العــرف
تعريفــه:
العرف في اللغة: المعرفة، ويطلق على الشيء المعروف المألوف الذي استحسنته العقول واستطابته الأمزجة، ومنه قول تعالى: (خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين).
وهو في اصطلاح الأصوليين: مرادف لمعنى العادة، وهي مأخوذة من العود، وهو التكرار، وقد عرفه الغزالي رحمه الله تعالى بقوله: (العادة والعرف ما استقر في النفوس من جهة العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول).
أنواعــه:
العرف على نوعين: قولي وعملــي ..
فالقولـي: هو تعارف قوم على النطق بلفظ من الألفاظ على معنى معين، بحيث لا يتبادر إلى الذهن عند سماعه غيره، فهو في هذا يساوي الاصطلاح.
والعملـي: هو تعارف قوم القيام بعمل معين، كأكلهم لحم الضأن دون غيره، وشربهم ماء النهر دون غيره، وأكلهم خبز بر دون غيره ...
حجِّيَّتــه:
الفقهاء على شبه الاتفاق على الاحتجاج بالعرف، وإن كانوا اختلفوا في شروط الأخذ به، وفي مرتبته بين المصادر التشريعية الأخرى إذا ما وقع التعارض بينه وبينها، واستدلوا لحجيته بأدلة منها:
أ- قوله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف:199)، فهذه الآية الكريمة على التسليم بأن المراد بالعرف فيها المعنى اللغوي له لا المعنى الشرعي، حيث المراد بالعرف فيها الشيء المعروف المستحسن، إلا أن فيها استئناسا إلى اعتبار العرف الشرعي، حيث إن العرف الشرعي ما هو إلا ما تعارفه الناس وألفوه واستحسنوه غالبا.
ب- الحديث الموقوف على ابن مسعود رضي الله عنه وهو قوله: (فَمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَيِّئٌما) رواه أحمد، فهو وإن لم يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم من طريق صحيح، لكنه صح وقفه على ابن مسعود، وهو مما لا يعرف بالرأي، فكان في حكم المرفوع.
وقد أوضح الفقهاء مدى احتجاجهم بالعرف وتمسكهم به في عبارات كثيرة، منها ما ذكر في شرح الأشباه للبيري قوله: (الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي)، وفي المبسوط للسرخسي: (الثابت بالعرف كالثابت بالنص).
وقد بنى الفقهاء قواعد فقهية عديدة على أساس الاحتجاج بالعرف، منها: (العادة محكمة) و(الحقيقة تترك بدلالة العادة) و(استعمال الناس حجة يجب العمل بها) و(المعروف عرفا كالمشروط شرطا) وغيرها.
شروط العمل بالعرف:
للعمل بالعرف شرط واحد، هو أن لا يكون في مقابلة النص، قرآنا كان أو سنة، ولا في مقابلة الإجماع، فإن ورد العرف على خلاف ما جاء به النص كان باطلا لا حجة فيه ، كأن يتعارف الناس على شرب الخمرة، أو فعل الزنا، أو أكل الربا... لأن هذه الأمور محرمة بنص الشارع، فيكون العرف على خلافها فاسدا لا حجة فيه، وإلا ألغيت كل أحكام الشريعة.
فإذا كان العرف معارضا للنص من وجه دون وجه، بأن كان النص عاما والعرف خاصا، أو كان العرف مخالفا له في بعض أفراده فقط، فإن العرف هنا يعتبر صحيحا لا فاسدا لعدم مصادمته النص من كل وجه، وفي تقديمه على النص أو تقديم النص عليه في هذه الحال وجوه سوف نعرض لها.
العرف الصحيح ومرتبته بين مصادر التشريع الأخرى:
إذا كان العرف فاسدا، بأن كان في مقابلة النص من كل وجه، فإنه ساقط لا عبرة به ولا حجية فيه، فإن كان صحيحا، بأن لم يكن كذلك، وجاءت بعض النصوص أو الأدلة تخالفه، فإنه ينظر، فإن كان الدليل نصا عاما وخالفه العرف الصحيح في بعض أفراده، أو كان الدليل قياسا، فإن العرف هنا يخصص العام ويلغي القياس، لأنه مقدم عليه، إن كان عرفا عاما، فإن كان عرفا خاصا، كان عموم النص والقياس مقدمان عليه، فيبقى النص على عمومه، ويبقى القياس صحيحا، ويلغى حكم العرف.
وعلى ذلك فالعرف العام أقوى من القياس، والعرف الخاص أدنى منه، والعرف العام هو العرف المنتشر بين جميع المسلمين في كل أقطارهم دون استثناء، والعرف الخاص هو العرف المحصور في بلدة معينة أو في أصحاب حرفة معينة دون غيرهم، مثال ذلك الشراء بشرط الحمل إلى البيت، فإن العرف قد ورد به في كثير من أنواع المشتريات، كالخضار واللحوم وغيرها، وانتشر بين الناس حتى عد عرفا عاما، ولذلك أفتى العلماء بصحة اشتراطه عند البيع رغم معارضته لعموم الحديث الشريف: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط)، لأن الحديث هنا عام يشمل كل شرط، والعرف العام هنا جاء خاصا بشرط معين، فجاز تخصيص النص به، وهكذا كل الشروط العقدية التي جاء العرف العام بها مما لا يخالف نصا خاصا.