مناط تحديد المقادير واختلاف الفقهاء فيها :
المقادير قديمة قدم التجمعات البشرية، للحاجة إليها في التعامل بين أفراد هؤلاء المجتمعات، ولعل أقدمها وأولها ظهورا الكيل، حيث كان يتم التداول بين أفراد العشيرة بأوان يحددونها لذلك، ثم تلاه بعد ذلك الوزن بعد أن اكتشف الميزان، ثم الذرع بذراع الإنسان، وأخيرا العدد بعد أن تقدمت الحضارة بالإنسان.
وقد ورد ذكر كل من الكيل والوزن والذرع والعدد في القرآن الكريم، قال تعالى:{ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ) (الحاقة:32) . وقال جل من قائل:{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) (المطففين:1-3)،
وقال سبحانه:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة:29) والمقادير بين الناس منوطة بعرفهم وعادتهم، وتختلف باختلاف القوم والأمة كما تختلف باختلاف الزمان والمكان لدى الأمة الواحدة، وربما اتحدت أسماء بعض المقادير واختلفت مسمياتها، وربما اختلفت الأسماء والمسميات معا.
فقد يتعامل قوم بأوزان أو مكاييل أو أطوال أو أعداد تكون خاصة بهم، ويتعامل غيرهم بها نفسها من حيث الاسم مع تغيير المقدار، وربما تعامل غيرهم بها نفسها من حيث المضمون تحت اسم آخر، أو تعاملوا بها نفسها اسما ومضمونا، وكلما تقدمت البشرية في سلم الحضارة والارتقاء وحاولت نبذ التفرق وتطوير العمل الجماعي كلما ضاقت دائرة الاختلاف بين هذه المقادير في كل ما تقدم، حتى إن أمم العالم اليوم تسعى لتوحيد المقادير في العالم كله أسماء ومضامين، وقد أنشئ لذلك الجمعيات والمؤسسات المتخصصة، لما في توحيد المقادير من تسهيل عليها في التعاون والتبادل، إلا أن ذلك مطلب صعب تحقيقه، ويحتاج إلى مدة طويلة، وذلك لما في ارتباط المقادير بالأعراف والتراث والنظم والقوانين من أثر يحد من إمكان التوحيد الكامل .