حكم جزء الطلقة[1]:
إذا قال الزوج لزوجته: أنت طالق مرة طلقت مرة، وإن قال لها: أنت طالق طلقتين، طلقت طلقتين، وإن قال: ثلاثا طلقت ثلاثا، وقد تقدم ذلك، فإن قال لها: أنت طالق نصف طلقة، أو ربع طلقة، أو ثلث طلقة أو أقل من ذلك أو أكثر، وقع عليه طلقة واحدة بالاتفاق، لأن الطلقة تحريم، وهو لا يتجزأ.
في المسألة تفصيل يحسن معه ذكر كل مذهب على حدة:
قال الحنفية: وجزء الطلقة ولو من ألف جزء تطليقة لعدم التجزؤ، فلو زادت الأجزاء وقع أخرى، وهكذا ما لم يقل: نصف طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة، فيقع الثلاث، لأن المنكَّر إذا أعيد منكَّراً كان الثاني غير الأول، فيتكامل كل جزء، بخلاف ما إذا قال: نصف تطليقة وثلثها وسدسها، حيث تقع واحدةً، لأن الثاني والثالث عين الأول.
فإن جاوز مجموع الأجزاء تطليقةً -بأن قال: نصف تطليقة وثلثها وربعها- قيل: تقع واحدة، وقيل ثنتان، وهو المختار، وصححه في الظهيرية.
ولو بلا واو بأن قال: نصف طلقة، ثلث طلقة، سدس طلقة، فواحدة، لدلالة حذف العاطف على أن هذه الأجزاء من طلقة واحدة، وأن الثاني بدل من الأول، والثالث بدل من الثاني.
وقال الحنفية أيضاً، ويقع بثلاثة أنصاف طلقتين ثلاث طلقات، لأن نصف التطليقتين واحدة، فثلاثة أنصاف تطليقتين ثلاث تطليقات، وقيل اثنتان، لأن التطليقتين إذا نصفتا كانت أربعة أنصاف، فثلاثة منها طلقة ونصف، فتكمل تطليقتين.
ويقع بثلاثة أنصاف طلقة، أو نصفي طلقتين طلقتان في الأصح، وكذا في نصف ثلاث تطليقات، لأنها طلقة ونصف، فيتكامل النصف، وفي نصفي طلقتين يتكامل كل نصف فيحصل طلقتان.
وقال المالكية: لو قال الزوج لزوجته: أنت طالق نصف تطليقة أو نصف طلقتين لزمه طلقة واحدة، ولو قال لها: أنت طالق نصف وثلث طلقة، لزمته واحدة، لعدم إضافة الجزء للفظ طلقة، ولو قال لها: أنت طالق نصف وثلث وربع طلقة، لزمه اثنتان، لزيادة الأجزاء على واحدة.
ولو أضاف الجزء للفظ طلقة، فقال لها: أنت طالق ثلث طلقة وربع طلقة بحرف العطف، لزمه اثنتان.
وإن قال لها: أنت طالق ثلث طلقة وربع طلقة ونصف طلقة لزمه ثلاث طلقات، لأن كل كسر أضيف لطلقة أخذ مميزه، فاستقل بنفسه، أي: حكم بكمال الطلقة فيه، فالجزء الآخر المعطوف يعد طلقةً.
وقال الشافعية: لو قال الزوج لزوجته: أنت طالق بعض طلقة وقعت طلقة، لأن الطلاق لا يتبعض، فإيقاع بعضه كإيقاع كله، ولو قال لها: أنت طالق نصفي طلقة، وقعت طلقة، لأن نصفي الطلقة طلقة، إلا أن يريد أن كل نصف من طلقة، فتقع طلقتان، عملاً بقصده، والأصح عندهم: أن قول الزوج لزوجته: أنت طالق نصف طلقتين يقع به طلقة، لأن ذلك نصفهما، ما لم يرد كل نصف من طلقة، فتقع طلقتان.
وفي أجزاء الطلقة قال الشربيني الخطيب: حاصل ما ذكر أنه إن كرر لفظ طلقة مع العاطف ولم تزد الأجزاء على طلقة كأنت طالق نصف طلقة وثلث طلقة كان كل جزء طلقة، وإن أسقط لفظ طلقة كأنت طالق ربع وسدس طلقة، أو أسقط العاطف، كأنت طالق ثلث طلقة ربع طلقة، كان الكل طلقة، فإن زادت الأجزاء كنصف وثلث وربع طلقة، كمل الزائد من طلقة أخرى، ووقع به طلقة، ولو قال نصف طلقة ونصفها ونصفها، فثلاث، إلا إن أراد بالنصف الثالث تأكيد الثاني، فطلقتان.
وقال الحنبلية: إن قال الزوج لزوجته: أنت طالق نصفي طلقة وقعت طلقة، لأن نصفي الشيء كله، وإن قال ثلاثة أنصاف طلقة طلقت طلقتين، لأن ثلاثة أنصاف طلقة ونصف، فكمل النصف فصارا طلقتين، وإن قال انت طالق نصف طلقتين طلقت واحدة، لأن نصف الطلقتين طلقة، وإن قال أنت طالق نصفي طلقتين وقعت طلقتان، لأن نصفي الشيء جميعه، فهو كما لو قال: أنت طالق طلقتين، وإن قال: أنت طالق نصف ثلاث طلقات طلقت طلقتين، لأن نصفها طلقة ونصف، ثم يكمل النصف فتصير طلقتين.
وإن قال: أنت طالق نصف وثلث وسدس طلقة وقعت طلقة، لأنها أجزاء الطلقة، ولو قال: أنت طالق نصف طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة، فقال أصحابنا: يقع ثلاث، لأنه عطف جزءاً من طلقة على جزء من طلقة، فظاهره أنها طلقات متغايرة، ولأنها لو كانت الثانية هي الأولى لجاء بها بلام التعريف، فقال: ثلث الطلقة وسدس الطلقة، فإن أهل العربية قالوا: إذا ذُكر لفظ ثم أعيد منكَّراً فالثاني غير الأول، وإن أعيد معرَّفاً بالألف واللام فالثاني هو الأول.
وإن قال: أنت طالق نصف طلقة ثلث طلقة سدس طلقة طلقت طلقةً، لأنه لم يعطف بواو العطف، فيدل على أن هذه الأجزاء من طلقة غير متغايرة، ولأنه يكون الثاني هاهنا بدلاً من الأول، والثالث من الثاني، والبدل هو المبدل أو بعضه، فلم يقتض المغايرة، وعلى هذا التعليل لو قال: أنت طالق طلقةً نصف طلقة، أو طلقةً طلقةً، لم تطلق إلا طلقةً، فإن قال: أنت طالق نصفاً وثلثاً وسدساً لم يقع إلا طلقة، لأن هذه أجزاء الطلقة، إلا أن يريد من كل طلقة جزءاً فتطلق ثلاثاً.
ولو قال: أنت طالق نصفاً وثلثاً وربعاً طلقت طلقتين، لأنه يزيد على الطلقة نصف سدس ثم يكمل، وإن أراد من كل طلقة جزءاً طلقت ثلاثاً.