الحضانة
تعريف الحضانة:
الحِضن بالكسر في اللغة الجنب، وهو مادون الإبط إلى الكشح، وقيل: هو الصدر والعضدان وما بينهما، وهو الأشهر، والجمع أحضان، وهو من الباب الأول باب نصر، ويتعدى إلى مفعول، وبالهمزة يتعدى إلى مفعولين، يقال أحضنت الدجاجة البيض، إذا جعلتها تحضن البيض، والمصدر منه الحَضن، يقال: حضن الطائر بيضه حضناً وحضاناً، إذا ضمه إلى نفسه، واحتضن الرجل الطفل إذا جعله في حضنه، ومنه الحديث الشريف أنه صلى الله عليه وسلم (خرج محتضنا أحد ابني ابنته) رواه أحمد، والمحتَضَن: الحضن، والاسم: حضانة، بكسر أوله، كذا في القاموس، وجاء في اللسان والمصباح جواز الفتح كذلك، والمحِضن: اسم مكان منه، والمحضنة: المعمول للحمامة كالقصعة، واسم الفاعل منه: حاضن للرجل، وحاضنة للأنثى، لأنه مشترك بينهما، بخلاف الحمامة، فهي حاضنة فقط، لعدم الاشتراك، والجمع: حُضّان هذا ويطلق الحِضن في اللغة على معان عدة أخرى لملازمتها للمعنيين الأولين، من ذلك:
1)) حِضن الضبع: مكان صيدها.
2)) حِضنا المفازة: شقاها، وحضنا الفلاة: ناحيتاها، وحضنا الليل: جانباه.
3)) وحِضن الجبل: ما يطيف به.
4)) وحَضَن الصبيَّ يحضنه حَضناً: إذا رباه.
5)) ونخلة حاضنة: إذا خرجت كبائسها، وفارقت كوافيرها، وقصرت عراجينها.
وعرف الحصكفي الحنفي الحضانة بأنها: تربية الولد، وزاد ابن عابدين في حاشيته على ذلك قوله: هذا على إطلاقه معناه اللغوي، أما الشرعي فهو تربية الولد لمن له حق الحضانة، كما أفاده القهستاني[1].
وزاد الخطيب الشربيني الشافعي على التربية الحفظ، كما عممها على كل من لا يستقل بنفسه، فقال: الحضانة حضن من لا يستقل وتربيته[2]، فكان لذلك أشمل من التعريف الأول.
وتبع الشربيني في ذلك الإمام الدردير المالكي، فقال: الحضانة: حفظ الولد والقيام بمصالحه[3].
إلا أن التعريف الأول -تعريف الشربيني- أوضح وأعم.
نستخلص من ذلك أن الحضانة في الفقه هي: حفظ من لا يستقل بنفسه مما يؤذي، والعناية بتربيته جسدياً بالطعام والشراب والنظافة..... وسلوكياً بتعويده ممارسة العادات والأخلاق..... وذلك ممن له حق حضانته.
فيخرج بذلك حفظ الكبير المستغني بنفسه، فإنه ليس من الحضانة شرعاً، وكذلك حفظ الصغير من غير من له حق حضانته، فإنه ليس حضانة في الشرع، كما يخرج بذلك خدمة المحضون، فإنها غير حضانته، لأن الحضانة حفظ ونظر في المصالح، وهما غير الخدمة، ثم إن الخدمة داخلة في النفقة، والنفقة غير الحضانة، وقد صرح بذلك الرملي، فقال: فإن احتاج الولد الذكر والأنثى لخدمة، فعلى الوالد إخدامه بلائق به عرفاً، ولا يلزم الأم خدمته كما يأتي، وإن وجبت لها أجرة الحضانة، لما تقرر أنها: الحفظ والنظر في المصالح، وهذا غير مباشرة الخدمة[4].
ويستعمل بعض العلماء مصطلح الحضانة في معان أخرى غير معناها الفقهي أو اللغوي، وذلك لوجود ملازمة بين معنياها اللغوي والفقهي وتلك المعاني، من ذلك:
1)) يطلق الأطباء الحضانة على كمون المرض في جسم المريض مدة من الزمن قبل ظهور الأعراض عليه، فيقولون: المرض الفلاني حضانته خمسة أيام، والمرض الفلاني حضانته سبعة أيام .... يريدون بذلك المدة الزمنية التي يبقى فيها الجرثوم الممرض في جسم المريض كامناً قبل أن تظهر أعراض المرض على المريض.
كما يسمي الأطباء السرير الخاص الذي يوضع عليه الطفل غير مكتمل الولادة في الساعات الأولى من ولادته "حَضَّانة".
2)) ويطلق علماء التربية على المدارس التي يربي فيها الطفل في سنيه الأولى "دور حضانة" وربما كان ذلك قبل اكتمال الطفل السادسة من العمر خاصة.
من تثبت عليه الحضانة، وحكمها والحقوق المتعلقة بها:
تثبت الحضانة لدى جمهور الفقهاء على كل من يعجز عن إدارة أموره الشخصية بنفسه، كالطعام، واللباس، والنظافة..... وهم الصغير، والمجنون، والمعتوه، وربما خص بعض الفقهاء الحضانة بالصغار خاصة، كما تبين ذلك من تعريف الحنفية للحضانة، إلا أن الشافعية والمالكية والحنبلية نصوا على عمومها الصغير، والمجنون والمعتوه[5].
والحضانة لدى جمهور الفقهاء حق للمحضون وواجب عليه، وحق للحاضن وواجب عليه، كما هو حق للولي وواجب عليه، والولي هنا ولي النفس، وخالف المالكية في ذلك، فقد روي عنهم قولان:
1)) قول بأنها حق للمحضون، وهو ضعيف.
2)) وقول آخر بأنها حق للحاضن، وهو المشهور.
ولهذا فإنها تسقط بإسقاط الحاضن لها ولا تعود إليه بعد ذلك عندهم كما يأتي[6]:
وقد اعتمد الجمهور في ذلك على أنها شرعت لحفظ نفس المحضون وحسن تربيته وتنشئته مع عجزه عن القيام بذلك لنفسه، وذلك لا يأتي إلا بِعَدِّ الحضانة كذلك.
فكون الحضانة حقاً للمحضون ينتج عنه وجوبها على الحاضن توفيراً لهذا الحق، إلا أن ذلك الوجوب منحصر في حال تعينها له، بأن لم يوجد حاضن غيره، أو كان وسقطت حضانته لنقصان شرط أو قيام مانع به، أو وجد وامتنع عنها، فإن كان للمحضون حاضنة قربى، وحاضنة بعدى صالحة للحضانة، فامتنعت القربى عن الحضانة وقبلتها البعدى، لم تجبر القربى عليها لسقوطها عنها بالبعدى، ذلك أن حق المحضون تأمن بها، فإن اعتذرت البعدى عنها، لم تجر البعدى عليها، ولكن تتعين على القربى، وتلزم بها قضاء، حماية لحق الصغير، وكذلك إذا كانت البعدى لا تصلح للحضانة.
وأما كونها واجباً على المحضون، فلبيان مكان حق الحاضنة في إشباع غريزتها في الحنو على الطفل وحسن رعايته، ولهذا لم ينزع من الحاضنة القربى إلا بسقوط حضانتها أو بتنازلها عنها، توفيراً لهذا الحق، ثم إن حفظ نفس المحضون وحسن تربيته لا يتأتى إلا بأن يكون عند أقرب الناس إليه وأحناهم عليه، وهن الحضّان، الأقرب منهن فالأقرب.
وأما حق الولي، فإنه فرع عن حق المحضون، وعلى ذلك فليس للولي أخذ الولد من حاضنته في مدة الحضانة، كما ليس للحاضن السفر بالمحضون من بلد وليه إلى بلد آخر بعيد توفيراً لحقه[7].
هذا وحق المحضون فيه حق الله تعالى، ولهذا لا يسقط بإسقاط أحد أنا كان.
وقد قرر جمهور الفقهاء أن الحاضنة إذا تنازلت عن حقها في الحضانة لقاء بدل، أو بدون بدل، ثم عادت فطلبت الحضانة، أجيبت إليها، رعاية لحق الله تعالى فيها، وهو حق لا يقبل الإسقاط من أحد، وكذلك إذا خالعت الحاضنة الأم الزوج على تنازلها عن حضانة أطفالها، فإن المخالعة تصح ويلغو التنازل عن الحضانة، فيكون للأم العود إلى المطالبة بها بعد ذلك، لعدم سقوطها بذلك، لما تقدم.
من تثبت له الحضانة:
الحاضن في اصطلاح الفقهاء: هو الإنسان الذي يقوم على المحضون في حفظه وتربيته وتولي سائر أموره الشخصية، فإذا كان رجلاً فهو حاضن، وإذا كان امرأة فهي حاضنة[8].
ترتيب الحضّان:
اتفق الفقهاء على أن أحق الناس بحضانة الإنسان أمه، وذلك لمزيد شفقة وحنان خلقهما الله فيها، واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة، منها: ما رواه عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن امرأة قالت: يا رسول الله: إن ابني هذا كان بطني له دعاء، وثديي سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنت أحق به ما لم تنكحي) رواه أبو داود.
فإذا لم يكن للمحضون أم، أو كان له أم وأ سقطت حضانتها لقيام مانع أو اختلال شرط، أو أنها رفضت الحضانة ولم تتعين عليها، فقد اختلف الفقهاء فيمن له حق الحضانة بعد الأم، على أقوال متعددة، وإذا تجاوزنا الخلافات المرجوحة وأخذنا بالقول الراجح في كل مذهب، استطعنا أن نجزم باتفاق الفقهاء على أن حق الحضانة بعد الأم يكون لأم الأم، لأن الأم أحق الناس بالحضانة، وهذه أقرب الناس إلى الأم فتكون الحضانة لها بعدها بدلاً عنها، فإذا لم يكن للمحضون أم أم، أو أنها اعتذرت عنها، أو سقطت حضانتها لمانع، فالحضانة للجدات لأم وإن علون، الأقرب فالأقرب، وقد اختلف الفقهاء هنا فيما إذا كان للمحضون جدة لأم من أمها (وهن الجدات الصحيحات)، وجدات لأم من أبيها (وهن الجدات غير الصحيحات).
فذهب المالكية إلى أنهن إن استوين في الدرجة، قدمت الصحيحة على غير الصحيحة، وإن اختلفن في الدرجة، قدمت القربى على البعدى مطلقاً.
وذهب الحنفية إلى أن الجدة لأم التي تلي الأم في الحضانة هي الجدة الصحيحة فقط، وتقدم القربى على البعدى، أما الجدات لأم غير الصحيحات، فحقهن في الحضانة يأتي بعد الخالات.
وذهب الشافعية والحنبلية إلى سقوط حضانة الجدات لأم غير الصحيحات مطلقاً، وذلك لأنهن يدلين بالجد الرحمي، وهو لا حضانة له، فكذلك هن[9].
فإذا لم يكن للمحضون جدات لأم، أو كان وسقطن لقيام مانع، أو اعتذرن عنها، فقد اختلف الفقهاء فيمن يليهن على أقوال:
آ)) فذهب الحنفية إلى ترتيب الحاضنات بعد الجدات لأم على الوجه الآتي:
1) الجدة لأب، وإن علت، تقدم القربى على البعدى.
2) الأخت الشقيقة، وهي الأخت لأب وأم.
3) الأخت لأم.
4) الأخت لأب .
5) بنت الأخت الشقيقة.
6) بنت الأخت لأم.
7) الخالة الشقيقة، وهي أخت الأم لأمها وأبيها.
8) الخالة لأم، وهي أخت الأم لأمها فقط.
9) الخالة لأب، وهي أخت الأم لأبيها فقط.
10) بنت الأخت لأب.
11) بنت الأخ الشقيق.
12) بنت الأخ لأم.
13) بنت الأخ لأب.
14) العمة الشقيقة، وهي أخت الأب لأبيه وأمه.
15) العمة لأم، وهي أخت الأب لأمه فقط.
16) العمة لأب، وهي أخت الأب لأبيه فقط.
17) خالة الأم، الشقيقة، وهي أخت الجدة لأم أبيها وأمها.
18) خالة الأم لأم، وهي أخت الجدة لأم لأمها فقط.
19) خالة الأم لأب، وهي أخت الجدة لأم لأبيها فقط.
20) خالة الأب الشقيقة، وهي أخت الجدة لأب لأبيها وأمها.
21) خالة الأب لأم، وهي أخت الجدة لأب لأمها فقط.
22) خالة الأم لأم، وهي أخت الجدة لأب لأبيها فقط.
23) عمة الأم الشقيقة، وهي أخت الجد لأم لأمه وأبيه.
24) عمة الأم لأم، وهي أخت الجد لأم لأمه فقط.
25) عمة الأم لأب، وهي أخت الجد لأم لأبيه فقط.
26) عمة الأب الشقيقة، وهي أخت الجد لأب لأمه وأبيه.
27) عمة الأم لأم، وهي أخت الجد لأب لأمه فقط.
28) عمة الأم لأب، وهي أخت الجد لأب لأمه فقط.
29) العصبات بالنفس من الرجال بحسب ترتيبهم في الإرث، وهم كل ذكر ليس في نسبه إلى المحضون أنثى، يقدم فيهم الأصول أولاً، ثم فروع الأب، ثم فروع الجد العصبي.
30) ذوو الأرحام من الرجال، يقدم فيهم الإخوة لأم، ثم أبناؤهم، ثم الأعمام لأم، وهم: إخوة الأب لأمه، ثم أبناؤهم، ثم الأخوال......
فإذا تساوى مستحقان للحضانة في كل ما تقدم، قدم الأصلح، ثم الأورع، ثم الأكبر سناً، مع ملاحظة أن لا حضانة لعاصب أو غيره إذا كان ذكرا غير محرم، وذلك في حق المحضونين من الإناث إذا بلغن حد الشهوة[10].
ب) وذهب المالكية إلى أن حق الحضانة بعد الجدات لأم كما يلي:
1) الخالة الشقيقة.
2) الخالة لأم.
3) الخالة لأب.
4) خالة الأم الشقيقة، ثم التي لأم، ثم التي لأب.
5) عمة الأم الشقيقة، ثم التي لأم، ثم التي لأب.
6) الجدة لأب.
7) جدة الأب لأمه أو لأبيه، بشرط تقديم التي من جهة أم لأب على التي من جهة أم أب الأب إن استوتا في الدرجة، وإلا قدمت القربى على البعدى مطلقاً.
8) الأب.
9) الأخت الشقيقة، ثم التي لأم، ثم التي لأب.
10) العمة الشقيقة، ثم التي لأم، ثم التي لأب.
11) عمة الأب الشقيقة، ثم التي لأم، ثم التي لأب.
12) خالة الأب الشقيقة، ثم التي لأم، ثم التي لأب.
13) بنت الأخ الشقيق، ثم الذي لأم، ثم الذي لأب، وبنت الأخت كذلك.
وقد جرى الاختلاف في تقديم بنت الأخ على بنت الأخت على قولين، والأظهر عند ابن رشد تقديم الأكفأ منهما مطلقاً، ونقل المواق تقديم بنت الأخ على بنت الأخت، واختاره الرجراجي.
14) الوصي سواء كان وصياً مختاراً أو وصي القاضي، ذكراً كان أو أنثى.
15) الأخ الشقيق، ثم الذي لأم، ثم الذي لأب.
16) الجد العصبي، وهو أب الأب وإن علا، يقدم الأقرب على الأبعد.
17) ابن الأخ الشقيق، ثم الذي لأم، ثم الذي لأب.
18) العم الشقيق، ثم الذي لأم، ثم الذي لأب.
19) ابن العم الشقيق، ثم ابن العم لأم، ثم الذي لأب.
20) المولى الأعلى (وهو المعتِق)، ثم المولى الأدنى (وهو العتيق).
أما الجد لأم، فقد ذكر في المذهب المالكي أن له الحضانة، وأنه بعد الجد لأب، واختاره اللخمي، واختار ابن رشد أن لا حضانة للجد لأم أصلاً.
فإذا تساوى حاضنان من الذكور، أو حاضنتان من الإناث، في الدرجة في كل ما تقدم، قدم الأكثر شفقة وصيانة للمحضون، ثم الأكبر سناً، فإن استويا في ذلك أيضاً أقرع بينهما[11].
ج) وذهب الشافعية إلى ترتيب الحاضنات من النساء إذا انفردن على الشكل التالي:
1) الأم.
2) البنت.
3) الجدة أم الأم، ثم أمهاتها، وجداتها من جهة أمها خاصة، وهن الجدات الثابتات الأقرب فالأقرب.
4) الجدة أم الأب، ثم أمهاتها، وجداتها من جهة أمها خاصة، وهن الجدات الثابتات الأقرب فالأقرب.
5) الجدة أم أب الأب، ثم أمهاتها، وجداتها من جهة أمها خاصة، وهن الجدات الثابتات الأقرب فالأقرب.
6) الجدة أم الجد العصبي، ثم أمهاتها، وجداتها من جهة أمها خاصة، وهن الجدات الثابتات الأقرب فالأقرب.
7) الأخت الشقيقة، ثم التي لأب، ثم التي لأم.
8) الخالة الشقيقة، ثم التي لأب، ثم التي لأم.
9) بنت الأخت الشقيقة، ثم التي لأب، ثم التي لأم.
10) بنت الأخ الشقيق، ثم التي لأب، ثم التي لأم.
11) العمة الشقيقة، ثم التي لأب، ثم التي لأم.
وقد اختلف في حضانة الإناث غير المحارم، كبنت الخالة، وبنت العمة، وبنت العم..... على قولين.
وأما حضانة الذكور، فقد أثبتها الشافعية لكل قريب وارث محرم بالاتفاق، فإذا كان قريباً غير محرم ولكنه وارث، كابن العم، فالصحيح ثبوت الحضانة له أيضاً، إلا أن المحضونة إذا كانت أنثى مشتهاة لا تسلم إليه، ولكن إلى أنثى مأمونة يعينها هو.
أما الأقارب المحارم غير الوارثين، كالجد لأم، والأقرباء غير المحارم وغير الوارثين، كابن الخال، فقولان في استحقاقهم الحضانة، أصحهما أن لا حضانة لهم.
ويكون ترتيب الحضّان من الرجال إذا انفردوا على وفق ترتيبهم في الإرث، وهو ترتيب ولاية النكاح.
فإذا اجتمع للمحضون حضّان من الذكور والإناث، قدمت الأم، ثم البنت، ثم أمهات الأم، ثم الأب، وقيل تقدم على الأب الخالة والأخت لأم.
كما يقدم الأصل على الحاشية مطلقاً، ذكراً كان أو أنثى.
فإن فقد الأصل، قدم الحواشي الأقرب فالأقرب على ترتيب الإرث، ذكراً كان أو أنثى، وهذا هو القول الأصح، وفي قول آخر: يقدم النساء هنا مطلقاً على الرجال.
فإن استوى حاضنان أو أكثر في كل ذلك، قدمت الأنثى على الذكر، فإن استووا أقرع بينهم[12].
د) وذهب الحنبلية في القول الأرجح، إلى أن حق الحضانة بعد الجدات لأم، كما يلي:
1) الأب.
2) أم الأب، وأم أمها، وإن علت، دون أمهات أب الأب.
3) الجد لأب.
4) أم الجد لأب، وأم أمها وإن علت، ثم أمهات جد الأب، ثم أمهات جد الجد وإن علا.
5) الأخت الشقيقة.
6) الأخت لأب.
7) الأخت لأم.
8) الأخ الشقيق.
9) الأخ لأب.
10) ابن الأخ الشقيق وإن نزل.
11) ابن الأخ لأب وإن نزل.
12) الخالة الشقيقة.
13) الخالة لأب.
14) الخالة لأم.
15) العمة الشقيقة.
16) الأب.
17) العمة لأم.
18) العم الشقيق.
19) العم لأب.
20) ابن العم الشقيق وإن نزل.
21) ابن العم لأب وإن نزل.
22) خالة الأب، وعلى قول الخرقي، وخالات الأم بدلاً منهن على قول آخر، يقدم في ذلك الشقيقات، ثم اللواتي لأب، ثم اللواتي لأم.
23) عمات الأب، الشقيقات ثم اللواتي لأب، ثم اللواتي لأم.
فإذا اجتمع حاضنان أو أكثر في درجة واحدة بحسب ماتقدم، أقرع بينهم[13].
من استعراض ما تقدم نلاحظ أن لكل من الفقهاء اتجاهه في تقديم الحضَّان بعد الأم والجدة لأم، وذلك اجتهاداً منهم في توفير الأصلح للمحضون.
فمنهم من قدم الإناث مطلقاً على الذكور وإن بعدن، وهم الحنفية، حيث قدموا أبعد الإناث على الأب.
ومنهم من قدم الإناث على الذكور عند التساوي في القرب فقط، إذا كان الحضّان من الحواشي، فإن اختلفت درجتهم قدموا الأقرب مطلقاً، وإن كان ذكراً، وهم الشافعية.
ومنهم من قدم القريبات من النساء من قريبات الأم إلى درجة معينة ثم نقل الحضانة إلى الأب ثم إلى قريبات الأب من النساء، وهم المالكية والحنبلية.
ثم إن من الفقهاء من قدم من النساء قريبات الأم مطلقاً على قريبات الأب عند تساوي الدرجة، فقدم الأخت لأم على الأخت لأب، والعمة لأم على العمة لأب.... بل قدم الخالة مطلقاً على العمة مطلقاً.... وهم الحنفية والمالكية.
ومنهم من قدم قريبات الأب على قريبات الأم، فقدم الأخت لأب على الأخت لأم.... وألغى حضانة الجد لأم، وحضانة الأخ لأم.... مطلقاً، وهم الشافعية والحنبلية.
شروط الحضّان:
تقدم أن الحضانة نوع حفظ ورعاية وتربية، وهذا لا يتأتي من الحاضنة إلا إذا كانت مستجمعة لشروط خاصة تمكنها من ذلك.
وقد ذكر الفقهاء هذه الشروط، فاتفقوا في أكثرها واختلفوا في بعضها، وهذه الشروط عامة في الحضّان جميعاً، ذكرهم وإنثاهم فيها سواء، إلا شروطاً قليلة تخص النساء وحدهن، وشروطاً خاصة بالرجال وحدهم.
وإنني سوف أبين هذه الشروط مشيراً إلى اختلاف الفقهاء فيها، كما سوف أشير إلى ما هو خاص منها بالنساء دون الرجال، أو بالرجال دون النساء، كلما وجد فارق بينهما، فإن أغفلت التفريق في ذلك، فالشرط عام لهم جميعاً.
وذلك على الشكل التالي:
1)) العقل: اتفق الفقهاء على اشتراط العقل في الحضّان، وأسقطوا حضانة المجنون، سواء كان جنونه مطبقاً أو متقطعاً، كما أسقطوا حضانة المعتوه، وذلك لما فيهما من خطر على مصالح المحضون، بالإضافة إلى عجزهما عن القيام بإدارة أموره.
2)) البلوغ: كما اتفق الفقهاء على اشتراط البلوغ في الحضّان، لأن الحضانة نوع ولاية، ولا ولاية للقاصر على نفسه، فأولى أن لا يكون ولياً على غيره، وسواء في ذلك المميز وغير المميز، لعجزهما عن القيام بأمور نفسهما، فضلاً عن القيام بأمور المحضون.
3)) العدالة: وهي ملازمة التقوى والبعد عن المعاصي والدناءات، فلا حضانة لفاسق، لما فيه من خطر على أخلاق وسلوك المحضون، هذا إذا وصل الفسق إلى حد ينذر بالخطر على أخلاق المحضون وسلوكه، وإلا لم يعتدَّ به، ولم تسقط به الحضانة.
4)) الحريَّة: وذلك لدى الجمهور، لأن الرقيق مشتغل بشؤون السيد عن الحضانة، مما يظن معه ضياع مصالح المحضون، واستثنى الحنفية والمالكية من ذلك أن تكون الرقيقة وابنها في ملك رجل واحد، فإن لها الحضانة على ابنها في هذه الحال عندهم، لعدم المانع.
5)) الإسلام: وذلك إذا كان المحضون مسلماً، وقد ذهب إلى ذلك الشافعية والحنبلية، فلا حضانة عندهم لغير المسلم مطلقاً، لأن الحضانة نوع ولاية كما تقدم، وهي باطلة من غير المسلم على المسلم، لقوله تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (النساء: من الآية141).
وذهب الحنفية والمالكية إلى عدم اشتراط الإسلام هنا، وعلى ذلك فلا تسقط عندهم حضانة غير المسلمة على المسلم سواء كانت كتابية أو غير كتابية، كالمجوسية والملحدة، واستدلوا على ذلك بما روى عبد الحميد بن سلمة الأنصاري عن أبيه عن جده: (أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم، فجاء ابن لهما صغير لم يبلغ الحلم، فأجلس النبي صلى الله عليه وسلم الأب ههنا، والأم ههنا، ثم خيَّره، فقال: اللهم أهده فذهب إلى أبيه) رواه النسائي. ولأن مبني الحضانة على الشفقة.
إلا أن الحنفية اشترطوا لاستحقاق الكافرة حضانة المسلم أن لا يعقل الأديان لصغره، فإذا وصل حدا يعقل فيه الأديان، سقطت حضنتها له، خشية فساد دينه، وحد ذلك متروك للقاضي.
كما أن المالكية نصوا على ضم ذات الحاضنة غير المسلمة إذا كان المحضون مسلماً إلى المسلمين، ليكونوا رقباء عليها، ولا ينزع منها، وذلك إن خيف على المحضون من ذلك، وإلا لم تضم.
6)) القدرة على القيام بأعباء الحضانة: فإذا كانت الحاضنة عاجزة عن ذلك لكبر سن، أو مرض يعوقها... سقطت حضانتها بالاتفاق، هذا إذا لم يكن لدى الحاضنة من يعنى بالمحضون من النساء معها، سواء أكانت ذكراً أو أنثى، فإن وجد لديها أو لدى الحاضن الذكر امرأة تصلح للعناية بالطفل، كالزوجة، والبنت البالغة، والخادمة، والمتبرِّعة، لم تسقط الحضانة بالاتفاق، لتوفر مصلحة المحضون بذلك.
وهل تسقط حضانة الحاضنة الأنثى بخروجها وغيابها عن البيت لعمل أو غيره؟ الجمهور على سقوط حضانتها بذلك إذا استغرق خروجها أكثر ساعات النهار وإن كان لديها امرأة تعنى بالمحضون في غيبتها، لأن الغيبة باختيارها بخلاف المرض، أما الرجل فلا تسقط حضانته بغيبته عن البيت مادام في البيت من يعنى بالمحضون من النساء، لأن الخروج ضروري له بخلاف المرأة[14].
وهل تثبت الحضانة للأعمى؟
إذا كان العمى معجزاً له عن القيام بأعباء الحضانة سقطت حضانته بالاتفاق على الوجه المتقدم، ذكراً كان أو أنثى، فإذا لم يعجزه العمى عن الحضانة، فقد ذهب أكثر الفقهاء إلى عدم سقوط حضانته، لأن مبناها على الحنو، وهو لا يتأثر بذلك، ثم إن الأعمى قادر على القيام بكثير من أعباء الحضانة بنفسه مع عاهته، ويتمكن من القيام بباقي أعمال الحضانة بالاستعانة بغيره، وهذا كاف لتوفير جميع مصالح المحضون، فلا تسقط حضانته به.
وأطلق بعض الفقهاء سقوط حضانة الأعمى، وهو قول عند الشافعية، والراجح عندهم عدم سقوطها به، ومثل الأعمى الأخرس، والأطرش، والمفلوج، والسفيه، والمغفل[15]...
7)) خلو الحاضنة عما يضر بالمحضون: كمرض مُعْدٍ، أو عاهة منفردة، أو مساكنتها لإنسان يبعض المحضون، أو بينه وبين المحضون نزاع أو خلاف يخشى عليه منه، فإن وجد شيء من ذلك سقطت حضانتها، خوفاً على سلامة المحضون ومصالحه، وكذلك الإقامة في مكان غير آمن على نفس المحضون وماله، ويستوي هنا الذكر والأنثى,
8)) المحرميَّة من المحضون الأنثى: وذلك عند الجمهور، وهو خاص بالرجال دون النساء، لأن الحضانة في حق النساء لا تثبت للمحارم منهن أصلاً، وعلى ذلك لا حضانة لابن عم الأنثى لعدم المحرمية وخوف الفتنة.
هذا إذا كان المحضون أنثى، فإن كان ذكراً لم تسقط حضانة ابن عمه له لعدم الفتنة.
وهذا كله إذا كانت المحضونة بالغة سناً تشتهى فيها، وإلا -بأن كانت صغيرة لا تشتهى، ولا يخاف عليها- فلا تسقط حضانة ابن عمها لها حتى تبلغ حد الاشتهاء[16].
وقد خالف الشافعية في ذلك كما تقدم.
9)) الخلو عن الزوج الأجنبي عن المحضون، وذلك لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت أحق به ما لم تنكحي) رواه أبو داود.
فإذا تزوجت الحاضنة، أما كانت أو غيرها، فإن كان زوجها رحماً محرماً من المحضون، كعمه، وجده، وأخيه... فهي على حقها في الحضانة، وإن كان زوجها غير محرم من المحضون، سقطت حضانتها بذلك، لاشتغالها بالزوج الأجنبي عنه، ولأن الزوج الأجنبي يتضايق منه غالباً، فإذا كان الزوج رحماً محرماً من المحضون لم يتأت ذلك في الغالب، فلم تسقط حضانتها لذلك، ويستوي في حال الزوج الأجنبي أن يوافق الزوج على ضمه أو لا، لأنه قد يوافق على ضمه إليه ثم يندم فيرفضه بعد ذلك فيتضرر المحضون.
وهل الزوج المَحرم للمحضون بالرضاع هنا كالمَحرم للمحضون بالرحم؟
المالكية على التسوية بينهما خلافاً للحنفية.
وعلى هذا فلو تزوجت الحاضنة أخا المحضون رضاعاً، فهي على حضانتها عند المالكية دون الحنفية.
وهل تسقط الحضانة بمجرد العقد عليها؟
ذهب المالكية إلى أن الحضانة لا تسقط إلا بالدخول، وهو قول للحنبلية، وذهب الحنفية والشافعية إلى أن العقد كالدخول في سقوط الحضانة به هنا، وهو قول آخر عند الحنبلية، هذا إذا كان العقد صحيحاً، فإذا كان غير صحيح، فإن كان متفقاً على بطلانه ويجب الحد بالدخول بعده، فلا تسقط الحضانة به، لأنه باطل لا حكم له، وإن كان متفقا على بطلانه ولكن لا يجب الحد بالدخول بعده، أو كان مختلفاً في بطلانه لدى الفقهاء، وهو الفاسد عند الحنفية، فإن الحضانة تسقط به إن تبعه دخول، وإلا لم تسقط به.
هذا واشتراط المحرمة في الزوج الذي لا تسقط حضانة الحاضنة بزواجها منه هو مذهب الحنفية، وذهب الشافعي في الأصح، والمالكية إلى أن الولي العاصب مطلقاً كالرحم المحرم هنا، فلا تسقط بالزواج منه الحضانة، كابن العم، لأن للعاصب الحضانة والولاية عندهم بالجملة، فلم يعد أجنبياً عن المحضون لذلك، فلم تسقط حضانة الحضانة بالزواج منه، إلا أن الشافعية اشترطوا لذلك موافقته على ضم المحضون إليه، وإلا سقط حق الحضانة بالزواج منه.
وهذا الحكم خاص بالحضّان من النساء، فإذا كان الحاضن رجلاً لم تسقط حضانته بزواجه من أي امرأة بالاتفاق[17] .
إلا أن المالكية استثنوا حالات لا يسقط فيها حق الحضانة الأنثى في الحضانة بتزوجها من أجنبي عن المحضون، وهذه الحالات هي:
آ - أن لا يقبل المحضون غيرها، فإذا تزوجت الحاضنة بأجنبي عن المحضون، فإن قبل المحضون حاضنة أخرى بعدها في الدرجة سقطت حضانتها، وإلا فهي على حضانتها، رعاية لمصلحة المحضون، وهذا الحكم يعم الأم وغيرها من الحضّان.
ب - أن يعلم من له حق الحضانة بعدها بتزوجها ودخول الزوج بها، ويسكت عن طلب المحضون مدة سنة فأكثر، وهذه إشارة إلى أن سقوط حضانة المتزوجة لديهم هو شخصي للحاضنة التي تليها، وليس حقاً للطفل، فإذا سكتت الحاضنة البعدى فترة أقل من سنة، أو سنة فأكثر وكانت جاهلة بحقها في الحضانة بعد الأولى، أو كانت جاهلة بزواج الحاضنة الأولى، أو جاهلة بدخول زوجها بها، أو جاهلة بان الزوج أجنبي عن المحضون، لم يسقط حقها في طلب المحضون، وهذا يعم كل الحضّان نساءً ورجالاً.
ج - أن تأبى المكلفة بإرضاعه أن ترضعه عند حاضنته الثانية المستحقة للحضانة بعد التي تزوجت بأجنبي، إلا أن هذا الحكم خاص بالأم دون غيرها من الحضّان، وغني عن هذا إذا تزوجت الأم بأجنبي عن الطفل، وأبت مرضعته أن ترضعه عند من يلي الأم بالحضانة، ورضيت أن ترضعه عند أمه، بقيت الحضانة للأم رغم زواجها من أجنبي، وذلك لئلا يفقد المحضون أمه ومرضعته في آن واحد، وإذا كانت الحاضنة المتزوجة غير الأم، نزع المحضون منها وإن لم تقبل المرضعة إرضاعه عند الحاضنة الثانية.
د - أن لا يكون للمحضون حاضنة أخرى غير المتزوجة، أو كان له حاضنة أخرى غيرها ولكن قام بها مانع من موانع الحضانة كالمرض أو الفسق... وهذا عام في الحضّان جميعاً.
هـ أن يكون الأب عبداً، ففي هذه الحال يبقى المحضون عند أمه وإن تزوجت، سواء كانت الأم حرة أو رقيقة، وهذا خاص بالأم فقط.
و - أن تكون الحاضنة وصياً على المحضون، سواء كانت وصياً مختاراً أو وصياً معيناً، وسواء كانت أماً أو غيرها، وذلك على الرواية المشهورة، وفي رواية أخرى تسقط حضانتها إذا تزوجت بأجنبي وإن كانت وصياً[18].
ز - عدم الإقامة مع حاضنة سقطت حضانتها لمانع، وإلا سقطت حضانتها هي أيضاً بذلك، كإقامة الجدة مع الأم المتزوجة من أجنبي عن المحضون، وهذا على القول الراجح لدى المالكية، وفي قول آخر لديهم: لا تسقط حضانتها بذلك، ولم أر من نص عليه من فقهاء المذاهب الأخرى[19].
ح - عدم امتناع الحاضنة عن إرضاع الطفل المحضون إذا كان المحضون محتاجاً للرضاع وكانت هي أهلاً له، وهذا القول هو الأصح لدى الشافعية، وفي قولهم الثاني: لا تسقط حضانتها بالامتناع عن إرضاعه مطلقاً.
فإذا كانت غير ذات لبن، أو كان المحضون مستغنياً عن الرضاع، أو كان الحاضن رجلاً، لم يشترط هذا الشرط أصلاً، ولم أر من نص على هذا من غير الشافعية[20].
مكان الحضانة، وحكم انتقال الحاضنة والولي بالمحضون:
اتفق الفقهاء على أن مكان الحضانة هو المسكن الذي يقيم فيه والد المحضون، إذا كانت الحاضن أمه وهي في زوجية أبيه، وكذلك إذا كانت في عدته من طلاق رجعي أو بائن أو وفاة، فإذا انقضت عدتها، أو كانت غير أمه، فمكان الحضانة هو البلد الذي يقيم فيه والد المحضون، أو وليه، والولي هنا هو ولي النفس.
ذلك أن للأب والأولياء من بعده حق الإشراف على المحضون في أثناء حضانة أمه ومن بعدها من الحاضنات له، توفيراً لحق المحضون وحق الولي معاً، وذلك لا يأتي إلا إذا كان المحضون مقيماً في البلد الذي يقيم فيه وليه، فإذا كان الولي أباً، وكانت الحاضنة الأم، وهي في زوجية أبيه أو عدته، وجب أن تكون الحضانة في مسكن الولي خاصة، لوجوب المتابعة على الأم، حفظاً لحق الولي.
كما اتفق الفقهاء على أنه ليس للحضّان السفر بالمحضون من بلد الولي إلى مكان آخر، توفيراً لحق المحضون وحق الولي معا كما تقدم.
إلا أن الحنفية استثنوا من ذلك الأم، فأباحوا لها السفر بالمحضون في أحوال خاصة، ولم يسقطوا حضانتها به، وهذه الأحوال هي:
1)) أن يكون المكان الذي تسافر إليه الأم قريباً من بلد الطفل، بحيث يستطيع والده أو وليه مطلقاً السفر إليه لرؤيته والعودة إلى بلده في نهار واحد، فإذا كان أبعد من ذلك سقطت حضانتها إن سافرت إليه، ذلك أن الانتقال إلى البلد القريب على الوجه المتقدم بمثابة الانتقال من حي إلى حي في بلد واحد، وهو مأذون به لها، أما الانتقال إلى بلد أبعد من ذلك، فمسقط لحضانة الأم، لما فيه من تفويت الإشراف من قبل الأولياء على المحضونين.
2)) أن يكون البلد القريب الذي انتقلت إليه ليس أدنى حالاً من بلد الولي، فلو انتقلت من مدينة إلى قرية سقطت حضانتها، لما يلحق المحضون من الضرر، ولو كان الانتقال من قرية إلى مدينة، أو من مدينة إلى مدينة، أو من قرية إلى قرية، جاز مادام قريباً.
إلا أن الحنفية استثنوا من ذلك البلد الذي كانت تقيم الأم فيه قبل زواجها إذا كان قد عقد عليها زوجها فيه، فإذا كان كذلك جاز لها الانتقال بالمحضون إليه مطلقاً، قريباً كان أو بعيداً أفضل من بلد الولي أو مثله أو دونه، إلا أن يكون دار حرب، فإنه ليس لها الخروج بالمحضون إليه، لما فيه ذلك من ضرر بالمحضون، إلا أن تكون الأم حربية، فإن لها الخروج بالمحضون عند ذلك مطلقاً[21].
وذهب بعض المالكية إلى جواز انتقال الحاضنة بالمحضون مطلقاً، سواء كانت أماً أو غيرها، بشرط أن لا يكون المكان بعيداً، واختلفوا في تقدير ذلك على أقوال: إلا أن كثيراً من المالكية أطلقوا منع الحاضنة من السفر بالمحضون مطلقاً، منهم الإمام الدردري والإمام الدسوقي[22]، وهو القول الأقوى لدى الشافعية.
وذهب الحنبلية إلى جواز انتقال الحاضنة بالمحضون إلى مادون مسافة السفر، وهو قول لدى الشافعية[23].
سفر الولي بالمحضون في مدة الحضانة:
ذهب الحنفية إلى أنه ليس للولي أو غيره السفر بالمحضون في مدة الحضانة من بلد الحضانة إلا بإذن منها، فإذا لم تأذن، لم يكن له السفر به مطلقاً، وذلك توفير لحقها، وحق المحضون في أن يكون عند أقرب الحاضنات إليه، سواء كان السفر إلى مكان قريب أو بعيد، ولكن يقال للولي: إما أن تبقى، وإما أن تسافر وحدك دون المحضون[24].
وذهب المالكية والشافعية والحنبلية إلى جواز سفر الولي بالمحضون، أباً كان أو غيره، في مدة الحضانة، وعدوا ذلك مسقطاً لحضانة الحاضنة، إلا أنهم اشترطوا لذلك شروطاً، هي:
آ - أن يكون السفر سفر نقلة، فإذا، كان السفر طارئاً مؤقتاً كسفر تجارة أو زيارة لم يكن له أخذه معه إلا بإذن حاضنته.
ب - أن لا يكون في السفر ما يضر بالمحضون، من وعورة طريق، أو برد، أو خوف عدو... وإلا لم يكن له السفر به، ويبقى عند حاضنته.
ج - أن يقبل المحضون الرضيع غير حاضنته، فإن لم يقبل غيرها، منع السفر به، وبقي عند حاضنته توفيراً لمصلحته.
د - أن لا ترافق الحاضنة الولي في سفره، فإن رافقته فيه فهي على حضانتها، لعدم التعارض[25].
أجرة الحضانة:
أجاز جمهور الفقهاء للحاضنة أن تطلب على حضانتها أجراً، وذهب المالكية في الأصح إلى أن لا أجرة للحاضنة إلا أن تكون فقيرة، فإن كانت فقيرة فلها أن تأكل من مال المحضون لفقرها لا للحضانة.
والأجرة واجبة لدى الجمهور في مال المحضون إن كان له مال، أما كانت الحضانة أو غيرها، في زوجية أبيه كانت أو لا، لأن الأجرة نوع نفقة، وهي واجبة في مال المنفق عليه إن كان غنياً مطلقاً، إلا الزوجة.
فإذا كان المحضون فقيرا لا مال له، نظر:
فإن كانت حاضنته أمه، فإن كانت في زوجية أبيه، أو في عدتها من طلاق رجعي من أبيه، لم تستحق أجرة لحضانتها على أحد، وذلك لاستحقاقها النفقة كاملة على الأب، وإن كانت أمه وكانت في عدتها من طلاق بائن من أبيه، فلها أجرة الحضانة على أبيه، ثم على من تجب عليه نفقة المحضون بعد الأب، وذلك لدى الجمهور، وهو قول عند الحنفية، وذلك لعدم استحقاقها نفقة على الأب، وفي القول الثاني لدى الحنفية، وهو الأرجح عندهم، ليس لها أجرة حضانة هنا، لاستحقاقها النفقة على الأب في هذه الحال.
وإن كانت الحاضنة غير الأم، أو كانت الأم وكانت مبانة من أبيه وقد انقضت عدتها، سواء تزوجت غيره أو لا، أو كانت في عدة وفاة الأب، فإن لها أجرة الحضانة على الأب، ثم على من بعده ممن تجب نفقة المحضون عليه بعده.
هذا ما لم تتبرع بالحضانة حاضنة بعدى، فإذا تبرع بالحضانة حاضنة بعدى، كأن يكون للمحضون جدة أم أم، وجدة أم أب، فتبرعت جدته لأبيه بحضانته مجاناً، ففي هذه الحال يقال لأم أمه، إما أن تحضنيه مجاناً، وإما أن تدفعيه إلى أم أبيه مجاناً.
إلا أن هذه الحالة مشروطة بشروط ثلاثة:
أ- أن تكون الأجرة واجبة في مال المحضون.
ب - أن تكون الأجرة واجبة في مال أبي المحضون وهو معسر وعاجز عن الكسب.
ج - أن تكون الأجرة واجبة في مال ولي أمر آخر غير الأب وهو معسر.
فإن كانت أجرة الحضانة واجبة على الأب وهو موسر أو قادر على الكسب، أو كانت واجبة على غير الأب وهو موسر، لم تسقط الأجرة للحاضنة القربى مطلقاً، ويبقى المحضون عندها توفيراً لحقه، ويرد عرض الحاضنة البعدى بالتبرع بالحضانة، هذا ما لم تطلب القربى أجراً باهظاً فوق أجر المثل، و إلا لم تجب إلى طلبها، وتخير بين أجر المثل أو سقوط حضانتها.
فإذا كان المتبرع أجنبياً، رد طلبه، وأجيبت الحاضنة القربى إلى طلبها الأجرة[26].
سكنى الحاضنة:
نص الحصكفي الحنفي في الدر المختار، فقال: (وفي شرح النقاية للباقاني عن البحر المحيط: سئل أبو حفص عمن لها إمساك الولد، وليس لها سكن مع الولد؟ فقال: على الأب سكناهما جميعاً، وقال نجم الأئمة: المختار أنه عليه السكنى في الحضانة) وقد علق ابن عابدين على ذلك، فقال: (والحاصل أن الأوجه لزومه لما قلنا، لكن هذا إنما يظهر لو لم يكن لها مسكن، أما لو كان لها مسكن يمكنها أن تحضن فيه الولد ويسكن تبعاً لها، فلا، لعدم احتياجه إليه)[27].
ومنه يتضح أن أجرة المسكن لدى الحنفية تبع للنفقة، تجب على من تجب عليه نفقة المحضون إن احتاج إليه، وذلك إذا لم يكن للحاضنة مسكن تقيم فيه، فإذا كان لها مسكن تقيم فيه، فإن الواجب عليها إسكانه معها في مسكنها دون أجر.
ونُقل عن المالكية أقوال ثلاثة:
الأول: أن السكنى للحاضنة والمحضون على من تجب عليه نفقة المحضون مطلقاً، وهو المنقول عن المدونة.
الثاني: أن السكنى على من تجب عليه نفقة المحضون بمقدار رأسه فقط، فإذا كان المحضون واحدا مع حاضنته، وجب للحاضنة نصف أجر المسكن، وإن كانا اثنين وجب لها ثلث الأجرة، وهو القول المنقول عن سحنون.
الثالث: إن سكنى المحضون على حاضنته، ولا تستحق أجرة على ذلك، وهو المنقول عن ابن وهب.
وقد ضعف المالكية القول الثالث، واختلفوا في ترجيح القولين الأولين[28].
ولا أحسب مذهب الشافعية والحنبلية إلا كمذهب الحنفية في إيجاب السكنى للحاضنة والمحضون إن احتاجت الحاضنة إلى ذلك، وذلك لإطلاقهم العبارات بما يفيده، ومن ذلك ما ذكره الشربيني فقال: (ومؤنة الحضانة في مال المحضون، فإن لم يكن له مال، فعلى من تلزمه نفقته، لأنها من أسباب الكفاية كالنفقة، ولهذا ذكرت عقيب النفقات)[29].
انتهاء الحضانة:
اتفق الفقهاء على انتهاء الحضانة في حق المحضون والمعتوه بإفاقتهما، وبموت المحضون مطلقاً، وذلك لانقضاء العلة الموجبة للحضانة، تطبيقاً للقاعدة الفقهية الكلية: الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.
أما انتهاء الحضانة على الصغار، فمداره على انقضاء حاجتهم إلى الحضانة، كما في المجنون والمعتوه، وذلك لدى عامة الفقهاء، إلا أنهم اختلفوا في أوصاف ذلك على مذاهب على النحو التالي:
فذهب الحنفية: في رواية إلى أن الحضانة على الذكر تنتهي ببلوغه سبع سنين، وهذه هي الأقوى الذي عليه الفتوى عندهم، وفي رواية أخرى: تنتهي ببلوغه تسع سنين، لأنه بذلك يستطيع القيام بحوائجه الخاصة بنفسه غالباً، مثل الطعام، واللباس، والاستنجاء.... أما الأنثى، ففي ظاهر الرواية: إذا كانت الحاضنة هي الأم، أو الجدة لأم كانت أو أب، فإن الحضانة عليها تستمر إلى بلوغها أو زواجها، ويكون البلوغ بالحيض أو ببلوغ سن الخامسة عشرة، وهو مذهب الصاحبين، وقال الإمام أبو حنيفة يكون بالسابعة عشرة بدلاً من الخامسة عشرة، وإن كانت الحاضنة غير الأم والجدة، فالحضانة تنتهي ببلوغ المحضونة حد الاشتهاء، وقدَّره الحنفية بتسع سنين، وروي عن الأمام محمد بن الحسن أن الحضانة على الفتاة الأنثى تنتهي ببلوغها حد الاشتهاء مطلقاً، سواء كانت الحاضنة الأم أو الجدة أو غيرهما.. قال صاحب الدر المختار: وبه نفتي لكثرة الفساد، وقال ابن عابدين تعليقاً على ذلك: قال في البحر بعد نقل تصحيحه: والحاصل أن الفتوى على خلاف ظاهر الرواية[30]. فإذا بلغ المحضون حد انتهاء الحضانة عليه بحسب ما تقدم، ضم إلى وليه وجوباً، وهو هنا ولي النفس، فإذا أبا الولي ذلك أجبر عليه، وإذا أبا المحضون ذلك أجبر عليه أيضاً. فإذا بلغ المحضون النكاح بالفعل أو السن، فإن كان ذكراً، أو أنثى ثيباً، أو كانت بكراً طاعنة في السن ولها رأي، خير بين المقام مع وليه أو حاضنته، فإن اختار أحدهما أجيب إلى اختياره، وإن اختار المقام منفرداً عنهما، أجيب إلى طلبه أيضاً، ما لم يكن غير مأمون، فإن كان غير مأمون ضم إلى وليه جبراً للحفظ، هذا إذا كان الولي الأب أو الجد، فإن كان غيرهما فكذلك، ما لم يكن المحضون أنثى، والولي غير مَحْرم لها أو غير مأمون عليها، فإن كان كذلك لم تضم إليه، ولكن يضمها القاضي إلى امرأة أمينة تساكنها، وإن كان المحضون أنثى بكراً حديثة السن، أو ثيباً غير مأمونة، أو بكراً طاعنة في السن غير مأمونة، ضمت إلى وليها جبراً، إلا أن يكون غير محرم أو غير أمين، فإن القاضي يضمها إلى امرأة أمينة تساكنها.
وذهب المالكية: إلى أن الحضانة على الصبي الذكر تستمر إلى بلوغه، أما الأنثى فتستمر عليها إلى زواجها ودخول الزوج بها، سواء كان الزوج بالغاً أو غير بالغ[31].
وذهب الشافعية: إلى أن الحضانة تستمر على المحضون حتى التمييز، ذكراً كان أو أنثى، فإذا ميَّز المحضون –وهو في السابعة غالباً- خُيِّر بين وليه وحاضنته مطلقاً، مادام كل منهما أهلاً للحضانة، فإن اختار أحدهما دفع إليه، فإذا عاد فاختار الثاني بعد ذلك نقل إليه، وهكذا كلما عدل في اختيارهن، لأنه قد يتغير حال الحاضن، أو يتغير رأي المحضون فيه بعد الاختيار، إلا أنه إذا تكرر منه العدول حتى عد القاضي ذلك اختلالاً في التمييز، ألغى اختياره وأودعه حاضنته كغير المميز.
هذا إذا كان كل من الولي والحاضنة أهلاً للحضانة، فإذا كان أحدهما غير أهل لها لنقصان شرط، أو قيام مانع، دون الثاني، أودع لدى الثاني جبراً، وكذلك إذا اختار المحضون أحدهما فرفض حضانته، فإنه يودع لدى الثاني جبراً.
فإن رفضا حضانته معاً، خير بين من يليهما في الدرجة، وهكذا... مادام المحضون معافاً، فإذا مرض المحضون، ذكراً كان أو أنثى، فالأم أحق بتمريضه مادامت قادرة على ذلك، ولكن تمرضه في بيت الولي إن قبل الولي بذلك، وإلا ففي بيتها.
ثم إذا اختار المحضون الأب كان عنده ليلاً ونهاراً، ذكراً كان المحضون أو أنثى، فإذا اختار الأم، فإن كانت أنثى كانت عندها ليلاً ونهاراً، وإن كان المحضون ذكراً، كان عند أمه ليلاً، وعند أبيه نهاراً، ليؤدبه ويعلمه، ويشرف على تربيته.
فإذا رفض المحضون الاختيار بين الولي والحاضنة، أو اختارهما معاً، أقرع بينهما، وقيل يكون مع الأم إن رفض الاختيار.
هذا كله مادامت الحاضنة والولي مقيمين في بلد واحد، فإن سافر أحدهما، فإن كان سفر حاجة، كان المحضون المخيَّر مع المقيم منهما إلى أن يعود المسافر، سواء كان المسافر الولي أو الحاضنة، وسواء كان السفر طويلاً أو قصيراً، فإذا كان السفر للإقامة، كان الولد المحضون مع الولي، مادام الطريق آمناً، وإلا بقي مع المقيم منهما[32].
وذهب الحنبلية: في الغلام الذكر مذهب الشافعية، فيكون عند حاضنته حتى السابعة وهي سن التمييز، ثم يخيَّر بين وليه وحاضنته على الوجه المتقدم.
أما المحضونة الأنثى، فإنها تكون عند حاضنتها إلى السابعة، ثم تنتقل إلى الولي جبراً، ولا تخيَّر، بخلاف الغلام، وذلك لحاجتها أكثر من الغلام إلى الحفظ والصيانة، والولي أقوى على ذلك غالباً[33].
سقوط الحضانة وعودها:
تقدمت الإشارة إلى اتفاق الفقهاء على سقوط الحضانة نهائياً بزوال مبرراتها وموجباتها، وذلك في حالين:
أ- وفاة المحضون.
ب - بلوغ نهاية سن الحضانة، وذلك على اختلافهم في هذه السن كما تقدم.
كما اتفقوا على سقوط الحضانة عن الحضّان بقيام مانع منها، كزوال شرط من شروطها، مثل الزواج من أجنبي عن المحضون، أو المرض.... وعندها تنتقل إلى حاضنة بعدها في الدرجة بحسب تسلسل الحاضنات –كما تقدم- واتفقوا على سقوطها عن الحاضنة بإسقاطها لها بإرادتها، هذا ما لم تصبح الحضانة متعينة عليها، وذلك بأن لا يكون للمحضون حاضنة أخرى، أو يكون ولا تقبل بحضانته، وتتعرض حاله للخطر، فإذا لم يكن للمحضون حاضنة أخرى، أو كان وامتنعت وتعرضت مصالح المحضون للخطر، ألزمت الحاضنة بالحضانة وجوباً، تقديماً لحق المحضون، الذي في حق الله تعالى.
فإذا سقطت الحضانة بإسقاط الحاضنة لها، أو بقيام مانع من الحضانة، فهل تعود إليها إذا طلبتها ثانية إذا زال المانع؟
اختلف الفقهاء في ذلك إلى مذهبين:
فذهب الحنفية والشافعية والحنبلية، إلى أن الحضانة إذا سقطت لقيام مانع أو لإسقاط مستحقها لها، ثم زال المانع وعاد صاحبها إلى طلبها، فإنها تعود له، أمّا كانت الحاضنة أو غيرها، وذلك تقديماً لحق المحضون، وقد علل الحنفية ذلك بأنها حق متجدد فلا يسقط، ونص على ذلك ابن عابدين فقال: (أي ليس من قبيل عود الساقط حتى يقال: إن الساقط لا يعود، فقولهم: يسقط حقها، معناه منع منه مانع، كقولهم: تسقط النفقة بالنشوز، والولاية بالجنون، ثم تعود بزوال ذلك، أفاده في النهر، وقد يقال: إن الساقط لم يعد بل عاد حق جديد، لقيام سببه، بخلاف سقوط الشفعة، لأنها حق واحد كما مر))[34].
كما اتفقوا على أن عودة الحضانة إليها تكون فور زوال المانع مع طلبها لها، إلا أنهم اختلفوا في تفضيل ذلك:
فإذا كان المانع غير الزواج، كالمرض، والامتناع منها بدون عذر، عادت الحاضنة إليها فور زوال المانع مع مطالبتها بها.
أما إذا كان المانع هو الزواج، فقد ذهب الحنبلية وجمهور الشافعية إلى أنها تعود إليها فور انتهاء الزواج، سواء كان ذلك بوفاة الزوج، أو بفسخ الزواج، أو بالطلاق، رجعياً كان أو بائناً، دون الحاجة إلى انتظار انتهاء مدة العدة، وذلك لزوال المانع.
وذهب الحنفية والمزني من الشافعية إلى التفريق بين الطلاق الرجعي والطلاق البائن والفسخ والوفاة، فإذا زال الزواج بغير الطلاق الرجعي، فإن الحضانة تعود إليها فور الفرقة كما تقدم، فإذا زال الزواج بالطلاق الرجعي، فلا تعود الحضانة إليها إلا بعد انتهاء العدة، لأن المعتدة من رجعي زوجة حكماً، بدليل جواز عود زوجها إليها أثناء العدة بدون عقد جديد[35].
وذهب المالكية إلى تفضيل ذلك على النحو التالي:
إذا سقطت الحضانة بزواج الحاضنة، فإنها لا تعود إليها بزوال هذا الزواج مطلقاً.
فإذا سقطت بامتناعها عنها بدون عذر، ثم عادت لطلبها، فإنها لا تعود إليها على المشهور، إلا أن ترضى الحاضنة البعدى صاحبة الحق بها بعدها بذلك، فإن رضيت البعدى بعود الحضانة للأولى عادت إليها.
إلا أن المالكية ذكروا أن للأب هنا التدخل ومنع عودها إليها في هذه الحال، إلا أن تكون الحاضنة الأم، فإنه ليس له منع عودتها إليها لحق المحضون.
وذلك كله اعتماداً منهم على القاعدة الفقهية القائلة (الساقط لا يعود)[36].
وفي قول ضعيف للمالكية: تعود الحضانة للحاضنة الأولى في هذه الحال إذا طلبتها مطلقاً، كمذهب الجمهور.
فإذا سقطت الحضانة عن الحاضنة البعدى بعد ذلك لزواجها أو مرضها، أو وفاتها، فهل تعود للحاضنة الأولى إذا طلبتها وقد زال المانع عنها؟
للمالكية في ذلك قولان، الأقوى منهما أنها لا تعود، ولكن تنتقل إلى حاضنة أخرى بعدهما، وفي قول آخر ضعيف: تعود عند ذلك للحاضنة الأولى إذا طلبتها وقد زال المانع.
ج - فإذا سقطت الحضانة بغير فعل اختياري من الحاضنة أصلاً، كمرضها، أو سفرها للحج، أو سفر الولي بالمحضون... فإنها تعود إليها بعد زوال المانع مطلقاً، ما لم تتركها مدة سنة فأكثر بعد زوال المانع دون طلب، فإن أهملتها سنة فأكثر وقد زال المانع ثم طلبتها لم تجب إليها.
إلا أن المالكية نصوا على أن الحضانة إذا سقطت لمانع ثم زال هذا المانع قبل علم الحاضنة التي بعدها بذلك ومطالبتها بها، فإنها تعود للحاضنة الأولى إذا طلبتها إذا زال المانع، وذلك لعدم ثبوت حق الثانية بها بعد، فإن علمت الحاضنة الثانية بالمانع فطالبت بها، فإن كان ذلك قبل سنة من قيام المانع أجيب إلى طلبها، ونقلت الحضانة إليها، فإن كان طلبها بعد سنة من المانع لم تجب إلى طلبها[37].
رؤية المحضون:
نص الشافعية والحنبلية على أن لكل من الحاضنة والوليّ –ولي النفس- أن يرى المحضون إذا لم يكن عنده.
وعلى هذا فللولي رؤية المحضون عندما يكون عند حاضنته، ولحاضنته رؤية المحضون عندما يكون عند وليه، وحددوا ذلك مرة في الأسبوع أو كل بضعة أيام، إلا أنهم نصوا على أن المحضون إن كان عند وليه، فإنه يكون عنده ليلاً ونهاراً، ذكراً كان أو أنثى، ولحاضنته رؤيته في كل بضعة أيام، فإن أرسله وليه إليها تأدى ذلك، وإن منعه من الذهاب إليها وجب عليه أن يأذن لحاضنته بالقدوم إليه ورؤيته في بيته، واستحسنوا أن تكون الزيارة من الحاضنة للمحضون إن كان أنثى، وأن يكون من المحضون لحضانته إن كان المحضون ذكراً.
فإن كان المحضون عند حاضنته، فإن كان المحضون أنثى، فإنها تكون عند حاضنتها ليلاً ونهاراً، ولوليها زيارتها كل بضعة أيام، وليس على الحضانة إرسالها إليه.
وإن كان المحضون ذكراً، كان عند حاضنته ليلاً فقط، وعند وليه نهاراً، ليتسنى له تعليمه ورعايته.
فإذا مرض المحضون واحتاج إلى الرعاية، قام على تمريضه حاضنته في بيتها مطلقاً عند الحنبلية، وذكر الشافعية مثل ذلك إذا رضي الولي، أو كان المحضون عند حاضنته، فإن كان المحضون عند الولي ولم يرض بنقله إلى حاضنته، وجب عليه أن يأذن لها بتمريضه في بيت الولي[38].
وقد نص الحنفية على مثل ما ذكره الشافعية والحنبلية، وذكروا أن لكل من الولي والحاضنة رؤية المحضون إذا كان عند الآخر، إلا أنهم نصوا على أن كلاً من الولي والحاضنة لا يجبران على إرسال المحضون إلى الآخر لرؤيته في منزله، ولكن يؤمران بالإذن برؤيته في مكان وجوده، أو إرساله إلى مكان يمكن للآخر رؤيته فيه، ولم يحددوا لذلك مدة معينة تتم الرؤية فيها دورياً، إلا أن فحوى نصوصهم تفيد أن لكل من الحاضنة والولي رؤية المحضون كل يوم مرة، من ذلك ما نص عليه الحصكفي، فقال: (ليس للمطلقة بائناً بعد عدتها الخروج بالولد من بلدة إلى أخرى بينهما تفاوت، فلو بينهما تفاوت بحيث يمكنه أن يرى ولده ثم يرجع في نهاره لم تمنع) كما نص فقال: (وفي الحاوي: له إخراجه إلى مكان يمكنها أن تبصر ولدها كل يوم، كما في جانبها فليحفظ)[39].
[1] انظر رد المحتار على الدر المختار 3/555 .
[2] انظر مغنى المحتاج 3/452 .
[3] انظر الشرح الكبير في هامش الدسوقي علي 2/526
[4] انظر نهاية المحتاج 7/225، وابن عابدين 3/561 – 562.
[5] انظر ابن جزي ص249، ومغني المحتاج 3/452، والمغني 8/214 .
[6] انظر ابن جزي ص 249 .
[7] انظر ابن عابدين 3/559، والمفتي 8/212 .
[8] انظر جامع الأصول 3/612 .
[9] انظر الدرر المختار وابن عابدين عليه 3/563، والدسوقي 2/529، والمغني 8/221، ومغني المحتاج 3/454 .
[10] انظر الدرر المختار وحاشية ابن عابدين عليه 3/563 .
[11] انظر الدسوقي 2/527 – 528 .
[12] انظر مغتي المحتاج 3/254 – 454 .
[13] المغني 8/220 – 224 .
[14] انظر الدسوقي 2/529، وابن عابدين 3/557 .
[15] مغنى المحتاج 3/456، والدسوقي 2/528 .
[16] انظر الدسوقي 2/529، وابن عابدين 3/564 .
[17] انظر مغني المحتاج 3/455 .
[18] انظر الدسوقي 2/530 .
[19] انظر الدسوقي 2/527 .
[20] مغني المحتاج 3/456 .
[21] انظر ابن عابدين 3/569 – 570 .
[22] انظر الدسوقي 2/531 .
[23] انظر المغني 8/217 – 517 .
[24] انظر ابن عابدين 3/569 – 571 .
[25] انظر الدسوقي 2/531، والمغني 8/218، ومغني المحتاج 3/458 – 459 .
[26] انظر ابن عابدين 3/560 – 561، والدسوقي 2/534، ونهاية المحتاج 7/225 .
[27] انظر ابن عابدين 3/561 – 562 .
[28] انظر الدسوقي 2/533 – 534، وابن جزي ص 249 .
[29] انظر مغني المحتاج 3/452 .
[30] انظر ابن عابدين 3/567 .
[31] انظر الدسوقي 2/526 .
[32] انظر مغني المحتاج 3/456 – 457، ونهاية المحتاج 7/231 – 232 .
[33] انظر المغني 8/216 -217 .
[34] انظر ابن عابدين 3/566 .
[35] انظر ابن عابدين 3/566، ومغني المحتاج 3/456، والمغني 8/224 .
[36] انظر المادة /51/ من مجلة الأحكام العدلية.
[37] انظر الدسوقي 2/532 – 533، وابن جزي ص 248 .
[38] انظر مغني المحتاج 3/457 – 458، والمغني 8/217 .
[39] انظر ابن عابدين 3/569 – 571 .