التفريق لاختلاف الدين:
اتفق الفقهاء على صحة زواج المسلمة من المسلم، كما اتفق الجمهور على صحة زواج المسلم من الكتابية، لقوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ)(المائدة: من الآية5)، كمما اتفقوا على عدم صحة زواج المسلم من غير الكتابية من الكفار، وعلى عدم صحة زواج المسلمة من غير المسلم، وهذا البحث خارج عن هذا الموضوع، إلا أنه مقدمة لا بد منها هنا.
فإذا تزوج المسلم مسلمة أو كتابية، ثم ارتد أو ارتدت الزوجة المسلمة، أو خرجت الكتابية عن دينها إلى دين غير كتابي، أو ارتد الزوجان معا، أو على التعاقب، أو تزوج غير المسلم من غير المسلمة ثم أسلم أحدهما أو أسلما معا أو على التعاقب، فهل يفرق بين الزوجين في كل ما تقدم؟
لهذا الموضوع صور متعددة، اتفق الفقهاء في بعضها واختنلفوا في بعضها الآخر، على آراء كما يلي:
1 – فإذا أسلم ا لزوجان الكافران معا، فهما على زواجهما، ولا يفرق بينهما باتفاق الفقهاء، ما دام لم يوجد بينهما مانع من الاستمرار في النكاح في حكم الإسلام، قال ابن عبد البر: أجمع الفقهاء على أن الزوجين إذا أسلما معا في حال واحدة أن لهما المقام على نكاحهما ما لم يكن بينهما نسب أو رضاع، والمصاهرة في هذا مثل النسب والرضاع، فإذا كان بينهما ما يمنع من استدامة النكاح، كأن تكون أخته مثلا، فرق بينهما في الحال.
2 – فإذا أسلم الزوج دون الزوجة، فإن كانت الزوجة كتابية ولا مانع من استمرار نكاحهما في حكم الإسلام، من نسب أو رضاع أو مصاهرة، فهما على زواجهما بالاتفاق أيضا، فإذا أسلمت الزوجة بعده لم يتغير الحكم، فإذا كان بينهما ما يمنع استمرار الزواج فرق بينهما في الحال، مراعاة لحال المسلم منهما.
3 – فإذا كانت الزوجة غير كتابية، أو كان المسلم هو الزوحة، فقد ذهب الشافعية والحنبلية إلى أن ذلك إن كان قبل الدخول فرق بينهما في الحال، وإن كان بعد الدخول فقد ذهب الشافعي إلى انتظار العدة، فإن أسلم الكافر في العدة، فهما على زواجهما، وإن لم يسلم حتى انقضت العدة، فرق بينهما بأثر رجعي يعود إلى تاريخ إسلام الأول، وللحنبلية روايتان في هذا: الأولى مع الشافعية، والثانية يفرق بينهما في الحال، كما في حال عدم الدخول.
وذهب الحنفية إلى عرض الإسلام على الثاني، فإن أسلم فهما على زواجهما، وإن أبى فرق بينهما بإبائه لا بإسلام الأول، فإذا تعذر عرض الإسلام على الكافر منهما، فرق بينهما بانقضاء العدة.
وذهب المالكية إلى أن إسلام أحد الزوجين إن كلان قبل الدخول فرق بينهما في الحال، وإن كان بعد الدخول، فإن كانت الزوجة هي المسلمة توقف الأمر إلى انقضاء عدتها، فإن أسلم فيها فهي زوجته، وإلا فرق بينهما، وإن كان الزوج هو المسلم، فإن أسلمت الزوجة بعد فترة قصيرة وقدرت بالشهر فهما على زواجهما، وإلا فرق بينهما، فإذا أسلم الزوج وتحته أكثر من أربع زوجات، أو أختان أو أم وابنتها، وكن من أهل الكتاب، أو أسلمن معه، وهن على صفة يحل له الزواج منهم على انفراد ابتداء، فقد اختلف الفقهاء فيه على أقوال:
فذهب الشيخان من الحنفية إلى أنه إن كان تزوج بأكثر من أربع زوجات معا في عقد واحد بطل نكاحهن جميعا بإسلامه، وإن كان تزوجهن على التوالي بطل نكاح من تزوجها بعد أربع، وبقي معه الأربعة الأول منهن، فإن كانتا أختين فكذلك، وإن كانتا أما وابنتها، فإن دخل بهما أو بإحداهما حرمتا عليه، وإن لم يدخل بهما، اختار البنت لحرمة أمها عليه بالعقد دونها.
وذهب محمد بن الحسن إلى أنه يخير في الأربع والأختين مطلقا، وإن كانتا أما وابنتها، فكا تقدم من مذهب الشيخين.
وذهب المالكية إلى ما ذهب إليه محمد بن الحسن، إلا في الأم وابنتها، فقد قالوا: إن دخل بهما أو تلذذ حرمتا عليه، وإن دخل بواحدة أو تلذذ بها تعينت هي زوجة له، وحرمت الأخرى، سواء أكانتا هي الأم أم البنت، وإن لم يكن دخل بواحدة منهما أو تلذذ بها اختار أيتهما شاء، وترك الأخرى.
أما الشافعية والحنبلية، فمثل المالكية فيما تقدم، سوى البنت وأمها، فقد قالوا إن دخل بهما أو بالأم فقط حرمتا عليه، وإن لم يدخل بهعما أو دخل بالبنت فقط تعينت البنت له، وفرق بينه وبين الأم.
4 – فإذا كان الزوجان مسلمين فارتد أحدهما -والعياذ بالله تعال- أو كان المرتد هو الزوج والزوجة كتابية، أو بقي الزوج على إسلامه وكانت الزوجة كتابية فخرجت عن دينها الكتابي إلى دين غير كتابي، فقد ذهب الجمهور إلى التفريق بينهما.
وذهب الحنفية إلى ذلك أيضا إذا كان المرتد هوالزوج قولا واحدا، فإذا كان المرتد هو الزوجة فكذلك في ظاهر الرواية، وهو القياس، كما في ارتداد الزوج، إلا أنه قد أفتى بعض مشايخ بلخ وسمرقند بعدم وقوع الفرقة بردة الزوجة استحسانا، حسما لباب الاحتيال على الخلاص من الزوج، لأنها لا تملك الطلاق دونه، وأفتى عامة مشايخ بخارى بوقوع الفرقة، إلا أنهم أفتوا بإجبارها هنا على العود إلى الإسلام وإلى نكاح الزوج نفسه بمهر يسير.
وذهب المالكية إلى التفريق بردة الزوج أو الزوجة على سواء، إلا أنهم نصوا على أن ذلك مخصوص بعدم وجود قرائن على أن ردة الزوجة تريد بها الخلاص من الزوج، فإن قامت مثل هذه القرائن لم يفرق بينهما بذلك، معالمة لها بنقيض قصدها.
5 – فإذا ارتد الزوجان المسملمان معا، فقد ذهب الحنفية إلى أنهما على زواجهما استحسانا، وهو قول للمالكية، رواه أصبغ.
وذهب الجمهور إلى وقوع الفرقة بينهما بذلك.
وقت وقوع الفرقة، ونوعها، وطريق وقوعها:
ذهب الحنفية إلى أن الفرقة لإسلام أحد الزوجين لا تقع بدون حكم القاضي بها، لأنها لا تفع عندهم بإسلام المسلم، ولكن بإباء الزوج الآخر عن الإسلام، كما تقدم، وهذا يحتاج إلى عرض الإسلام عليه، وهو من صلاحيات القاضي، فإذا عرض عليه القاضي الإسلام وأبى أو عجز عن عرض الإسلام عليه، حكم بالتفريق.
وذهب الجمهور إلى أن الفرقة بإسلام أحد الزوجين تقع فور إسلامه إن كان قبل الدخول، وبانقضاء العدة بعده دون حاجة إلى قضاء، وفي رواية ثانية للحنبلية تقع الفرقة بإسلام أحدهما مباشرة مطلقا.
أما الفرقة بارتداد أحد الزوجين أو ارتدادهما معا مطلقا، فقد اتفق الفقهاء على أنها لا تحتاج إلى قضاء، وهل تقع فور الارتداد؟
ذهب الحنفية والمالكية إلى وقوع الفرقة فور الارتداد، وعلى ذلك، فإذا عاد المرتد إلى الإسلام لم يعد إليه زوجه بدون عقد جديد، سواء أكان ذلك في العدة أم بعدها.
وذهب الشافعية والحنبلية إلى أن الفرقة بالردة كالفرقة بالإسلام، تقع فورا قبل الدخول، وبانقضاء العدة بعده، وللحنبلية رواية ثانية بوقوع الفرقة بالردة بعد الدخول مباشرة، كما هو الحال قبل الدخول.
أما نوع الفرقة، فإن كانت بإسلام أحد الزوجين وإباء الآخر فهي فسخ عند الجمهور، وذهب الطرفان من الحنفية إلى أنها إن كانت بإباء الزوج فطلاق بائن، وإن كانت بإباء الزوجة ففسخ.
وإن كانت الفرقة بردة الزوجين أو أحدهما فهي فسخ عند الجمهور، وذهب محمد بن الحسن من الحنفية إلى أنها طلاق بائن، وهو رواية للمالكية، وهي المشهورة في المذهب، وفي رواية ثانية للمالكية أنه طلاق رجعي، رواها المخزومي.