الشــــــرط
تعريفه:
الشرط في اللغة العلامة اللازمة، ويجمع على أشراط وشروط، والشريطة تجمع على شرائط، ومنه أشراط الساعة أي علاماتها، وسمي رجال الشرطة بالشرطة لما يتميزون به عن غيرهم من علامات خاصة في اللباس[1].
والشرط في اصطلاح الأصوليين: (ما توقف عليه وجود الشيء)[2]، أو هو (ما كان عدمه مستلزما لعدم الحكم) [3] وإذا أردنا زيادة إيضاح لذلك قلنا: (هو ما توقف عليه وجود الحكم بحيث يلزم من عدمه عدم الحكم ولا يلزم من وجوده وجوده، وذلك لحكمة في عدمه تنافي حكمة الحكم أو سببه) [4] أو هو (ما ارتبط غيره به انعداما لا وجودا وكان خارجا عن ماهيته).
أنـــواع الشــرط:
ينقسم الشرط إلى أقسام متعددة من حيثيات مختلفة:
أولاً: من حيث معناه وما يدل عليه إلى ثلاثة أقسام[5]:
أ- الشرط المحض: وهو الشرط الذي لم يلاحظ فيه إضافة الحكم إليه، أو إفضاؤه إلى الحكم، بل مجرد توقف الحكم على وجوده، كما في اشتراط الوضوء لصحة الصلاة، فإن الصلاة غير مضافة إليه، ولا هو مفض إليها، لأنه قد يوجد دونها، وكذلك حولان الحول في حق وجوب الزكاة، وهكذا ...
ب- شرط في حكم العلة : وهو الشرط الذي لم تعارضه علة تصلح لإضافة الحكم إليها، كحفر بئر في شارع عام وقع فيه إنسان فمات، فإن الحفر هنا شرط للموت، ولم يلحق به من العلل ما يصلح لإناطة الحكم بها، فكان للشرط هنا حكم العلة، ولذلك فإن الفقهاء يضمنون الحافر دية القتيل، لعدم وجود من هو أولى منه بالضمان، بخلاف ما لو حفر إنسان حفرة، فألقى فيها رجل رجلا آخر فمات، فإن الدية هنا على الملقي ولا شيء على الحافر، لأن الإلقاء هنا علة القتل، والعلة مقدمة على الشرط في إناطة الحكم بها.
ج- شرط في معنى السبب: وهو الشرط السابق (المتقدم) الذي اعترض بينه وبين الحكم فعل فاعل مختار غير منسوب إليه فعله، كما إذا فك إنسان وثاق عبد فأبق (هرب)، فإن الهرب هنا وقع من العبد، لا من الفاك للعبد، فلا يعتبر له حكم العلة، ولكن العبد غير صالح لإناطة الحكم بعمله لعدم الذمة، فاعتبر الفك في هذه الحال شرطا في حكم السبب للهرب، والسبب لا يجب به الضمان لعدم التأثير، ولذلك فإن الفقهاء لا يحكمون على الفاك هنا بشيء من التعويض.
هذا بخلاف فتح قفص فيه طائر، فإن الفاتح يضمن قيمة الطائر، لعدم وجود الاختيار في الطائر، مما يجعل للفتح حكم العلة.
هذا والشرط المحض ينقسم إلى قسمين هما:
أ- حقيقي (شرعي): وهو ما توقف وجود الحكم على وجوده بحكم الشرع، أي إن إقامته شرطا للحكم إنما كان بفعل الشارع، وسمي بالشرط الحقيقي، لأن الشارع هو المرتب الحقيقي للأحكام، مثل جعل الطهارة شرطا لصحة الصلاة، وكذلك ستر العورة ودخول الوقت شرطا لصحتها، وجعله امتلاك البيع مشروطا بوحدة مجلس الإيجاب والقبول، وبالقدرة على تسليم المبيع، وهكذا ...
وهذا النوع من الشروط على قسمين أيضا:
أولا) شرط مطلق: وهو علامة على وجود الحكم في كل أحواله، بحيث إذا انتفى في أي حال من الأحوال انتفى الحكم بانتفائه، مثل الشاهدين على عقد النكاح، فإنهما شرط لصحته، فإذا انتفيا فسد العقد، سواء أكان ذلك لعذر أو لغير عذر على حد سواء، إذ لا يسقط اشتراطها بالاعذار.
ثانيا) شرط مرتبط بعدم العذر، أي إن حكمه يسقط في حالة العذر، كما في الطهارة في الصلاة فإنها تسقط في حق المعذور، وكذلك استقبال القبلة، فإنه يسقط في حق المريض وغيره من أصحاب الأعذار، مثل حالة من به سلس بول مع البول الناقض للطهارة، كذلك صلاة المريض العاجز عن الاتجاه إلى القبلة، فإنها تصح إلى أي جهة توجه.
ب - جعــلي: وهو ما توقف عليه وجود الحكم وكان مقاما من قبل المكلف نفسه، لا من قبل الشارع، مثل اشتراط حمل المبيع إلى البيت على البائع، وكذلك تسليم الثمن في وقت معين في مكان معين، وغير ذلك من الشروط التي اختلف الفقهاء في صحة اشتراطها، وهذه حكم العقد موقوف على تحققها كما في الشروط الحقيقية، والفارق بينهما هو أن النوع الأول كان مقاما من قبل الشارع، وهذا مقام من قبل المكلف نفسه، بحيث إنه لو لم يشترطه لما تعلق به الحكم.
وهذا النوع من الشروط الجعلية على قسمين:
1- شرط صريح، وهو ما جاء فيه الاشتراط بلفظ الشرط الصريح أو بأداة من أدواته، كإن وإذا، مثل أن يشترط المُطلِّق في طلاقه فيقول لزوجته: (هي طالق إن جاء فلان؟ أو إذا جاء فلان، أو بشرط أن يأتي فلان).
2- شرط بطريق الدلالة، وهو ما جاء فيه الاشتراط ضمنا بدون تلفظ به أو بأدواته، مثل أن يقول الرجل: (المرأة التي أتزوجها طالق، فإنه في معنى قوله: (إن تزوجتها فهي طالق)، ولذلك فإن هذا القسم يأخذ حكم الشرط الصريح تماما من كل وجه، لأن القاعدة الفقهية تقول (العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني).
والشروط الجعلية[6] هذه من حيث صحتها وبطلانها في نظر الفقهاء تنقسم أيضا إلى ثلاثة أقسام:
أولا) شروط مكملة لحكمة المشرع، ولا يكون فيها ما ينافي الحكمة التي شرع الحكم لها، وهي الشروط الموافقة لمقتضى العقد، أو لا تنافي مقتضى العقد، كما يعبر عن ذلك الفقهاء، مثل اشتراط تقديم رهن بالثمن المؤجل، أو حميل أو غير ذلك من الموثقات، فإن ذلك صحيح باتفاق الفقهاء، ويلزم به الطرفان في العقد.
ثانيا) شروط منافية لحكمة المشرع، أو مخالفة لمقتضى العقد كما يعبر عن ذلك الفقهاء، مثل اشتراط البائع على المشتري عدم الاستفادة من المبيع، أو عدم بيعه، أو عدم الإنفاق على الزوجة، وغير ذلك من الأحكام التي جعلها الشارع آثارا شرعية للعقد الصحيح، وهذا النوع من الشروط باطل باتفاق الفقهاء، ولكن أيبطل العقد به، أو يبطل الشرط فقط ويبقى العقد صحيحا؟
في المذاهب الفقهية اختلاف كبير في هذا الموضوع لا محل للتعرض له الآن، لأنه أدخل في علم الفقه منه في علم الأصول، لكن القاعدة الأساسية التي انتهجها الحنفية في ذلك تتركز في مدى الاستفادة من هذا الشرط وعدمها، وفي قدرة المستفيد على طلب تنفيذ الشرط وعجزه عن ذلك، فإذا كان في الشرط المخالف لمقتضى العقد منفعة لأحد المتعاقدين أو لغيرهما، وكان المنتفع أهلا للمطالبة بها فإن الشرط يكون فاسدا مفسدا للعقد في وقت واحد، وذلك لما يسببه من منازعات، مثاله من باع جارية واشترط على مشتريها أن يطعمها كل يوم لحما، فإن هذا الشرط مخالف لمقتضى العقد، لما فيه من تضييق حرية المشتري التي ثبتت له بالعقد، فهو فاسد لذلك، وفيه منفعة للجارية المشتراة وهي أهل للمطالبة بهذا الشرط، فهو مفسد للعقد لذلك أيضا، لما فيه من إثارة الخصام والمنازعات، فإن كان من ثبتت المنفعة له ليس من أهل المطالبة، كمن باع لآخر دابة واشترط على مشتريها أن لا يشغِّلها، فإن الشرط هنا باطل لمخالفته لمقتضى العقد، ولكن لا يؤثر في صحة العقد بل يلغو، لأن المستفيد من هذا الشرط غير أهل للمطالبة، فيعتبر العقد صحيحا والشرط باطلا غير ملزم لعدم المنازعة.
ثالثا) أن لا يظهر في الشرط منافاة لحكمة المشرع ولا موافقة لها، كاشتراط المشتري على البائع نقل المبيع إلى بيته مثلا، فإنه غير موافق لمقتضى العقد ولا مناف له، وهذا النوع من الشروط الجَعلية اختلف الفقهاء في حكمه على مذاهب، تركزت في مذهبين اثنين:
* عدم تصحيح هذه الشروط واعتبارها شروطا باطلة، اعتمادا على أن المشرع هو المختص الوحيد بإنشاء الشروط، وأن الأصل في الشروط البطلان حتى يقوم الدليل على الصحة، وهذا الاتجاه هو ما ارتكز عليه مذهب أبي حنيفة والشافعية، مع اختلاف بينهما في بعض الفروع والتفصيلات.
* تصحيح هذه الشروط واعتبارها، اعتمادا على أن الأصل في الشروط الصحة ما لم يقم دليل مخالف، وهذا الاتجاه يمثله مذهب الحنبلية ومذهب المالكية، مع اختلاف بينهما توسعة وتضييقا، فالحنابلة توسعوا أكثر من المالكية في تصحيح الشروط الجعلية، وعلى كل فإن هذا البحث هو ألصق بمباحث الفقه منه بالأصول، ولذلك اقتصرت فيه على الإجمال دون التفصيل.
ثانيا: والشرط ينقسم من حيث متعلقة إلى قسمين اثنين هما:
أ- شرط مكمل للسبب، وهو الشرط الذي يتوقف عليه كمال سبب الماهية، وذلك لأن الأسباب ماهيات وأحكام وضعية يتوقف عليها أحكام تكليفية، ولهذه الماهيات التي هي أسباب شروط معينة لا بد من تحققها لقيام معنى السببية في السبب، مثل حولان الحول، فإنه شرط مكمل لمعنى كمال النصاب الذي هو سبب وجوب الزكاة.
فحكم الشرط هنا هو تكميل السبب، وأما ارتباطه بالمسبب وهو وجوب الزكاة فهو ارتباط غير مباشر، بخلاف النوع الثاني الآتي، فارتباط الشرط فيه بالماهية الأصلية إنما هو ارتباط مباشر.
ب – شرط مكمل للمسبب، وهو الشرط الذي يتعلق به مباشرة وجود الماهية دون أن يرتبط بسبب من أسبابها، فهو مقو لمعنى الماهية نفسها، مثل اشتراط التساوي بين الجاني والمجني عليه في القصاص، من حيث السلامة من نقص الأطراف وغيرها، فإنه شرط مباشر في المساواة الكامنة في القصاص، ولا علاقة له بأحد أسبابه، وكذلك استقبال القبلة، فإنه شرط مباشر لصحة الصلاة، دون أن يرتبط بأسبابها، وكذلك الطهارة وغيرها[7].
حكم ترك الاشتراط[8]:
الشروط الجعلية هي شروط متروك أمر اشتراطها إلى المكلف على طريق التخيير، فلا ثواب على فعلها أو تركها، ولا عقاب على ذلك أيضا.
أما الشروط الشرعية التي أناط الشارع بها واجبات محددة، فإن حكم اشتراطها من حيث الجملة كذلك أيضا، لأن الشروط من حيث كونها داخلة تحت خطاب الوضع لم يقصد الشارع اشتراطها أو تركها من حيث هي شروط، ولذلك فإن للمكلف فعلها أو تركها على حد سواء من هذه الحيثية، وأما من حيث تفويتها لمشروطاتها الواجبة، فإن موجبه الإثم، ولكن الإثم هنا لتفويت الواجب لا لترك الشرط، بدليل أن الواجب لو فات لنقص سبب من أسبابه لا لفوات هذا الشرط المتروك فإنه لا إثم ولا عقاب في ذلك.
هذا من حيث العموم، أما من حيث التفصيل، فإننا نقسم الترك إلى قسمين:
1- ترك الشرط مع قصد تفويت مشروطه، وهذا حكمه الكراهة من حيث هو تفويت الشرط، بصرف النظر عن حكم تفويت المشروط الذي ترتب عليه، والأصل فيه عدم الكراهة كما هو الحال في النوع الثاني من الترك كما سيأتي، ولكن الكراهة ثبتت إما في ترك الشرط عمدا من التسبب في ترك الواجب وإبطاله، وأما ما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة) أي جمع أموال الزكاة المتفرقة بغية تقليل مقدار الواجب، كمن عنده أربعون شاة جمعها إلى شياه جاره البالغة أربعين أيضا ليثبت فيها جميعا شاة واحدة بدل شاتين، وكذلك تفريق الأموال المجتمعة بغية تقليل الزكاة أو التخلص منها، كسبعين شاة بين رجلين يجب فيها شاة واحدة[9] فإذا قسمت بينهما نصفين لم يجب فيها شيء لنقصان حصة كل شريك عن النصاب، وغير ذلك من الأحاديث الشريفة التي ورد فيها النهي عن الترك للشرط بغية عدم انعقاد المشروط كثيرة، وأقل درجات النهي الكراهة، فلا بد من إثباتها، وأما الحرمة فلا محل لإثباتها نظرا لما تقرر من أن الشارع لا قصد له في تحقيق الشرط أو منعه.
2- ترك للشرط من غير قصد إلى إبطال المشروط وتفويته، كمن اقتسم مع شريكه الشياه لمشاحنة بينهما، فنتج عن ذلك نزول الزكاة عنهما، فإنه لا كراهة على واحد منهما، لعدم القصد إلى الإبطال.
هذا مع الانتباه إلى أن المشروط لا بد باطل في كلتا الحالتين الماضيتين مادام لم يتحقق شرطه، لأن معنى الشرط هو ذلك، هذا بالنسبة للشرط المطلق، وأما الشرط المقيد بعدم العذر، فإن مشروطه يصح مع فواته إذا كان الفوات لعذر مأذون فيه من قبل الشارع.
[1] انظر المصباح المنير – مادة (شرط)، وشرح الموطأ: 2/417.
[2] مرآة الأصول: 2/417.
[3] العضد على ابن الحاجب: 2/7-8.
[4] انظر الخضري: ص64، وأبا زهرة: ص57.
[5] انظر مرآة الأصول وحاشية الإزميري عليها 2/417-420.
[6] قارن ذلك مع الخضرى ص64-69.
[7] انظر أبا زهرة ص 57-59، والخضري ص64-69.
[8] قارن ذلك مع الخضري: ص 67-68.
[9] وهذا على مذهب الشافعية، وأما الحنفية فيوجبون الزكاة كما لو كان المال مفصولا على الشركاء كل على مقدار حصته.