حكمة تشريع الطلاق:
لقد نبه الإسلام الرجال والنساء إلى حسن اختيار الشريك والشريكة في الزواج عند الخطبة.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: »تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم« رواه ابن ماجه وغيره.
وقال صلى الله عليه وسلم: »لا تزوجوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تزوجوهن لأموالهن فلعل أموالهن أن تطغيهن ولكن تزوجوهن على الدين، ولأمة خرماء سوداء ذات دين، أفضل« رواه ابن ماجه وغيره.
وقال صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة عندما خطب امرأةً: »انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما« رواه الترمذي والنسائي.
وقال صلى الله عليه وسلم: (تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم) رواه أبو داود والنتسائي.
وقال صلى الله عليه وسلم لأولياء النساء: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) رواه الترمذي.
إلا أن ذلك كله -على أهميته- قد لا يضمن استمرار السعادة والاستقرار بين الزوجين، فربما قصر أحد الزوجين في الأخذ بما تقدم، وربما أخذا به، ولكن جد في حياة الزوجين الهانئين ما يثير بينهما القلاقل والشقاق، كمرض أحدهما أو عجزه، وربما كان ذلك بسبب عناصر خارجة عن الزوجين أصلاً، كالأهل والجيران وما إلى ذلك، وربما كان سبب ذلك انصراف القلب وتغيره، فيُبدأ بنصح الزوجين وإرشادهما إلى الصبر والاحتمال، وبخاصة إذا كان التقصير من الزوجة، قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)(النساء: من الآية19).
إلا أن مثل هذا الصبر قد لا يتيسر للزوجين، أو لا يستطيعانه، فربما كانت أسباب الشقاق فوق الاحتمال، أو كانا في حالة نفسية لا تساعدهما على الصبر، وفي هذه الحال: إما أن يأمر الشرع بالإبقاء على الزوجية مع استمرار الشقاق الذي قد يتضاعف وينتج عنه فتنة، أو جريمة، أو تقصير في حقوق الله تعالى، أو على الأقل تفويت الحكمة التي من أجلها شرع النكاح، وهي المودة والألفة والنسل الصالح، وإما أن يأذن بالطلاق والفراق، وهو ما اتجه إليه التشريع الإسلامي، وبذلك عُلم أن الطلاق قد يتمحض طريقاً لإنهاء الشقاق والخلاف بين الزوجين، ليستأنف الزوجان بعده حياتهما منفردين أو مرتبطين بروابط زوجية أخرى، حيث يجد كل منهما من يألفه ويحتمله، قال تعالى: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً) (النساء:130).
ولهذا قال الفقهاء بوجوب الطلاق في أحوال، وبندبه في أحوال أخرى -كما تقدم- على ما فيه من الضرر، وذلك تقديماً للضرر الأخف على الضرر الأشد، وفقاً للقاعدة الفقهية الكلية: "يختار أهون الشرين"[1]، والقاعدة الفقهية القائلة: "الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف"[2].
ويستأنس في ذلك بما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه : (أن زوجة ثابت بن قيس بن شماس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له: يا رسول الله: ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكنني أكره الكفر في الإسلام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم قال صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة وطلقها تطليقةً) رواه البخاري.
ومما يؤكد هذا المعنى ويزيده قوة أن كل شرائع السماء أباحت الفراق بين الزوجين، كاليهودية، وحتى النصرانية التي تقول بأبدية الزواج، فإن جل فرقها اليوم تقول بإباحة الفراق في أحوال وشروط تختلف فيما بينها توسعة وتضييقا، وذلك اعتمادا على نصوص وردت في الإنجيل المعتمد لديهم، مثل ما جاء في إنجيل مرقس قوله: ( أقول لكم إن من طلَّق امرأته بسبب الزنا وتزوج بأخرى يزني، والذي يتزوج بمطلقة يزني)[3].