المكـــــروه
تعريفه وأقسامــه:
المكروه في اللغة ضد المحبوب وهو من باب تعب[1].
وهو في اصطلاح الأصوليين: (ما طلب الشارع الكف عنه طلبا غير جازم) أو هو (ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله).
هذا عند جمهور الأصوليين، حيث هو قسم واحد عندهم يقابل المندوب.
وذهب الحنفية إلى أن المكروه قسمان: مكروه تنزيها، ومكروه تحريما، فالمكروه تنزيها هو ما سبق تعريفه لدى الجمهور، أما المكروه تحريما فهو: (ما طلب الشارع الكف عنه بجزم بدليل ظني فيه شبهة)، فيكون بذلك مقابلا للواجب عندهم، لأنهم يقسمون الواجب – كما سبق – إلى قسمين:
1- ما ثبت الأمر به عن الشارع بجزم وكان دليله قطعيا ويسمى فرضا.
2- ما ثبت الأمر به عن الشارع بجزم وكان دليله ظنيا ويسمى واجبا.
فكذلك هنا قسموا المنهي عنه بجزم إلى هذين القسمين، بحسب قطعية أو ظنية الدليل المثبت له، فسموا ما ثبت منه بدليل قطعي حراما، وما ثبت بدليل ظني مكروها كراهة تحريم، أما ما ثبت النهي عنه بغير جزم فهو المكروه تنزيها، وهو مقابل للمندوب عندهم جريا مع رأي الجمهور[2].
حكمــــه:
حكم المكروه (أنه يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله) بعكس المندوب تماما، وهذا عند الجمهور، أما الحنفية الذين يقسمون المكروه إلى القسمين السابقين فقالوا: المكروه تنزيها حكمه الإثابة على تركه وعدم المعاقبة على فعله، ويعبرون عن هذا المعنى بقولهم: (إلى الحل أقرب) ويقصدون بذلك أنه يتعلق به محذور دون استحقاق العقوبة بالنار، كحرمان الشفاعة، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (من ترك سنتي لم ينل شفاعتي) هذا إذا كان تركا لسنة مؤكدة، إذ السنة غير المؤكدة لا عتاب ولا حرمان من الشفاعة في تركها عندهم.
أما المكروه تحريما، فحكمه الإثابة على تركه والمعاقبة على فعله بما هو دون عقاب الحرام، وهو ما يعبر عنه الحنفية بقولهم: (إلى الحرام أقرب)، وهو مذهب الشيخين، وذهب محمد بن الحسن إلى أن المكروه تحريما هو الحرام نفسه، ولا فارق بينهما إلا من حيث الدليل المثبت لهما فقط، إذ الأول ثبت بدليل ظني والثاني ثبت بدليل قطعي، وهذا لا يقتضي التفريق بينهما في الحكم[3].
هل المكروه منهـي عنـه؟ :
اختلف الفقهاء في التكييف الأصولي للمكروه، أيعتبر منهيا عنه أو لا، وذلك بناء على اختلافهم في المندوب، أيعتبر مأمورا به أو لا؟
وقد بينا في مبحث المندوب مذاهب الفقهاء فيه، فلا داعي هنا لإعادتها، هذا بالنسبة للمكروه عند الجمهور، وهو ما ينطبق على المكروه تنزيها عند الحنفية، أما المكروه تحريما عند الحنفية فهو منهي عنه، لأنه شعبة من الحرام[4].
أدلة ثبوت الكراهــة:
تثبت الكراهة بكل ما يقابل ثبوت المندوب، فتثبت بالنهي المقترن بما يصرف النهي عن الحرمة، إذ هو أصل فيها، كما تثبت بغيره من الصيغ الدالة على النهي غير الجازم، كأن يكون النهي متعلقا بصفة غير جوهرية من صفات المنهي عنه، مثل النهي عن البيع وقت صلاة الجمعة، فإنه مكروه لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله تعالى وذروا البيع)، فإن النهي هنا متعلق بترك تلبية النداء، وهي صفة طارئة غير جوهرية من صفات البيع، ولذلك فهي تدل على الكراهة فقط دون الحرمة، وغير ذلك من الصيغ التي فصلناها في باب المندوب.