الاستثناء في الطلاق
تعريفه[1]:
الاستثناء في اللغة: هو الإخراج بإلا أو بإحدى أخواتها، بعضاً مما يوجبه عموم سابق، تحقيقاً أو تقديراً، والأول هو المتصل، والثاني هو المنقطع، والأول هو المراد هنا دون الثاني لدى الفقهاء، ويضاف إلى الأول الاستثناء الشرعي، وهو التعليق على مشيئة الله تعالى، أخذاً من قوله سبحانه: (إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ، وَلا يَسْتَثْنُونَ) (القلم:17-18) .
حكمه:
والاستثناء الشرعي -وهو التعليق على مشيئة الله تعالى- مبطل للطلاق، أي لا يقع به الطلاق، لدى الحنفية والشافعية إذا استوفى شروطه، للشك فيما يشاؤه سبحانه، وخالف الحنبلية والمالكية، وقالوا: لا يبطل الطلاق به، أي يقع به الطلاق[2].
أما الاستثناء اللغوي بإلا وأخواتها، فمؤثر وملغ للطلاق بحسبه، إذا استوفى شروطه، وعلى ذلك لو قال لزوجته: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدةً، طلقت اثنتين فقط، ولو قال: أنت طالق ثلاثاً إلا اثنتين، طلقت واحدةً فقط، فإن قال: أنت طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً، وقع الثلاث، لأنه إلغاء، وليس استثناء، والإلغاء باطل هنا.
شروطه:
يشترط لصحة الاستثناء من الطلاق، سواء أكان استثناءً لغوياً أم تعليقاً على مشيئة الله تعالى، شروط هي:
أ - اتصاله بالكلام السابق عليه، أي اتصال المستثنى بالمستثنى منه، بحيث يعدان كلاماً واحداً عرفاً، فإن فُصل بينهما بكلام أو سكوت، لغا الاستثناء، وثبت حكم الطلاق، فإذا قال لها: أنت طالق، ثم قال: إن شاء الله تعالى منفصلاً، طلقت، أو قال: أنت طالق اثنتين، ثم سكت، ثم قال: إلا واحدةً وقع اثنتان، ولغا الاستثناء، وكذلك إذا قال لها: أنت طالق ثلاثاً، ثم سألها عن أمر، ثم قال: إلا اثنتين، فإنها تطلق ثلاثاً، لإلغاء الاستثناء بالكلام الفاصل.
إلا أنه يعفى هنا عن الفاصل القصير الضروري، كالسكوت للتنفس أو إساغة اللقمة، كما يعفى عن الكلام المفيد المتعلق بالمستثنى منه، كأن يقول لها: أنت طالق ثلاثاً يا زانية إلا اثنتين، فإنها تطلق بواحدة، لأن لفظة يا زانية بيان لسبب الطلاق، وكذلك قوله لها: أنت طالق ثلاثاً بائناً إلا اثنتين عند الحنفية، فإنه يقع به واحدة بائنة عندهم، بخلاف: أنت طالق اثنتين رجعيتين إلا واحدةً، فإنه يقع به اثنتان رجعيتان، ويلغو الاستثناء لعدم إفادة هذا الفاصل.
ب - نية الحالف الاستثناء قبل الفراغ من التلفظ في الطلاق، عند المالكية والشافعية في الأصح، فإن نواه بعده لم يصح ويقع الطلاق بدونه، وفي قول ثان للشافعية: إن نواه بعده جاز، وقال الحنفية: يصح بغير نية مطلقاً، ولم أر من نص على ذلك من الحنبلية، ولعلهم مع الحنفية في ذلك.
ج - أن يكون الاستثناء بصوت مسموع لنفسه على الأقل، فلو كان دون ذلك لم يصح الاستثناء، لأنه مجرد نية، وهي غير كافية لصحته بالاتفاق.
د - عدم استغراق المستثنى للمستثنى منه، فإذا قال: أنت طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً لم يصح، لأنه رجوع وإلغاء، وليس استثناءً.
وهل يجوز استثناء الأكثر؟ نص الجمهور على صحته، ونص الحنبلية على عدم صحته[3]، إلا أنه إن قال: طالق ثلاثاً إن شاء الله تعالى قاصداً الاستثناء متصلاً، لغا طلاقه عند الجمهور، خلافاً للحنبلية لما تقدم.
وهل يجب تقديم المستثنى منه على المستثنى؟ نص الشافعية والحنفية على عدم شرطية ذلك، وسووا بين أن يقدم المستثنى أو المستثنى منه، فلو قال: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدةً وقع اثنتان، وإذا قال: أنت إلا واحدةً طالق ثلاثاً، وقع اثنتان أيضاً[4]، وإذا قال: أنت طالق إن شاء الله تعالى، صح الاستثناء، أو قال: إن شاء الله تعالى فأنت طالق، فكذلك، ما دام أدخل الفاء على "أنت" فإن لم يدخلها فقولان، المفتى به منهما: عدم الوقوع.
وهل يجب التلفظ بالمستثنى والمستثنى منه؟ نص الحنفية على عدم اشتراط ذلك، وعلى هذا إذا قال لزوجته: أنت طالق ثلاثاً، ثم كتب متصلاً: إلا واحدةً، وقع اثنتان، ولو كتب: أنت طالق ثلاثاً، ثم قال متصلاً: إلا واحدةً وقع اثنتان أيضاً[5]، فإن كتبهما معاً، ثم أزال الاستثناء وقع اثنتان فقط، ولا قيمة لإزالة الاستثناء بعد كتابته، لأنه رجوع عنه، والرجوع هنا غير صحيح.
هـ – أن لا يكون المستثنى جزء طلقة، فإن استثنى جزء طلقة لم يصح الاستثناء، وعلى ذلك إذا قال لزوجته: أنت طالق ثلاثاً إلا نصف طلقة طلقت ثلاثاً، ولو قال لها: أنت طالق اثنتين إلا ثلثي طلقة، طلقت اثنتين أيضاً لدى الجمهور، وهو الصحيح لدى الشافعية، والثاني: يصح الاستثناء، ويستثنى بجزء الطلقة طلقة كاملة[6].
وهل يكون الاستثناء من المستثنى منه الملفوظ دون المملوك؟ ذكر الحنفية ذلك، وذكر الشافعية قولين، الأصح منهما: أن الاستثناء من الملفوظ كالحنفية.
والثاني: أنه يعتبر من المملوك، وعلى ذلك فلو قال لزوجته: أنت طالق خمساً إلا ثلاثاً طلقت اثنتين عند الحنفية والأصح من قولي الشافعية، وفي قول الشافعية الثاني طلقت ثلاثاً، لأنه يملك عليها ثلاثاً، فلما استثنى منه ثلاثاً كان رجوعاً، فلغا. وكذلك إذا قال لها: أنت طالق عشراً إلا تسعاً، فإنها تطلق بواحدة على القول الأول، وبثلاث على القول الثاني.
وللمالكية في ذلك قولان: الراجح منهما اعتبار الملفوظ، فيستثنى منه، ومقابل الراجح اعتبار المملوك، فلو قال لها: أنت طالق خمساً إلا اثنتين، فعلى الراجح يلزمه ثلاث، وعلى المرجوح يلزمه واحدة[7].