شروط الطلاق
يشترط لصحة الطلاق لدى الفقهاء شروط موزعة على أطراف الطلاق الثلاثة، فبعضها يتعلق بالمطلِّق، وبعضها بالمطلَّقة، وبعضها بالصيغة، وذلك على الوجه التالي:
الشروط المتعلقة بالمُطلِّق:
يشترط في المطلق ليقع طلاقه على زوجته صحيحاً شروط، هي:
الشرط الأول أن يكون من زوج:
والزوج هو من بينه وبين المطلقة عقد زواج صحيح، فإذا كان العقد فاسدا، أو باطلا، لم يقع طلاقه عليها، فإذا لم يكن بينهما عقد أصلا، كان طلاقه موقوفا على إجازة الزوج إن وجد، وإلا بطل.
الشرط الثاني: البلوغ[1]:
فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم وقوع طلاق الصغير، مميزاً كان أو غير مميز، مراهقاً كان أو غير مراهق، أُذن له بذلك أم لا، أُجيز بعد ذلك من الولي أو لا، على سواء، ذلك لأن الطلاق ضرر محض، فلا يملكه الصغير ولو كان مميزا، ولا يملكه وليُّه، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق)[2] رواه ابن حبان وغيره، وقوله صلى الله عليه وسلم : (كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه) رواه البيهقي.
وخالف الحنبلية في الصبي الذي يعقل الطلاق، فقالوا: إن طلاقه واقع على أكثر الروايات عن أحمد، أما من لا يعقل، فوافقوا الجمهور في أنه لا يقع طلاقه. قال في المغني: "وأما الصبي الذي لا يعقل فلا خلاف في أنه لا طلاق له، وأما الذي يعقل الطلاق، ويعلم أن زوجته تبين منه به وتحرم عليه، فأكثر الروايات عن أحمد أن طلاقه يقع، اختارها أبو بكر والخرقي وابن حامد، وروى أبو طالب عن أحمد: لا يجوز طلاقه حتى يحتلم، وهو قول النخعي، والزهري، وروى أبو الحارث عن أحمد: إذا عقل الطلاق جاز طلاقه ما بين عشر إلى اثنتي عشرة، وهذا يدل على أنه لا يقع لدون العشر، وهو اختيار أبي بكر، لأن العشر حد الضرب على الصلاة والصيام وصحة الوصية، فكذلك هذا، وعن سعيد بن المسيب: إذا أحصى الصلاة وصام رمضان جاز طلاقه، وقال عطاء: إذا بلغ أن يصيب النساء، وعن الحسن: إذا عقل وحفظ الصلاة وصام رمضان، وقال إسحاق: إذا جاوز اثنتي عشرة"[3].
الشرط الثالث: العقل:
ذهب الفقهاء إلى عدم صحة طلاق المجنون والمعتوه، لفقدان أهلية الأداء في الأول، ونقصانها في الثاني، فألحقوهما بالصغير غير البالغ، فلم يقع طلاقهما لما تقدم من الأدلة، وهذا في الجنون الدائم المطبق، أما الجنون المتقطع، فإن حكم طلاق المبتلى به منوط بحاله عند الطلاق، فإن طلق وهو مجنون لم يقع، وإن طلق في إفاقته وقع لكمال أهليته.
وقد ألحق الفقهاء بالمجنون النائم، والمغمى عليه، والمبرسم، والمدهوش، وذلك لانعدام أهلية الأداء لديهم، ولحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الغلام حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق) رواه ابن حبان وغيره، وحديث: (لا طلاق ولا عتاق في إغلاق) رواه ابن حبان وغيره.
وأما السكران، فإن كان غير متعد بسكره، كما إذا سكر مضطراً، أو مكرهاً، أو بقصد العلاج الضروري إذا تعين بقول طبيب مسلم ثقة، أو لم يعلم أنه مسكر، لم يقع طلاقه بالاتفاق، لفقدان العقل لديه، كالمجنون، هذا إذا غاب عقله أو اختلت تصرفاته، وإلا وقع طلاقه عند الجمهور، عقابا له، وهو مذهب سعيد، وعطاء، ومجاهد، والحسن، وابن سيرين، والشعبي، والنخعي، وغيرهم.
وإن كان متعدياً بسكره، كأن شرب الخمرة طائعاً بدون حاجة، وقع طلاقه عند الجمهور رغم غياب عقله بالسكر، وذلك عقاباً له، وهو مذهب سعيد، وعطاء، ومجاهد، والحسن، وابن سيرين، والشعبي، والنخعي، وغيرهم.
وذكر الحنبلية عن أحمد روايتين:
الأولى: بوقوع طلاقه كالجمهور، اختارها أبو بكر الخلال والقاضي.
والثانية: بعدم وقوع طلاقه، اختارها أبو بكر عبد العزيز، وهو قول عند الحنفية أيضاً اختاره الطحاوي والكرخي، وقول عند الشافعية، وقد روي ذلك عن عثمان رضي الله تعالى عنه، وهو مذهب عمر بن عبد العزيز، والقاسم، وطاوس، وربيعة، وغيرهم.
وقد استُدل لمذهب الجمهور بأن الصحابة جعلوا السكران كالصاحي في الحد بالقذف.
كما استُدل لعدم وقوع طلاقه بأنه فاقد العقل، فكان كالمجنون والنائم، وبأنه لا فرق بين زوال العقل بمعصية أو غيرها، بدليل أن من كسر ساقيه جاز له أن يصلي قاعداً، وأن امرأةً لو ضربت بطن نفسها فنفست، سقطت عنها الصلاة.
الشرط الرابع: القصد والاختيار:
المراد به هنا: قصد اللفظ الموجب للطلاق من غير إجبار.
وقد اتفق الفقهاء على صحة طلاق الهازل، وهو: من قصد اللفظ، ولم يرد به ما يدل عليه حقيقةً أو مجازاً، وذلك لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث جِدُّهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة) رواه أبو داود وابن ماجه.
ولأن الطلاق ذو خطر كبير، باعتبار أن محله المرأة، وهي إنسان، والإنسان أكرم مخلوقات الله تعالى، فلا ينبغي أن يجري في أمره الهزل، ولأن الهازل قاصد للفظ الذي ربط الشارع به وقوع الطلاق، فيقع الطلاق بوجوده مطلقاً.
أما المخطئ، والمكرَه، والغضبان، والسفيه، والمريض، فقد اختلف الفقهاء في صحة طلاقهم على التفصيل التالي:
المخطئ:
المخطئ هنا: من لم يقصد التلفظ بالطلاق أصلاً، وإنما قصد لفظاً آخر، فسبق لسانه إلى الطلاق من غير قصد، كأن يريد أن يقول لزوجته: يا جميلة، فإذا به يقول لها خطأً: يا طالق، وهو غير الهازل، لأن الهازل قاصد للفظ الطلاق، إلا أنه غير قاصد للفرقة به، بخلاف المخطئ، فهو غير قاصد للفظ أصلا.
وقد اختلف الفقهاء في حكم طلاق المخطئ:
فذهب الجمهور إلى عدم وقوع طلاقه قضاءً وديانةً، هذا إذا ثبت خطؤه بقرائن الأحوال، فإذا لم يثبت خطؤه وقع الطلاق قضاءً، ولم يقع ديانةً، وذلك لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه ابن حبان وغيره.
ولا يقاس حاله على الهازل، لأن الهازل ثبت وقوع طلاقه على خلاف القياس، بالحديث الشريف المتقدم، وما كان كذلك فلا يقاس غيره عليه.
وذهب الحنفية إلى أن طلاق المخطئ واقع قضاءً، ثبت خطؤه أم لا، ولا يقع ديانةً، وذلك لخطورة محل الطلاق، وهو المرأة، ولأن في عدم إيقاع طلاقه فتح باب الادعاء بذلك بغير حق، للتخلص من وقوع الطلاق، وهو خطير، وذريعة يجب سدها.
المُكرَه:
الإكراه هنا معناه: حمل الزوج على الطلاق بأداة مرهبة.
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم وقوع طلاق المكرَه، إذا كان الإكراه شديداً، كالقتل، والقطع، والضرب المبرح، وما إلى ذلك، وذلك لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طلاق ولا عتاق في إغلاق) رواه بان حبان وغيره.
وللحديث المتقدم: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه ابن حبان وغيره.
ولأنه منعدم الإرادة والقصد، فكان كالمجنون والنائم، فإذا كان الإكراه ضعيفاً، أو ثبت عدم تأثر المكرَه به، وقع طلاقه لوجود الاختيار.
وذهب الحنفية إلى وقوع طلاق المكرَه مطلقاً، لأنه مختار له بدفع غيره عنه به، فوقع الطلاق لوجود الاختيار، إلا أن يصبح المطلق كالآلة في يد المطلق لشدة الإكراه، فلا يقع طلاقه في هذه الحال، لانعدام الإرادة بالكلية.
وهذا كله في الإكراه بغير حق، فلو أكره على الطلاق بحق، كالمولِي إذا انقضت مدة الإيلاء بدون فيء، فأجبره القاضي على الطلاق، فطلق، فإنه يقع طلاقه بالإجماع.
الغضبان:
الغضب: حالة من الاضطراب العصبي، وعدم التوازن الفكري، تحل بالإنسان إذا عدا عليه أحد بالكلام أو غيره.
والغضب لا أثر له في صحة تصرفات الإنسان القولية، ومنها الطلاق، إلا أن يصل الغضب إلى درجة الدهش، فإن وصل إليها لم يقع طلاقه، لأنه يصبح كالمغمى عليه.
المدهوش:
والمدهوش هو: من غلب الخلل في أقواله وأفعاله الخارجة عن عادته بسبب غضب اعتراه[4].
وقسم ابن القيم الغضب أقساماً ثلاثةً، نقلها عنه ابن عابدين، وعلق عليها، فقال:
طلاق الغضبان ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يحصل له مبادئ الغضب بحيث لا يتغير عقله، ويعلم ما يقول ويقصده، وهذا لا إشكال فيه.
الثاني: أن يبلغ النهاية، فلا يعلم ما يقول ولا يريده، فهذا لا ريب أنه لا ينفذ شيء من أقواله.
الثالث: من توسط بين المرتبتين، بحيث لم يصر كالمجنون، فهذا محل النظر، والأدلة تدل على عدم نفوذ أقواله.
ثم قال ابن عابدين: والذي يظهر لي أن كلاً من المدهوش والغضبان لا يلزم فيه أن يكون بحيث لا يعلم ما يقول، بل يكتفى فيه بغلبة الهذيان واختلاط الجد بالهزل، كما هو المفتى به في السكران .. ثم قال: فالذي ينبغي التعويل عليه في المدهوش ونحوه: إناطة الحكم بغلبة الخلل في أقواله وأفعاله الخارجة عن عادته، فما دام في حال غلبة الخلل في الأقوال والأفعال لا تعتبر أقواله وإن كان يعلمها ويريدها، لأن هذه المعرفة والإرادة غير معتبرة، لعدم حصولها عن إدراك صحيح، كما لا تعتبر من الصبي العاقل.
السفيه:
السفه: خفة في العقل تدعو إلى التصرف بالمال على غير وفق العقل والشرع.
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى وقوع طلاق السفيه، لأنه مكلف مالك لمحل الطلاق، ولأن السفه موجب للحجر في المال خاصةً، وهذا تصرف في النفس، وهو غير متهم في حق نفسه، فإن نشأ عن طلاق السفيه آثار مالية، كالمهر، فهي تبع لا أصل.
وخالف عطاء، وقال بعدم وقوع طلاق السفيه[5].
المريض:
المرض إذا أطلق في عرف الفقهاء انصرف إلى مرض الموت غالباً، إلا أن ينص فيه على غيره.
وقد اتفق الفقهاء على صحة طلاق المريض مطلقاً، سواء أكان مرض موت أم مرضاً عادياً، ما دام لا أثر له في القوى العقلية، فإن أثر فيها دخل في باب الجنون والعته وغير ذلك مما تقدم.
إلا أن المريض مرض موت بخاصة إذا طلَّق زوجته المدخول بها في مرضه بغير طلب منها أو رضاً طلاقاً بائناً، ثم مات وهي في عدتها من طلاقه هذا، فإنه يعد فاراً من إرثها حكماً، وترث منه رغم وقوع الطلاق عليها عند جمهور الفقهاء.
وقيد الحنفية ذلك بما إذا لم تطلب الطلاق البائن، فإذا طلبت هذا الطلاق فطلقها فلا ترث.
وخالف الشافعية، وقالوا بعدم إرث البائنة، أما المعتدة من طلاق رجعي فترث بالاتفاق.
أما المريض بغير مرض الموت، وكذلك غير المريض، فلا يتأتى في طلاقهما منه الفرار من الإرث.
وقد عالج قانون الأحوال الشخصية السوري شروط المطلِّق في المواد /85-89/ منه على النحو التالي:
المادة /85/:
1- يكون الرجل متمتعا بالأهلية الكاملة للطلاق في تمام الثامنة عشرة من عمره.
2- يجوز للقاضي أن يأذن بالتطليق أو يجيز الطلاق الواقع من البالغ المتزوج قبل الثامنة عشرة إذا وجدت المصلحة في ذلك.
المادة /86/:
محل الطلاق المرأة التي في نكاح صحيح، أو المعتدة من طلاق رجعي، ولا يصح على غيرهما الطلاق ولو معلقا.
المادة /87/:
1- يقع الطلاق باللفظ وبالكتابة ويقع من العجز عنهما بإشارته المعلومة.
2- للزوج أن يوكل غيبره بالتطليق وأن يفوض المرأة بتطليق نفسها.
المادة /88/:
1- إذا قدمت للمحكمة معاملة طلاق أو معاملة مخالعة أجَّلها القاضي شهرا أملا في الصلح.
2- إذا أصر الزوج بعد انقضاء المدة على الطلاق أو أصر الطرفان على المخالعة دعا القاضي الطرفين واستمع إلى خلافهما وسعى إلى إزالته ودوام الحياة الزوجية، واستعان على ذلك بمن يراهم من أهل الزوجين وغيرهما ممن يقدرون على إزالة الخلاف.
3- وإذا لم تفلح هذه المساعي سمح القاضي بتسجيل الطلاق أو المخالعة، واعتبر الطلاق نافذا من تاريخ إيقاعه.
4- تشطب المعاملة بمرور ثلاثة أشهر اعتبارا من تاريخ الطلب إذا لم يراجع بشأنها أي من الطرفين.
المادة /89/:
1- لا يقع طلاق السكران ولا المدهوش ولا المكره.
2- المدهوش هو الذي فقد تمييزه من غضب أو غيره فلا يدري ما يقول.
ونص قانون الأحوال الشخصية الكويتي على ذلك في المادة /102/ كما يلي: يقع طلاق كل زوج عاقل بالغ مختار واع لما يقول، فلا يقع طلاق المجنون والمعتوه والمكرَه والمخطئ والسكران والمدهوش والغضبان إذا غلب الخلل في أقولاه وأفعاله.
الشروط المتعلقة بالمطلقة:
يشترط في المطلقة ليقع الطلاق عليها شروط، هي:
الشرط الأول: قيام الزوجية حقيقةً أو حكماً:
وذلك بأن تكون المطلقة زوجةً للمطلِّق، أو معتدةً من طلاقه الرجعي، فإذا كانت معتدةً من طلاق بائن أو فسخ، فقد تقدم الاختلاف فيه عند الكلام على محل الطلاق.
هذا في الطلاق المنجز.
فإذا علَّق طلاقها بشرط، كأن قال: إن دخلت دار فلان فأنت طالق، فإن كانت عند التعليق زوجةً صح الطلاق، وإن كانت معتدةً عند التعليق، ففيه الخلاف المتقدم في الطلاق المنجز.
فإن كانت عند التعليق أجنبيةً ثم تزوجها، ثم حصل الشرط المعلق عليه، فإن أضاف التعليق إلى النكاح -كأن قال للأجنبية: إن تزوجتك فأنت طالق، ثم تزوجها- طلقت منه عند الحنفية والمالكية، خلافاً للشافعية.
وإن أضافه إلى غير النكاح، بأن قال للأجنبية: إن دخلت دار فلان فأنت طالق، ثم تزوجها، ثم دخلت، لم تطلق بالاتفاق.
وكذلك إن دخلت الدار قبل الزواج، فإنها لا تطلق من باب أولى.
فإذا علق طلاق الأجنبية على غير النكاح، ونوى فيه النكاح، مثل أن يقول لها: إن دخلت دار فلان فأنت طالق، ثم تزوجها، ثم دخلت الدار المحلوف عليها، طلقت عند المالكية للنية، ولم تطلق عند الجمهور لعدم الإضافة للنكاح لفظاً[6].
الشرط الثاني: تعيين المطلقة بالإشارة أو بالصفة أو بالنية.
اتفق الفقهاء على اشتراط تعيين المطلقة، وطرق التعيين ثلاثة:
الإشارة، والوصف، والنية، فأيها قدم جاز، فإذا تعارض الثلاثة، كما إذا أشار إلى إحدى زوجتيه، وقال: أنت طالق، ونوى زوجته الأخرى، أو وصف المطلقة باسمها بدون إشارة، فقال: عَمرة طالق، ونوى سَلمى زوجته الأخرى، أو كان له زوجتان إحداهما بصيرة والثانية عمياء، فأشار للعمياء، وقال: أنت طالق يا بصيرة، أو أشار إلى أجنبية وذكر اسم زوجته، وقال: أنت عَمرة طالق، أو قال: نساء الدنيا طوالق، أو قال نساء الحي طوالق، أو قال: النساء اللواتي في بيتي طوالق، أو قال لزوجاته الأربع: إحداكن طالق... فقد اتفق الفقهاء في بعضه واختلفوا في بعضه الآخر، كما يلي:
اتفق الفقهاء على أنه إذا عيَّن المطلقة بالإشارة والصفة والنية وقع الطلاق على المعيَّنة، كأن قال لزوجته التي اسمها عَمرة مشيراً إليها: يا عمرة، أنت طالق، قاصداً طلاقها، فإنها تطلق بالاتفاق، لتمام التعيين بذلك.
فإن أشار إلى واحدة من نسائه المتعددات دون أن يصفها بوصف، ولم ينو غيرها، وقال لها: أنت طالق، وقع الطلاق عليها بالاتفاق أيضاً، لأن الإشارة كافية للتعيين، وكذلك إذا وصفها بوصفها دون إشارة ودون قصد غيرها، فإنها تطلق أيضاً، كما إذا قال: سَلمى طالق.
فإن نوى واحدةً من نسائه، ولم يشر إليها ولم يصفها، كما إذا قال: إحدى نسائي طالق، ونوى واحدةً منهن، فإنها تطلق دون غيرها، وكذلك لو قال: امرأتي طالق، وليس له غير زوجة واحدة، فإنها تطلق.
فإن أشار إلى واحدة من نسائه، ووصف غيرها، بأن قال لإحدى زوجاته واسمها سَلمى: أنت يا عَمرة طالق، وكانت الأخرى اسمها عمرة، طلقت المشار إليها عند الحنفية قضاءً، ولم تطلق عَمرة، للقاعدة الفقهية الكلية: الوصف في الحاضر لغو وفي الغائب معتبر[7]، وكذلك إذا أشار إليها ووصفها بغير وصفها، فإنها تطلق، كما إذا قال لامرأته، أنت يا غزالة طالق، للقاعدة السابقة.
فإذا لم يشر إليها، ولكن وصفها بوصف هو فيها، وعنى بها غيرها، كأن قال: زوجتي سَلمى طالق، وقصد غيرها، دُيِّن، إن كان له زوجة اسمها سَلمى، فإن لم يكن له لم يقع الطلاق عليها ديانة ولا قضاء، لعدم التعيين أصلا، وعدم احتمال اللفظ للنية.
فإن قال: نساء الدنيا كلهن طوالق، ونوى زوجته، طلقت زوجته عند الحنفية، فإن لم ينوها لم تطلق، وإن قال: نساء محلتي كلهن طوالق، طلقت زوجته، نواها أو لم ينوها، فإن قال: نساء مدينتي كلهن طوالق، فإن نوى زوجته فيهن طلقت، وإلا، فقد ذهب أبو يوسف إلى عدم طلاقها، وهو رواية عن محمد بن الحسن أيضاً، وفي رواية أخرى عن محمد بن الحسن أنها تطلق، كما في نساء الحي[8].
ولو كان له زوجتان، سلمى وعمرة، فدعى سلمى، فأجابته عمرة، فظنها سلمى، فطلقها، طلقت سلمى ديانة وقضاء عند المالكية للقصد، أما عمرة فتطلق قضاء لا ديانة، لعدم القصد[9]، وذهب الشافعية إلى طلاق المجيبة في الأصح، أما المناداة فلم تطلق، وفي قول آخر لم تطلقا[10].
ولو قال: نساء المسلمين طوالق، لم تطلق امرأته في الأصح عند الشافعية، ولو كان له زوجتان: سلمى وعمرة، فدعا سلمى فأجابته عمرة، فظنها سلمى فطلقها، طلقت سلمى ديانةً وقضاءً عند المالكية للقصد، أما عمرة فتطلق قضاءً لا ديانةً لعدم القصد.
وذهب الشافعية إلى طلاق المجيبة في الأصح، أما المناداة فلم تطلق، وفي قول آخر لم تطلقا.
ولو قال الرجل لزوجته وأجنبية معها: إحداكما طالق، ثم قال: قصدت الأجنبية، قُبِل قوله في الأصح لدى الشافعية، لاحتمال كلامه ذلك، فتقدم النية، وفي قول آخر تطلق زوجته، لأنها محل الطلاق دون الثانية، فلا يصرف قوله إلى قصده، للقاعدة الفقهية الكلية: إعمال الكلام أولى من إهماله[11]، فإن لم يكن له قصد أصلا طلقت زوجته قولا واحدا، للقاعدة السابقة، وهذا لأن الأجنبية محل الطلاق بالجملة، فلو قال لزوجته ورجل: أحدكما طالق، وقصد الرجل، بطل قصده، وطلقت زوجته، لأن الرجل ليس محل الطلاق أصلاً.
ولو قال لإحدى زوجتيه: إحداكما طالق إن فعلتُ كذا، ثم فعل المحلوف عليه بعد موت إحداهما، تعينت الثانية الحيَّة للطلاق، وطلقت[12].
ونص الحنبلية على أنه لو قال لزوجاته الأربع: إحداكن طالق، فإن كان له نية طلقت التي نواها، وإن لم يكن له نية أقرع بينهن، ومن وقعت القرعة عليها كانت هي المطلقة، وقال مالك: طلقن جميعاً، وذهب الجمهور إلى أنه يخيَّر، ويقع الطلاق على من يختارها منهن للطلاق.
فإن طلق واحدةً من نسائه ونسيها، أخرجت المطلقة بالقرعة أيضاً عند الحنبلية[13]، وعند أكثر الفقهاء لا يعول على القرعة، لبيان من وقع الطلاق عليها، ولكن على تعيينه هو.
وتطليق جزء المُطَلَّقة كتطليقها كلها، إذا كان الجزء شائعاً وأضافه إليها، كقوله لزوجته: نصفك طالق، أو ثلثك، أو ربعك، أو جزء من ألف منك ... فإن أضافه إلى جزء معين منها، فإن كان هذا الجزء المعين ثابتاً فيها وجزءاً لا يتجزأ منها، كرأسها، وبطنها ... فكذلك الحكم، وإن كان غير ثابت، كلعابها، وعَرَقها، وسائر فضلاتها لم تطلق، وهذا مذهب الجمهور.
وذهب الحنفية إلى أنه إن طلق جزءاً شائعاً منها طلقت، وإن طلق جزءاً معيناً، فإن كان مما يعبر به عنها عادةً كالرأس، والوجه، والرقبة، والظهر والفرْج... طلقت، وإن كان لا يعبر به عنها عادةً، كالبضع والدم... لم تطلق، فإن تعارفه الناس طلقت به أيضاً.
ونص قانون الأحوال الشخصية السوري على عدم وقوع الطلاق المعلق على شرط إذ لم يقصده المطلق في المادة /90/ منه، ونصها كما يلي: لا يقع الطلاق غير المنجز إذا لم يقصد به إلا الحث على فعل شيء أو المنع منه أو استعمل استعمال القسم لتأكيد الأخبار لا غير.
وقانون الأحوال الشخصية الكويتي نص على قريب من ذلك في المادة /105/ منه، ونصها كما يلي: يشترط في الطلاق أن يكون منجزا.
الشروط المتعلقة بصيغة الطلاق (الركن):
صيغة الطلاق هي اللفظ المعبر به عنه –كما تقدم- إلا أنه يستعاض عن اللفظ في أحوال بالكتابة أو الإشارة.
ولكل من اللفظ والكتابة والإشارة شروط لا بد من توافرها فيه، وإلا لم يقع الطلاق، وهذه الشروط هي:
أ - شروط اللفظ:
يشترط في اللفظ المستعمل في الطلاق شروط، إذا فاتت أو فات واحد منها فسد ولم يقع به الطلاق، وهذه الشروط هي:
الشرط الأول: القطع أو الظن بحصول اللفظ وفهم معناه:
المراد به هنا: حصول اللفظ وفهم معناه، وليس نية وقوع الطلاق به، وقد تكون نية الوقوع شرطاً في أحوال، كما سيأتي.
وعلى هذا إذا حلف المطلِّق بشيء، ثم شك أكان حلفه بطلاق أم بغيره، فإنه لغو، ولا يقع به شيء، وكذلك إذا شك أطلَّق أم لا؟ فإنه لا يقع به شيء من باب أولى، فإن تيقن أو ظن أنه طلق ثم شك في العدد، أطلَّق واحدةً، أم ثنتين، أم أكثر من ذلك؟ بنى على الأقل، لحصول اليقين أو الظن به، والشك فيما فوقه، والشك لا يثبت به حكم شرعي، بخلاف الظن واليقين، وهذا عند الطرفين من الحنفية، وعليه المالكية والشافعية، وذهب أبو يوسف من الحنفية إلى أنه يتحرى، فإن استويا عنده عمل بأشد ذلك عليه احتياطاً في قضايا الفروج، قال ابن عابدين تعليقاً على ذلك: ويمكن حمل الأول على القضاء، والثاني على الديانة[14].
فإذا نوى التلفظ بالطلاق ثم لم يتلفظ به، لم يقع بالاتفاق، لانعدام اللفظ أصلاً، وخالف الزهري، وقال بوقوع طلاق الناوي له من غير تلفظ[15].
ودليل الجمهور قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم) رواه البخاري.
ولو لُقِّن أعجمي لفظ الطلاق وهو لا يعرف معناه، فقاله، لم يقع به شيء، وكذلك عربي إذا لقن لفظاً أعجمياً يفيد الطلاق وهو لا يعرف ذلك، لم يقع مطلقاً[16].
الشرط الثاني: نية وقوع الطلاق باللفظ:
وهذا خاص بالكنايات من الألفاظ، أما الصريح فلا يشترط لوقوع الطلاق به نية الطلاق أصلاً، واستثنى المالكية بعض ألفاظ الكناية، حيث أوقعوا الطلاق بها من غير نية، كالصريح، وهي الكنايات الظاهرة، كقول المطلِّق لزوجته: سرحتك، فإنه في حكم: طلقتك، ووافقهم الحنبلية في ذلك على ما ذكره القاضي، خلافاً لما فهم من كلام الخرقي، وذكر في نيل المآرب أن لفظ سراح من الكنايات، فيحتاج للنية[17].
وهل تقوم قرائن الأحوال والعرف مقام النية في الكنايات؟
ذهب الحنفية والحنبلية إلى ذلك[18]، وخالف المالكية والشافعية، وقالوا: لا عبرة بالعرف وقرائن الحال، وعلى ذلك، إذا قال الرجل لزوجته: أنت عليَّ حرام، فإن قصد به طلاقها طلقت عند جمهور الفقهاء للنية، وقال الحنبلية: يكون ظهاراً، وإن لم يقصد به الطلاق لم تطلق عند المالكية والشافعية، وتطلق عند متأخري الحنفية والحنبلية، لجريان العرف به، وكذلك إذا كان في حالة الغضب، فإنه قرينة على قصده الطلاق.
وهل يقع الطلاق بلفظ لا يحتمله أصلاً، كقوله لها: اسقني ماءً، إن لم ينو به الطلاق لم يقع به شيء بالإجماع، وإن نوى به الطلاق وقع الطلاق به عند المالكية على المشهور[19]، ولا يقع به شيء على مذهب الجمهور، وهو قول ثان للمالكية.
شروط الكتابة:
اشترط الفقهاء لوقوع الطلاق بالكتابة شرطين:
الشرط الأول: أن تكون مستبينةً:
والمقصود أن تكون مكتوبةً بشكل ظاهر يبقى له أثر يثبت به، كالكتابة على الورق أو الأرض، بخلاف الكتابة في الهواء أو الماء، فإنها غير مستبينة، ولا يقع بها الطلاق، وهذا لدى الجمهور، وفي رواية لأحمد: يقع بها الطلاق ولو لم تكن مستبينةً[20].
الشرط الثاني: أن تكون مرسومةً:
أي مكتوبة على وجه اعتاد الناس الكتابة عليه، كأن تكون مصدَّرة ومعنونة باسم المطلَّقة، فإذا كانت غير مرسومة، كأن كَتَب على الأرض: زوجتي طالق، فإنه يعد كطلاق الكناية وإن كان اللفظ صريحا، فيقع بها الطلاق إن نواه، فإذا لم ينوه لم يقع به شيء، على خلاف المرسومة المستبينة، فإنه يقع بها الطلاق بغير نية إن كان المكتوب لفظا صريحا، فإن كان كنائيا لم يقع به الطلاق إلا بالنية، على قول عند الحنفية، وفي قول آخر لهم: وقع مطلقا[21].
وقال المالكية: إن كتب الطلاق مجمعاً عليه، - ناويًا له -، أو كتبه ولم يكن له نية، وقع، وإن كتبه ليستخير فيه، كان الأمر بيده، إلا أن يخرج الكتاب من يده.
وقال الشافعية: لو كتب ناطق طلاقاً ولم ينوه فلغو، وإن نواه فالأظهر وقوعه.
وقال الحنبلية: إن كتب صريح طلاق امرأته بما يتبين وقع وإن لم ينوه، وإن نوى تجويد خطه أو غم أهله أو تجربة قلمه لم يقع، ويقبل منه ذلك حكماً.
وإن كتب صريح طلاق امرأته بشيء لا يتبين لم يقع[22].
شروط الإشارة:
جمهور الفقهاء على عدم صحة الطلاق بالإشارة من القادر على الكلام، وخالف المالكية، فقالوا: يقع الطلاق بإشارة القادر على الكلام، كالأخرس، قال ابن جزيء: وإشارة القادر على الكلام كالكناية[23]، ثم إن كانت إشارته مفهمةً، وقع بها الطلاق بغير نية، وإن لم تكن مفهمةً لم يقع بها الطلاق عند الأكثر، وفي قول لبعض المالكية يقع بها الطلاق بالنية[24].
فأما الأخرس، فالجمهور على وقوع الطلاق بإشارته، وخص الحنفية ذلك بعجزه عن الكتابة في ظاهر الرواية، فإن قدر على الكتابة لم يصح طلاقه بالإشارة، وهو قول لدى الشافعية أيضاً، إلا أنه مرجوح عندهم[25].
ثم إن كانت إشارته مفهومةً لدى كل الناس، وقع بها الطلاق بغير نية كالصريح، وإن كانت مفهومةً لدى بعضهم فقط، وقع الطلاق بها مع النية فقط كما في الكتابة، صرح بذلك الشافعية[26]، كما اشترط الحنفية لوقوع الطلاق بالإشارة من الأخرس أن يكون خرسه منذ الولادة، أو طرأ عليه واستمر إلى الموت في القول المفتى به، ولذا كان طلاقه موقوفاً على موته، وفي قول آخر: إذا دام سنةً كان كمن ولد أخرس.
وقد نص قانون الأحوال الشخصية السوري على ذلك في المواد/87و91-94/ منه، ونصها كما يلي:
المادة /87/:
1- يقع الطلاق باللفظ وبالكتابة، ويقع من العاجز عنهما بإشارته المعلومة.
2- للزوج أن يوكل غيره بالتطليق، وأن يفوض المرأة بتطليق نفسها.
المادة /91/:
يملك الزوج على زوجته ثلاث طلقات.
المادة /92/:
الطلاق المقترن بعدد لفظا أو إشارة لا يقع إلا واحدا.
المادة /93/:
يقع الطلاق بالألفاظ الصريحة فيه عرفا دون حاجة إلى نية، ويقع بالألفاظ الكنائية التي تحتمل معنى الطلاق وغيره بالنية.
المادة /94/:
كل طلاق يقع رجعيا إلا المكمل للثلاث، والطلاق قبل الدخول، والطلاق على بدل، وما نص على كونه بائنا في هذا القانون.
ونص القانون الكويتي للأحوال الشخصية في المواد /107 و 109-110/ منه على ما يلي:
المادة /107/:
يملك الزوج على زوجته ثلاث طلقات.
المادة /109/:
الطلاق المقترن بعدد لفظا أو إشارة أو كتابة لا يقع إلا واحدة.
المادة /110/:
كل طلاق يقع رجعيا إلا الطلاق قبل الدخول، والطلاق على بدل، والطلاق المكمل للثلاث، وما نص على كونه بائنا في هذا القانون.
[1] - الدر المختار 3/230، ومغني المحتاج 3/279، والشرح الكبير 2/365.
[2] - المغني 7/312.
[3] - المغني 7/312-315.
[4] - الدر المختار 3/243.
[5] - الدر المختار 3/283، والمغني 7/118، ومغني المحتاج 3/279.
[6] - الدر المختار 3/344-345، ومغني المحتاج 3/292، والشرح الكبير....
[7] - المادة 65 من مجلة الأحكام العدلية.
[8] - الدر المختار 3/292-294.
[9] - الشرح الكبير للدردير 2/366-367.
[10] - مغني المحتاج 3/327.
[11] - المادة 60 من مجلة الأحكام العدلية.
[12] - مغني المحتاج 3/304-305.
[13] - المغني 7/434-440.
[14] - الدر المختار وابن عابدين عليه 3/283-284، والشرح الكبير 2/401، ومغني المحتاج 3/280و303، والمغني 7/318، والقولنين الفقهية ص 255.
[15] - المغني 7/318، والقوانين الفقهية ص 255.
[16] - مغني المحتاج 3/289.
[17] - المغني 7/326، والدسةقي 2/365، والقوانين الفقهية ص 253.
[18] - المغني 7/322، ولاختيار 3/132.
[19] - القوانين الفقهية ص 254.
[20] - المغني 7/424.
[21] - الدر المختار وابن عابدين عليه 3/246.
[22] - مغني المحتاج 3/284، والقوانين الفقهية ص 255، والمغني 7/424.
[23] - القوانين الفقهية ص 255.
[24] - الدسوقي على الشرح الكبير 2/284.
[25] - الدر المختار 3/241، والقوانين الفقهية ص 255، ومغني المحتاج 3/284، والمغني 7/423، والدسوقي 2/384.
[26] - مغني المحتاج 3/284.