المانـــــــع
تعريفـــه:
المنع في اللغة يطلق على معان متعددة،هي: الحرمان، والكف، والمنازعة، والتقصير، يقال مُنع فلانا حصته أي حرمه منها، ومنه قوله تعالى: (مناع للخير معتد أثيم) أي حارم منه، كما يقال: امتنع عن الشهادة أي كف عنها، وكذلك: مانع الشيء أهله نازعهم فيه، وهو في مَنَعَةٍ من قومه أي قوة وحماية[1].
والمانع في الاصطلاح الأصولي: (هو الوصف الظاهر المنضبط الذي يستلزم وجوده حكمة تستلزم عدم الحكم أو عدم سببه) [2]، أو هو: (الأمر الشرعي الذي ينافي وجوده الغرض المقصود من الحكم أو من سببه) [3]، وإذا أردنا توضيح معناه أكثر فإنه هو: (ما توقف وجود غيره على انعدامه وكان خارجا عن ماهيته).
من هذا التعريف للمانع ندرك أن المانع شقيق السبب أو نقيضه، فالسبب هو ما توقف وجود غيره على وجوده، والمانع ما توقف وجود غيره على انعدامه، ولذلك فإن كل الأحكام والملاحظات التي تقدمت معنا في باب السبب يمكن أن نطبقها على المانع تقريبا، بل إن الشاطبي رحمه الله تعالى سماه سببا، وعرفة بأنه: (السبب المقتضي لعلة تنافي حكمة الحكم).
أنواعــــه:
1- ينقسم المانع من حيث الأمر المتعلق على زواله إلى قسمين:
أ- مانع مؤثر في سبب الحكم، أي مؤثر في تعطيل السبب عن إنتاج حكمه، مثل الدَّين فإنه مانع من موانع وجوب الزكاة، وهذا المانع مرتبط ومؤثر في سبب وجوب الزكاة، وهو المتجلي في ملك النصاب، لأن الدين مانع من تحقيق ملك النصاب، فإذا لم يتحقق النصاب سقط وجوب الزكاة لذلك.
ب- مانع مؤثر في الحكم نفسه دون أن يكون له أي ارتباط بأسبابه:
مثل الأبوة في حق وجوب القصاص على الأب، فإن الأب إذا قتل ابنه عمدا لم يجب عليه القصاص لمانع الأبوة، إذ اعتبرها الشارع مانعا من موانع القصاص، وأجمع جمهور الفقهاء على ذلك دون النذر اليسير منهم، فإن هذا المانع منصب على أصل الحكم دون أن يكون له أي علاقة بأسبابه، وكذلك الصلاة مع حمل النجاسة، فإن النجاسة مانع من موانع صحة الصلاة دون مساس بأسبابها.
هذا وكل من هذين النوعين للمانع ينقسم إلى أقسام متعددة أهمها:
أ- مانع مؤثر في أصل انعقاد سبب الحكم، بمعنى أن السبب ينعدم بوجوده كليا، مثل حرية البيع، فإنها مانع لأصل الرق الذي هو سبب انعقاد البيع على الرقيق، فلو باع إنسان حرا لآخر كان البيع باطلا، لعدم انعقاد سببه وهو الرق.
ب- مانع مؤثر في تمام السبب والسبب منعقد مع وجوده، ولكنه ناقص، مثل بيع الإنسان ما يملكه غيره، فإن سبب الحكم هو سلطة التصرف، وهي موجودة بالجملة في حق الفضولي، إذ إنه ليس له إبطال العقد بعد عقده وقبل الإجازة من المالك الأصلي له، ولكن هذه السلطة ناقصة، ولذلك يبقى العقد معها صحيحا موقوفا على إجازة صاحب الحق.
2- وينقسم المانع المؤثر في الحكم إلى ثلاثة أقسام أيضا، هي:
أ- مانع يمنع ابتداء الحكم، فلا يقوم الحكم معه أصلا، مثل خيار الشرط، فإنه مانع لثبوت أصل الملك، فلا البائع مالك للثمن، ولا المشتري مالك للبيع، قبل انتهاء مدة الخيار، وذلك رغم قيام سبب الملك وهو العقد.
ب- مانع يمنع تمام الحكم، فأصل الحكم ثابت معه، ولكنه حكم ناقص، مثل خيار الرؤية في البيع، فإن ملك البيع ثابت للمشتري فيه، وكذلك ملك البائع للثمن، فإنهما ثابتان معه، ولكنهما ملكين ناقصين، بمعنى أنه يجوز للمشتري فسخ البيع بعد رؤية المبيع بدون رضا أو قضاء.
ج- مانع يمنع لزوم الحكم، فالحكم معه موجود وتام، ولكنه قابل للنقض بشرط الرضا أو القضاء، خلافا للنوع الثاني الذي يجوز فيه الفسخ بدون رضا أو قضاء. وذلك مثل خيار العيب، فإنه لا يؤثر على وجود الملك أو تمامه أصلا، ولكن يمنع اللزوم فقط [4].
وقد قسم الشاطبي رحمه الله تعالى المانع المؤثر في الحكم من حيث منافاته للطلب إلى أقسام أخرى قريبة من هذه الأقسام، وهي:
1- ينقسم المانع إلى قسمين:
أ- مالا يجتمع مع الطلب (التكليف) عقلا: كزوال العقل بالنوم أو الجنون أو غيرهما، فإنه مانع من أصل التكليف، ولا يجيز العقل أن يجتمع واحد منها معه أبدا.
ب- ما يجتمع مع الطلب عقلا: كالحيض، والرق، والسفر، فإنها موانع من كثير من الواجبات، ولكنها موانع شرعية بحيث لا يحيل العقل جواز اجتماعها مع أصل التكليف.
2- وينقسم هذا النوع الثاني من الموانع الشرعية إلى قسمين اثنين، هما:
أ- موانع ترفع أصل الطلب، وتلقي الخطاب من أصله في حق المخاطبين وكأنه لم يكن، كالحيض والنفاس في حق وجوب الصلاة، فإن التكليف بالصلاة على من قام بهن هذا المانع ساقط، فلا يجب عليهن شيء من الصلاة، ولو أدينه كان باطلا، ودلك دليل ارتفاع التكليف أصلا، وإلا أدى الأمر إلى اجتماع النقيضين في الواحد بالشخص المتحد الجهة، وهو باطل لما مر.
ب- موانع لا ترفع أصل الطلب، ولكنها ترفع إتمامه فقط، وهي على قسمين:
أولا: موانع يصير معها المكلف مخيرا بين فعل الشيء وتركه على حد سواء، مثل الرق والأنوثة في حق صلاة الجماعة والجمعة والعيدين والجهاد وغيرها، فإن حكمها في حقهم التخيير بين الفعل والترك مع بقاء أصل الخطاب في حقهم رغم المانع، بدليل صحتها منهم والإثابة عليها إذا فعلوها.
ثانيا: موانع لا يصير المكلف معها مخيرا بين الفعل والترك، ولكن يسقط الإثم عنه بسببها عند الترك، من ذلك الرخص بأنواعها، فإنها مانعة من ترتيب الحرج والإثم على تارك العزيمة. مع بقاء أصل التكليف بالعزيمة أيضا، بدليل صحتها من المكلف لو فعلها مع الإثابة عليها[5].
انتهى والحمد لله رب العالمين.
***************
********
***
*