التفريق لفساد العقد:
اتفق الفقهاء على أن عقد النكاح إذا انتقص ركنا من أركانه، أو شرطا من شروط انعقاده الأساسية، كان باطلا لا أثره له، إلا ما روي عن أبي حنيفة من القول بشبهة العقد، أما العقد المفتقد لشرط من شروط صحته، وهي دون شروط الانعقاد في الأهمية للعقد، كالشهود مثلا، أو شرط من شروط الشهود، كأن يشهد عليه واحد فقط، وهو الفاسد عند الحنيفة، فهو عقد معتد به بالجملة، ومنتج لبعض آثار العقد الصحيح بعد الدخول دون جميعها، إلا أنه عقد مستوجب للفسخ، والتفريق بين الزوجين دفعا للحرمة باتفاق الفقهاء.
إلا أن الفقهاء اختلفوا في بعض أحكام هذا التفريق وشروطه ووقت وقوعه، على ما يلي:
1- اتفق الفقهاء على أن الفرقة للنكاح الفاسد فسخ وليست بطلاق، لأن الطلاق أثر من آثار العقد الصحيح بخاصة، وهذا ليس كذلك.
2- كما اتفقوا على حلول الفرقة بفسخ النكاح بين الزوجين برضاهما، وبترك الزوج زوجته عازما على عدم العود إليها، وبقضاء القاضي بفسخ الزواج بين الزوجين بناءا على طلبهما أو طلب أحدهما أو جبرا عنهما، وذلك لأنه قضاء حسبة، رفعا للحرمة وتلبية لحق الشرع.
3- وهذا كله يستوي فيه أن تكون الفرقة قبل الدخول أو بعده، إذا كان فساد العقد متفقا عليه بين الفقهاء، كالنكاح بشاهد واحد، فإذا كان مختلفا في فساده بينهم، كما في الزواج بشاهد وامرأتين، فإنه صحيح عند الحنفية، غير صحيح عند الشافعية، وكذلك إذا كان الشهود غير عدول، فإنه صحيح عند الحنفية غير صحيح عند الشافعية، وتزويج الولي البكر البالغة بغير رضاها، فإنه صحيح عند الشافعية فاسد عند الحنفية ...
فإذا كان كذلك، فإنه لا يستحق الفسح أصلا عند من يقول بصحته، أما عند من يقول بعدم صحته، فقد ذهب الحنفية والجهور إلى وجوب إنهائه بالمتاركة أو الفسخ من الزوجين أو القاضي قبل الدخول أو بعده.
واضطرب مذهب المالكية، فقد روي عن مالك قوله:إن النكاح الفاسد المختلف في فساده لدى الفقهاء يفسخ قبل الدخول لا بعده، أما النكاح المتفق على فساده، فإنه يفسخ قبل الدخول وبعده.
وروي عنه أن ما اختلف الفقهاء فيه بحسب اختلافهم في ضعف علة الفساد وقوتها، وبحسب الإخلال بالشروط المتعلقة بالصحة، وهو ما يسميه الحنيفة بالفاسد، فإنه يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده، والأصل فيه عنده أن لا يفسخ، ولكن يحتاط لذلك قبل الدخول بالفسخ.
وذكر ابن الرشد في بداية المجتهد فقال: والاضطراب في المذهب في هذا الباب كثير، وكأن هذا راجع عنده إلى قوة دليل الفسخ وضعفه، فمتى ما كان الدليل عنده قويا فسخ قبله وبعده، ومتى كان ضعيفا فسخ قبله ولم يفسخ بعده، وسواء أكان الدليل متفقا عليه أم مختلفا فيه[1].