محل الطلاق:
اتفق الفقهاء على أن محل الطلاق الزوجة في زوجية صحيحة، حصل فيها دخول أم لا، فلو كان الزواج باطلاً أو فاسداً، فطلَّقها، لم تطلق، لأن الطلاق أثر من آثار الزواج الصحيح خاصةً، قال ابن عابدين: فهذا أيضا مؤيد لكون الطلاق لا يتحقق في الفاسد[1].
وهل يعد لفظ الطلاق في النكاح الفاسد متاركةً؟ والجواب: نعم، لكن لا ينقص به العدد، لأنه ليس طلاقاً، قال ابن عابدين: "طلق المنكوحة فاسداً ثلاثاً، له تزوجها بلا محلل، لكون الطلاق لا يتحقق في الفاسد، ولذا كان غير منقص للعدد، بل متاركة"[2].
ومن باب أولى أن الطلاق لا يقع بعد الوطء بشبهة، لانعدام الزوجية أصلاً.
وذهب جمهور الفقهاء - الحنفية والمالكية والشافعية- وهو المذهب عند الحنابلة، إلى وقوع الطلاق على المعتدة من طلاق رجعي، حتى لو قال الرجل لزوجته المدخول بها: أنت طالق، ثم قال لها في عدتها: أنت طالق ثانيةً، كانتا طلقتين، ما لم يرد تأكيد الأولى، فإن أراد تأكيد الأولى لم تقع الثانية، ما لم تكن قرائن الحال تمنع صحة إرادة التأكيد، وذلك لأن الطلاق الرجعي لا ينهي العلاقة بين الزوجين قبل انقضاء العدة، بدلالة جواز رجوعه إليها في العدة بالعقد الأول دون عقد جديد.
واتفقوا أيضا على عدم وقوع الطلاق علىالمطلقة والمفسوخ زواجها بعد انقضاء عدتها، وكذلك المطلقة التي لا عدة عليها، كالمطلقة قبل الدخول عند الجمهور، وذلك لخروجها عن الزوجية بالكلية بالطلاق الأول، وذهب الحنبلية –وهو قول مشهور للمالكية- أنه إذا كرر الطلاق على غير المدخول بها بدون فصل ثلاث مرات وقع ثلاثا، وإن طلق ثم سكت قليلا ثم طلق بعد ذلك لم يقع غير الأولى، وفي قول آخر للمالكية تقع واحدة مطلقا[3].
أما المطلقة بائناً والمفسوخ زواجها إذا طلقها في عدتها، فقد اختلفوا فيها:
فذهب الجمهور إلى عدم وقوع الطلاق على المعتدة من طلاق بائن، سواء كانت البينونة صغرى أو كبرى، وكذلك المفسوخ زواجها، وذلك لانقضاء النكاح بالبينونة والفسخ، قال في مغني المحتاج: وهذه الصور السابقة كلها في زوجة موطوءة غير مخالعة، فلو قالهن لغيرها فطلقة بكل حال، لأنها تبين بالأولى، فلا يقع ما بعدها[4]، وقال في المغني: وجملة ذلك أن المختلعة لا يلحقها طلاق بحال، وبه قال ابن عباس وابن الزبير وعكرمة وجابر بن زيد والحسن والشعبي ومالك والشافعي وإسحق وأبو ثور... ولأنها لا تحل له إلا بنكاح جديد فلم يلحقها طلاقه، كالمطلقة قبل الدخول أو المنقضية عدتها، ولأنه لا يملك بضعها فلم يلحقها طلاقه كالأجنبية[5]، وقال الدردير: وردُّ الزوج ما خالع به بثبوت كونها مطلقة طلاقا بائنا منه وقت الخلع، لأن خلعه لم يصادف محلا (لا رجعيا) ولم تنقض العدة فلا يردها له، لأن الخلع قد صادف محلا، لأن الرجعية زوجة يلحقها الطلاق[6].
وذهب الحنفية إلى أن المبانة بينونةً صغرى في عدتها زوجةٌ من وجه، بدلالة جواز عودها إلى زوجها بعقد جديد أثناء العدة، ولا يجوز زواجها من غيره قبل انقضاء العدة، ولهذا فإنها محل لصحة الطلاق عندهم، وعلى هذا فلو طلق رجل زوجته المدخول بها بائناً مرةً واحدةً، ثم طلقها أخرى في عدتها كانتا اثنتين، هذا ما لم يقصد تأكيد الأولى، فإن قصد تأكيد الأولى لم تقع الثانية كما تقدم في المعتدة من طلاق رجعي.
وأما المفسوخ زواجها فلم ير الحنفية وقوع الطلاق في عدتها إذا كان سبب الفسخ حرمةً مؤبدةً، كتقبيلها ابن زوجها بشهوة، فإن كانت الحرمة غير مؤبدة، كانت محلاً للطلاق في أحوال، وغير محل له في أحوال أخرى، ذكر ذلك ابن عابدين فقال: "ومحله المنكوحة، أي ولو معتدةً عن طلاق رجعي أو بائن غير ثلاث في حرة وثنتين في أمة، أو عن فسخ بتفريق لإباء أحدهما عن الإسلام أو بارتداد أحدهما، بخلاف عدة الفسخ بحرمة مؤبدة، كتقبيل ابن الزوج، أو غير مؤبدة، كالفسخ بخيار عتق، وبلوغ، وعدم كفاءة، ونقصان مهر، وسبي أحدهما، ومهاجرته، فلا يقع الطلاق فيها، كما حرره في البحر عن الفتح"[7] .
وقد ضبط ذلك الحصكفي فقال: "كل فرقة هي فسخ من كل وجه كإسلام، وردة مع لحاق، وخيار بلوغ، وعتق، لا يقع الطلاق في عدتها مطلقا، وكل فرقة هي طلاق يقع الطلاق في عدتها على نحو ما بينا"[8]، ثم ذكر الحصكفي فقال: "فروع: إنما يلحق الطلاق لمعتدة الطلاق، أما المعتدة للوطء فلا يلحقها، خلاصة"[9].
وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية السوري بمذهب الجمهور، ونص على ذلك في المادة /86/ منه، ونصها: (محل الطلاق المرأة التي في نكاح صحيح أو المعتدة من طلاق رجعي، ولا يصح على غيرهما الطلاق ولو معلقا).
وقد نص قانون الأحوال الشخصية الكويتي على أن الطلاق لا يقع على المعتدة مطلقا، حيث جاء في المادة /103/ منه ما يلي: (لا يقع الطلاق على الزوجة إلا إذا كانت في زواج صحيح وغير معتدة).