحاب الدخل الأسبوعي كبعض الصناع، يأمره القاضي بدفعها لهم أسبوعا فأسبوعا، وإن كان من أصحاب الدخل الشهري كالموظفين العامين، يأمره القاضي بدفعها لهم شهرا فشهرا. ..، ولا يأمره بخلاف ذلك، لئلا يعنته، وبذلك تتوفر مصلحة المحتاجين للنفقة دون إضرار بالمنفق،
فإذا كان الزوج من البخلاء المقترين رغم يساره، وتعذَّر على الزوجة رفع الأمر إلى القاضي لبعض الظروف، جاز لها أن تأخذ من مال زوجها مقدار ما يجب لها من النفقة، هي وأولادها الصغار الفقراء، دون زيادة _ إذا تمكنت من ذلك _ سواء علم بذلك هو أو لم يعلم، فقد ثبت أن هند زوجة أبي سفيان جاءت إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قائلة له: إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال لها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: ( خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) رواه البخاري،
أيها الإخوة والأخوات، هذا بيان ملخص للنفقة الواجبة للزوجة والأولاد على الزوج، من حيث مقدارها، ومن حيث طريقة استيفائها، وأرجو أن يكون فيه غناء للسائلة الكريمة ومن سواها من النساء والأولاد، والله تعالى من وراء القصد، وهو أعز وأعلم.