الأصناف الذين لا يجوز دفع الزكاة إليهم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين .
أيها الإخوة المستمعون: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد:
فقد بيَّنا في حلقات سابقة أصناف الذين يجوز دفع الزكاة إليهم ويحل لهم أخذها من الناس، وهم سبعة أصناف بيَّنتها الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) 60/ التوبة . وعرفنا كل صنف منها، وبيَّنا ضوابطه وآراء الفقهاء فيه، وفي هذه الحلقة سوف نبين الأصناف الذين لا يجوز دفع الزكاة إليهم من الناس، ممن لم تتوفر فيهم شروط استحقاق الزكاة، أو قام بهم مانع من أخذها، وذلك رفعا للاشتباه الذي قد يقع فيه بعض المزكين، وقد نص الفقهاء على ذلك، فاتفقوا في بعضهم واختلفوا في بعضهم الآخر، كما يلي:
أولا) آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم بنو هاشم باتفاق الفقهاء، وهم آل عليٍ، وآل العباسِ، وآل جعفرٍ، وآل عقيلٍ، وآل الحارثِ بن عبد المطلبِ، رضي الله عنهم، وذهب كثير من الفقهاء إلى إدخال آل المطلب فيهم أيضا، وقد حرَّم الله تعالى على هؤلاء أخذ شيء من الزكاة، وعوَّضهم عنها بخُمُس خُمُس الغنائم، وذلك لما في أخذ الزكاة من نوع مهانة نزَّههم الله تعالى عنها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لآلِ مُحَمَّدٍ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ) رواه مسلم والنسائي وأبو داود وأحمد ومالك . وقال مجاهد:(الْخُمُسُ الَّذِي لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَرَابَتِهِ لا يَأْكُلُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ شَيْئًا فَكَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُمُسُ الْخُمُسِ وَلِذِي قَرَابَتِهِ خُمُسُ الْخُمُسِ) رواه النسائي .
وقد أخرج الفقهاء من آل البيت الممنوعين من قبول الصدقة أبا لهبٍ ونسله، وقالوا يجوز دفع الزكاة إليهم، وهم وإن كانوا من آل البيت نسبا، إلا أنهم قطعوا عنهم لسوء فعل أبي لهب وإيذائه للنبي صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) 46/ من سورة هود .
ثانيا) الأغنياء، وذلك لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ) رواه البخاري .وقوله صلى الله عليه وسلم: ( وَلا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ) رواه النسائي وأبو داود.
والغني عند الحنفية من يملك النصاب زائدا عن حاجاته الأصلية ، سواء كان النصاب الذي عنده من المال النامي أو غير النامي، وقال المالكية والشافعية والحنبلية: الأمر معتبر بالكفاية، فمن وجد من الأثمان أو غيرها ما يكفيه ويكفي من يمونه فهو غني لا تحل له الصدقة، فإن لم يجد حلت له الصدقة ولو كان عنده أنصبة زكوية، وعليه فلا يمتنع أن يوجد من تجب عليه الزكاة وتحل له الزكاة في الوقت نفسه عندهم، خلافا للحنفية، وقد تقدم تفصيل ذلك في حلقة سابقة .
ويستثنى من مانع الغِنَى بإجماع الفقهاء العاملون عليها، والمؤلفةُ قلوبُهم وأبناءُ السبيلِ، فيحل لهم أخذ الزكاة ولو كانوا أغنياء، واختلف الفقهاء في الغازي في سبيل الله والغارم، فذهب الكثير من الفقهاء إلى أنهم يعطون من الزكاة ولو كانوا أغنياء، وذهب آخرون إلى أنهم لا يعطون منها إلا إذا كانوا فقراء .
ثالثا) الكفار، وهم كل من لم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، أو شهد بذلك ثم أنكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم :(فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ) رواه البخاري، سواء كانوا من أهل الذمة أو غيرهم، إلا أن بعض الحنبلية استثنوا من ذلك المؤلفةَ قلوبُهم والعاملين عليها، وأجازوا دفع الزكاة لهم مع كفرهم، ولم يستثنهم غيرهم .
رابعا) أقرباء المزكي اللصيقين به، وقد اختلف الفقهاء في تحديدهم على أقوال:
فذهب الحنفية والحنبلية في القول المقدم عندهم إلى أن الأقرباء الممنوعين من أخذ الزكاة من قريبهم من سهم الفقراء والمساكين هم أصولهم وفروعهم، سواء كانوا وارثين أو ذوي أرحام، وذلك لأن منافع الأملاك بين الأصول والفروع متصلة، فكان في الدفع إليهم دفعا لأنفسهم حكما، فلا يجوز .
وذهب المالكية والشافعية إلى أن الأقرباء الممنوعين من أخذ الزكاة من قريبهم من الفقراء هم من تلزمهم نفقتهم، وقد اختلفوا في من تلزمه نفقته عل أقوال، ليس هذا محلها .
أما سائر الأقارب، فلا مانع من إعطائهم من زكاة قريبهم، بل هم أولى بها من الغرباء إذا وجدت فيهم شروط أخذ الزكاة، لأنها لهم زكاة وصلة رحم .
خامسا) الزوجية، فلا يجوز للزوج أن يدفع زكاة ماله إلى زوجته من سهم الفقراء، فقيرة كانت أو غنية، باتفاق الفقهاء، لأن المنافع بين الزوجين مشتركة، ولأن نفقتها واجبة عليه، فإذا دفع لها زكاة ماله استغنت بها عن نفقتة، فكان بذلك دافعا لنفسه حكما، فلا يجوز، وأجاز بعض الفقهاء أن يدفع الزوج لزوجته من الزكاة إذا كانت غارمة مقدار ما تفي به دينها، ولم يجزه الأكثرون .
أما دفع الزوجة زكاة مالها لزوجها، فقد اختلف الفقهاء فيه:
فذهب الشافعية والصاحبان من الحنفية وأحمد في رواية إلى جوازه، محتجين لذلك بحديث زينب زوجة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حيث سألت هي وامرأة أخرى النبي صلى الله عليه وسلم عن دفع الصدقة لزوجيهما، فقال: (لَهُمَا أَجْرَانِ، أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ) رواه مسلم والنسائي .
وذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية أخرى إلى عدم جواز ذلك، قياسا على دفع الزوج الزكاة لزوجته كما تقدم .
سادسا) الفاسق والمبتدع، إلا أن عامة الفقهاء خصوا ذلك بالفاسق فسقا يخرجه عن الملة وكذلك المبتدع، أما الفاسق والمبتدع الذي لا يخرج بذلك عن الإسلام، فلا مانع من إعطائه من الزكاة، لقيام الأدلة على جواز دفعها للمسلم مطلقا، من غير تقييد، إلا أن على المزكي أن يتحرى عند دفع الزكاة الأتقى والأكثر تمسكا بالسنة .
سابعا) الميت، فقد ذهب الحنفية والشافعية في قول والحنبلية في المذهب إلى عدم جواز تكفين الميت من الزكاة، ولا قضاء دينه منها، لأن الزكاة لا بد فيها من التمليك، والميت ليس أهلا للتمليك، لزوال ذمته المالية بالموت.
وذهب المالكية، والشافعية في قول آخر، وأحمد في رواية، إلى جواز قضاء دين الميت الذي لم يترك وفاء من الزكاة، إذا توفرت فيه شروط الغارم.
ثامنا) جهات البر والخير، والجهات العامة، من غير الأصناف الثمانية التي نصت عليها الآية السابقة، مثل بناء المساجد، وشق الطرق، وإقامة القناطر، وفتح والترع، ودفع رواتب الموظفين العامين، وبناء المدارس، وطباعة المصاحف، وغير ذلك من طرق البر العامة .
فإن كل هذه الجهات مما لا يجوز دفع الزكاة إليه، لأن الزكاة حددت مصارفها بالقرآن الكريم، في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) 60/ التوبة ، وهي نص، فلا يجوز الزيادة عليها، ولو أن الزكاة تصرف في كل طريق للبر لما نصت الآية الكريمة عليها، وهو ما يغفل عنه كثير من الناس، ويتسامحون فيه، وهو خطأ فاحش، ومن تورط في شيء من ذلك فعليه أن يدفع الزكاة مرة ثانية لمستحقيها، لأن الأُولى لم تجزئْه .
وأما طرق البر والخير العامة، وكذلك المصالح العامة، فلها الصدقات النافلة، والأوقاف بحسب شروط واقفيها، والخراج، والفيء، وموارد الدولة العامة، فإذا لم تكف هذه في سد جميع الحاجات العامة، جاز للإمام أن يأخذ من أموال الأغنياء على وجه الضريبة ما يسدها ويؤمنها، ولا يجوز الصرف عليها من أموال الزكاة، قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ فِي الْمَالِ حَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ) رواه الترمذي وابن ماجه والدارمي .
والله تعالى أعلم .
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
14/شعبان/1421هـ