الحلقة (2)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين .
أيها الإخوة المستمعون .
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد:
فالزكاة ماهيَّة شرعية، وعبادة من أجل العبادات الإسلامية، ولذلك فإن لها شروطا لا بد من تحققها فيها، وهذه الشروط على أنواع، منها شروطُ وجوب، ومنها شروطُ أداء.
فأما شروط الوجوب فهي كثير أهمها:
أولا) الإسلام، فلا تجب الزكاة على كافر أصلي باتفاق الفقهاء، سواء كان يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا أو غير ذلك، لأن الزكاة كما تقدم عبادة، والعبادات كلها لا تلزم غير المسلمين، قال صلى الله عليه وسلم :(فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ) رواه مسلم . والضمير في هذا الحديث الشريف يعود على المسلمين بالاتفاق . واختلفوا في المسلم إذا ارتد عن الإسلام -والعياذ بالله تعالى- بعدما وجبت الزكاة عليه، فذهب بعض الفقهاء إلى أنها تسقط عنه بردته، وذهب آخرون إلى أنها لا تسقط عنه بالردة، وكذلك ماله بعد الردة، فلا تجب فيه الزكاة عند بعض الفقهاء، لانقطاعه عن ملكه بالردة، وذهب آخرون إلى أن ماله موقوف على عودته إلى الإسلام، فإن عاد إلى الإسلام عاد إليه ماله ولزمته زكاته، وإن بقي على ردته لم يعد إليه ماله فلا تلزمه زكاته .
ثانيا) العقل والبلوغ، فلا تجب الزكاة على الصغار دون البلوغ، ولا على المجانين والمعتوهين، لأنها عبادة كالصلاة، والصغير والمجنون والمعتوه ليسوا من أهل التكليف، لقوله صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَشِبَّ، وَعَنْ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يَعْقِلَ) رواه أصحاب السنن الأربعة، وهذا مذهب الحنفية .
وذهب المالكية والشافعية والحنبلية، إلى أن الزكاة تجب في مال الصغير والمجنون والمعتوه، ويخرجها عنه من يلي عليه في ماله، واستدلوا على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَلا مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ فِيهِ وَلا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ) رواه الترمذي .
هذا واستثنى أبو حنيفة من ذلك زكاة الزروع وزكاة الفطر، فقال: تجب زكاة الزروع في مال الصغير والمجنون والمعتوه، على خلاف أمواله الأخرى، لصراحة النص القرآني في تعلقها بالزرع نفسه، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَءَاتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)141/ الأنعام . وكذلك زكاة الفطر، فإنها تجب على الصغير والمجنون والمعتوه عند أبي حنيفة، لأنها زكاة النفس، والصغير له نفس كالكبير، فتلزمه .
كما استثنى جمهور الفقهاء مال الجنين قبل ولادته، كما إذا ورث أو أُوصي له، فقالوا: لا زكاة في مال الجنين، لأن ملكه له لم يستقر بعد .
والشرط الثالث من شروط وجوب الزكاة) العلم بفرضية الزكاة، أو إمكانُ العلم بها، وهذا محل اختلاف بين الفقهاء .
حيث ذهب البعض إلى أنه ليس شرطا في وجوب الزكاة أصلا، فتجب الزكاة عندهم على من علم بفرضية الزكاة وعلى من لم يعلم بها، وذهب آخرون إلى أن العلم بفرضية الزكاة، أو إمكان العلم بها، شرط في وجوبها، فلا تجب عندهم على من أسلم في دار الحرب ولم يعلم بفرضية الزكاة من أحد، أما من أسلم في دار الإسلام فتجب عليه الزكاة في ماله منذ إسلامه بالاتفاق، علم بها أو لم يعلم، لأن علمه بها ممكن بسؤال أهل العلم من المسلمين، لتوفرهم في دار الإسلام، قال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) 43/ النحل .
رابعا) التمكن من أداء الزكاة، وهذا الشرط مختلف فيه بين الفقهاء أيضا، حيث ذهب بعضهم إلى أنه لو حال الحول على المال الزكوي ثم تلف قبل أن يتمكن صاحبه من إخراج الزكاة منه، كأن كان أغناما مثلا ترعى في البراري، ولمَّا حال الحول عليها ذهب صاحبها إليها فورا ليخرج زكاتها واستغرق ذلك أسبوعا مثلا، ولمَّا وصل إليها وجدها قد ماتت كلَّها قبل يوم مثلا، فلا زكاة عليه فيها، وذهب فقهاء آخرون إلى أنه ملزم بزكاتها بانتهاء الحول مطلقا، فإذا هلكت بعد الحول قبل تمكنه من إخراج زكاتها لم تسقط عنه زكاتها بذلك .
خامسا) أن يكون المال مملوكا لمعين، وهذا الشرط محل اختلاف بين الفقهاء، ومنه مال الوقف، فقد ذهب الحنفية إلى أنه لا زكاة في سوائم الوقف والخيلِ المسبَّلة، وذهب المالكية إلى وجوب الزكاة في أموال الوقف، وفرَّق الشافعية والحنبلية بين الوقف على معينين، كالوقف على أشخاص بعينهم، فتجب الزكاة فيه، ووقف على غير معينين كالفقراء والمساكين، فلا تجب الزكاة فيه .
سادسا) أن تكون ملكية المال لمالكه فيه مطلقةً أو تامَّةً، وهذا شرط مختلف فيه بين الفقهاء، ومنه مال الضِّمار، وهو المال الذي أضاعه صاحبه ثم وجده بعد سنوات عدة، حيث ذهب الحنفية إلى أنه لا زكاة عليه فيه عن المدة التي أضاعه فيها، وذهب المالكية إلى أنه يزكيه عن عام واحد، وذهب الشافعية -وهو رواية عند الحنبلية- إلى أنه تجب عليه زكاته عن المدة التي أضاعه فيها كلِّها، إلا أن إخراج الزكاة عنه لا يجب قبل أن يجده، فإذا وجده زكاه عن المدة الماضية كلها .
سابعا) النماء حقيقة أو تقديرا، فلا تجب الزكاة في مال غير نام، والنماء حقيقة يكون في المواشي، لأنها تتوالد وتزيد في السِّمن، كما يكون في الزروع باستنباتها، ويكون النماء في عروض التجارة بالاتجار بها، أما النماء التقديري أو الحكميِّ، فيكون في الأثمان، ولهذا تجب الزكاة في الذهب والفضة والفلوس الرائجة والنقود المختلفة وإن لم يتجر بها صاحبها، لأنها خلقت لتنمو بالشراء والبيع بها، وقد اتفق الفقهاء على عدم وجوب الزكاة في العروض المعدَّة للاستعمال والاستهلاك، لأنها لا تنمو حقيقة ولا حكما .
ثامنا) النِّصاب: وهو القدر من المال الذي لا تجب الزكاة قبل امتلاكه، وهو مختلف من مال إلى آخر، وسوف يأتي تفصيله إن شاء الله تعالى في حلقة خاصة .
تاسعا) الحَوْل، وهو العام الهجري، ويبدأ من تاريخ ملك المسلم للنصاب، ولا يؤثر فيه قِلَّة المال عن النصاب في أثناء الحول، فإذا ملك المسلم النصاب، وفي أثناء الحول نزل المال عن النصاب بسبب الخسارة أو الهلاك أو غير ذلك، ثم عاد المال نصابا قبل آخر الحول، وجبت الزكاة بتمام الحول، ولم يلغ الحول، أما إذا هلك النصاب كلُّه أثناء الحول، ثم عاد ثانية قبل آخره، فإن الحول ينقطع بهلاكه، ثم يستأنفُ حول جديد من تاريخ عودته .
هذه شروط وجوب الزكاة، أما شروط أدائها، وطريقة إخراجها، فسوف يكون في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى .
نسأل الله سبحانه التوفيق والسداد والقبول، وهو المولى ونعم النصير.
والله تعالى أعلم .
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
الإثنين 18 رجب 1421هـ و 16/10/2000