التفريق لنقصان المهر عن مهر المثل[1]:
اتفق الفقهاء على أن المهر أثر من آثار العقد الصحيح، فيثبت به حكما، سمي أو لم يسم، أم نفي، كما اتفقوا على ثبوته للموطوءة بشبهة والمنكوحة فاسدا إذا تبعه وطء.
واتفقوا على أن المهر فيه حق الزوجة وحق الشارع، واختلفوا في حق أولياء الزوجة فيه.
فذهب أبو حنيفة إلى أن في المهر حق أولياء الزوجة أيضا، وذهب الجمهور إلى أن لا حق للأولياء فيه مطلقا، كما اختلفوا في مقدار المهر في مواضع، كما يلي:
1- فذهب الحنفية والمنالكية إلى أن حق الشارع في المهر متعلق بأن لا ينزل عن أدنى ما تُقطع به يد السارق، وهو خمسة دراهم عند المالكية، وعشرة دراهم عند الحنفية، فإذا سمي في العقد أدنى من ذلك فسدت التسمية، حماية لحق الشارع، وذهب الشافعية الحنبلية إلى أن حق الشرع في المهر غير محدد بمقدار، فكل ما جاز جعله ثمنا جاز جعله مهرا.
2- أما حق الزوجة في المهر فهو أن تبلغ به إلى مهر أمثالها، ولا ينزل عن ذلك إلا برضاها إن كانت عاقلة بالغة راشدة، فإن كانت قاصرة وزوَّجها الولي المجبر، فإن كان بأقل من مهر مثلها فسد الزواج في مذهب الصاحبين من الحننفية، وكذلك الزوج القاصر إذا زوجه الولي المجبر، فإنه يفسد إذا كان بأكثر من مهر المثل.
وعند أبي حنيفة الحكم كذلك إذا زوجها غير الأب والجد والابن، فإن كان الولي المجبر هو الأب أو الجد أو الابن، وكان غير معروف بسوء الاختيار، كان له تزويج القاصرة والمجنونة بأقل منه، وكذلك الصبي والمجنون فإنه يزوجهما بمهر المثل وبأكثر منه، وذلك لغلبة شفقتهما مما يظن معه قيام مصلحة أقوى من مصلحتهم في مهر المثل.
وذهب مالك مذهب أبي حنيفة، إذا كان الولي المجبر هو الأب، فإذا كان غيره لم يصح بغير مهر المثل.
وذهب الشافعي إلى أن الولي المجبر إذا زوج من تحت ولا يته بأقل من مهر المثل في المرأة وبأكثر منه في الرجل، فإن التسمية تلغو قولا واحدا، وهي يفسد العقد بذلك: قولان، الأظهر منهما أن التسمية تلغو ويصح العقد، ويجب مهر المثل لا أكثر منه ولا أقل منه، والثاني يفسد العقد أيضا.
وذهب الحنبلية مذهب المالكية، إلا أنهم قالوا: إذا كان الولي غير الأب، وكان العقد بأقل من مهر المثل أو باكثر منه، لغت التسمية، وثبت مهر المثل دون فساد العقد.
3 – وأما أن في المهر حق أولياء الزوجة أيضا، فقد تقدم أنه مذهب أبي حنيفة وحده، وعليه فلو زوَّجت البالغة العاقلة نفسها بأقل من مهر مثلها، فإن لوليها طلب فسخ الزواج عند أبي حتنيفة، لفوات حقه، فإن رفع الزوج المهر إلى مهر المثل سقط حق الولي، وإلا فسخه القاضي لحقه، أما جمهور الفقهاء فلا يثبتون لأولياء الزوجة هذا الحق أصلا، ولهذا فلا فسخ له عندهم.
نوع الفرقة لنقصان المهر عن مهر المثل:
إذا كان المعقود له قاصرا، وكان بغير مهر المثل، ففي حال عُدَّ العقد صحيحا فلا تفريق، وفي حال عَدِّه فاسدا فقد تقدم التفريق لفساد العقد نوعا ووقتا.
وإن كان المعقود له بالغا وكان بغير مهر المثل، فإن عّقَده بنفسه فلا تفريق، أما على مذهب الشافعية والحنبلية فظاهر، وأما على مذهب الصاحبين من الحنفية والمالكية فظاهر أيضا، ذلك أنه إن سمى أقل من أقل المهر لغا المسمى لحق الشرع والعقد صحيح، وإن سمى أكثر منه أقل من مهر المثل صح العقد والمسمى، لأنه أسقط حق نفسه، ولا حق لأحد غيره فيه، وأما على مذهب أبي حنيفة، فإن للولي حق الاعتراض وفسخ الزواج هنا، ولا يفسخ إلا بحكم القاضي، لأنه فصل مجتهد فيه.
وإن عقده له وكيله، فإن زوجه بأقل من مهر المثل بأمره جاز ولزم، وكأنه عقده بنفسه، وإن كان بغير أمره خير المعقود له بين الإنفاذ والإبطال، فإن أبطله لغا، وكأنه لم يكن، وإن عقده له الولي بولاية الإجبار، فقد تقدم أنه صحيح لازم عن البعض، فلا تفريق، وفاسد عند البعض لحق الزوجة فيفسخ كالعقد الفاسد.
[1] - مغنب المحتاج 3/220، والدسوقي 2/293و 222، والمغني 7/137، والمبسوط 5/13-14، والبحر الرائق 3/134.