مذهب الصحابــي
الصحابي عند الأصوليين: هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ولازمه مدة طويلة بحيث يجوز إطلاق لفظ الصاحب عليه عرفا ولغة، وهو عند علماء الحديث: من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على الإيمان، ولو كانت مدة التقائه به دقيقة واحدة.
وقد اختلف الفقهاء في الاحتجاج بمذهب الصحابي وما صدر عنه من أقوال وأعمال وفتاوى، على أقوال متعددة، فمنهم من ذهب إلى الاحتجاج بأقوال الصحابة وأعمالهم مطلقا، ومنهم من احتج بها في مواطن دون أخرى، ولذلك فإننا سوف نفصل أحوال مذاهب الصحابة وأنواعها، ونبين مدى الاحتجاج بكل نوع منها، ومذاهب العلماء فيه.
أنواع مذاهب الصحابة:
1- أن يذهب الصحابي إلى قول لا مجال للرأي فيه، لأنه حكم غير معقول المعنى، كأن يفتي الصحابي بأن مكان سورة كذا قبل سورة كذا أو بعده، فإن ذلك أمر تعبدي توقيفي لا مجال للرأي فيه، وهذا النوع حجة عند جميع الفقهاء دون خلاف، لأنه في حكم الحديث المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، والحديث المرفوع حجة بالإجماع، فكذلك هذا.
2- أن يذهب الصحابي إلى قول معقول المعنى داخل في حدود الاجتهاد، فيوافقه عليه الصحابة جميعا دون خلاف، قولا أو سكوتا، فإن هذا النوع حجة عند جمهور المسلمين، لأنه داخل في حد الإجماع القولي أو السكوتي، والإجماع القولي حجة كما تقدم بالإجماع، وكذلك الإجماع السكوتي عند الجمهور، فيكون قول الصحابي هذا حجة لذلك.
3- أن يذهب الصحابي إلى قول معقول المعنى يصلح للاجتهاد والنظر فيه ويخالفه فيه غيره من الصحابة وينازعه فيه، فإن هذا النوع ليس بحجة على صحابي آخر غير قائله بإجماع المسلمين، وإلا لما جاز اختلاف الصحابة فيما بينهم، ولما وقع منهم ذلك، لكنه وقع اختلاف في كثير من المسائل بينهم، فدل ذلك على عدم الزامه لهم، أما بالنسبة للتابعين ومن بعدهم فقد اختلف الأئمة على الاحتجاج به على قولين:
أ - مذهب الجمهور، ومنهم الحنفية والمالكية والحنبلية وهو الاحتجاج به وتقديمه على القياس إذا عارضه.
ب - مذهب الشافعي، وهو عدم الاحتجاج بقول الصحابي، إلا للاستئناس به فإنه معتبر عنده من غير إلزام.
أدلة الجمهور في الاحتجاج بمذهب الصحابي:
أ- قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران:110)، فإن هذا الآية الكريمة خطاب للصحابة، ومن توابع الأمر بالمعروف قبول قولهم.
ب- ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في امتداح الصحابة والشهادة لهم بالخيرية والعدالة، مما يشير إلى الأخذ بقولهم والاحتجاج به، من ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (اقتدوا بالذين من بعدي، أبي بكر وعمر).
جـ- المعقول، فإن احتمال كون قول الصحابي وفعله مستندين إلى دليل كبير، لقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلمه بأحواله، وحبه له، فإذا كان قوله مخالفا للقياس غلب على الظن استناده إلى دليل أقوى من القياس، تنزيها للصحابة من الوقوع في الإثم والقول بغير دليل.
أدلة النافين للاحتجاج بمذهب الصحابي:
أ- قوله تعالى: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ) (الحشر:2)، فإن فيها أمرا بالقياس والاجتهاد، وإتباع مذهب الصحابي ينافي هذا الأمر، فكان ممنوعا منه لذلك.
ب- الإجماع من الصحابة على جواز مخالفة بعضهم بعضا، وغيرهم يقاس عليهم لعدم الفارق المؤثر.
جـ- المعقول، وهو أن الصحابة جلهم من أهل الاجتهاد، فكان احتمال قولهم ذلك من اجتهاد كبير، بل هو الراجح، وإذا كان كذلك لم يكن حجة لعدم ارتقائه إلى مرتبة الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
د- كان التابعون يخالفون الصحابة في بعض أقوالهم، وكان الصحابة يقرونهم عليه، فكان ذلك دليلا على جواز المخالفة لهم فيما ذهبوا إليه.
من ذلك أن عليا رضي الله عنه احتكم إلى شريح مع يهودي، وشهد له ابنه الحسن، فرد شريح شهادته، لأن شهادة الابن لأبيه لا تقبل عنده، وكانت مقبولة في رأي علي رضي الله عنه، فلم يخالفه في رأيه، وانصاع لحكمه، ومثل هذه الحادثة كثير.
الترجيــح:
من استعراض هذه المذاهب نرى أن الاحتجاج بمذهب الصحابي فيما هو محل الاجتهاد ولم يجتمع عليه الصحابة لم يقم دليل ناهض عليه مقطوع به أو مظنون، ولذلك فإن المرجح هو عدم اعتباره حجة، جرياً على ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله، وإن كان يحسن الاستئناس به دون أن يكون في ذلك نوع من الإلزام.