المقادير الشرعية :
المقادير الشرعية التي أدار الشارع الإسلامي الأحكام الشرعية عليها كثيرة، وهذه المقادير في جملتها كانت معتمدة على العرف، وأقرها الشارع بعد نزول الوحي، وأناط بها أحكاما شرعية كثيرة، من ذلك: الصاع، والمد، والوسق، والذراع ....
وقد اختلف الفقهاء في كثير من هذه المقادير، وربما كان محل الاختلاف بينهم في ذلك صغيرا في بعض الأحيان، وربما كان كبيرا في أحيان أخرى، مما ترتب عليه إثبات أحكام شرعية على بعض المكلفين في بعض الأحيان لدى بعض المذاهب، وعدم إثباتها عليهم لدى مذاهب أخرى .
وسوف أحاول هنا بيان هذا الاختلاف في مواضعه، وأثره على الأحكام الشرعية المنوطة به.
وبالنظر لتعرض كثير من تلك المقادير للانقراض والضياع عبر الأيام بالنظر لطبيعتها، فقد حاول الفقهاء ضبطها بأمور يندر انعدامها في المجتمعات، كالشَّعْرة، والشَّعِيرة، وحبة القمح، وحبة العدس، وحبة الماش، وحبة الخردل، والذَّرَّة ...، وهذه الضوابط وإن لم تكن دقيقة بالقدر اللازم، إلا أنها أفضل المتوفر لديهم للضبط به، مما يظن استمرار بقائه، ولهذا فإن حسم الجدال والخلاف بين الفقهاء - فيما اختلفوا فيه من المقادير - عسير جدا بالنظر لما تقدم، ولاختلاف العرف بين الناس .
والطريق الأمثل لحسم الجدال والاختلاف بين الفقهاء في ذلك هو تدخل أولياء أمور المسلمين للترجيح أو اعتماد المتوسط، لأن ترجيحهم يحسم الجدال في مواطن الاختلاف شرعا، كما فعل سيدنا عمر رضي الله عنه عندما رأى الاختلاف في الدرهم قائما، حيث أخذ من كل نوع درهما، ثم خلطها بعضها ببعض، ثم أخذ المتوسط منها وجعله الدرهم الشرعي المعمول به في الأحكام الشرعية، وأقره الصحابة على ذلك من غير نكير، فكان إجماعا منهم على صحة هذه الطريقة . وبالنظر إلى أن أولياء أمور المسلمين غير متفرغين ولا متخصصين غالبا في ذلك، فإنني أرى أن يعرض الأمر على المجامع الفقهية لوضع دراسة فيه ثم يعرض بعدها على أولياء الأمور لاعتماد هذه الدراسة .
وإنني هنا سوف أستعرض المقادير الشرعية مرتبة على حروف الهجاء بحسب أوائلها، مقدما المكاييل أولا ثم الموازين، ثم الأوزان .
كما أشير إلى أن هناك علاقة وثيقة بين أجناس المقادير من حيث ضبطها بعضها ببعض، فالمكيلات كثيرا ما تضبط بوزن ما يكال فيها عادة، وبالعكس أيضا .
وسوف أفصل القول وأبين مذاهب الفقهاء واختلافهم في المقادير الشرعية التي تعد أساسا لإناطة الأحكام بها، أما المقادير التي تعارفها المسلمون ولا تضبط بها أحكام شرعية إلا تبعا فسوف أكتفي بالإشارة إليها دون تعرض إلى الاختلافات التي فيها، لضعف صلتها بالأحكام الشرعية .