الحلقة (5)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين .
أيها الإخوة المستمعون: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد:
فقد تقدمت الإشارة في حلقة سابقة إلى وجوب الزكاة في الزروع، وأن الفقهاء اتفقوا على وجوبها في أربعة أنواع من الزروع: هي التمر، والعنب، والقمح، والشعير، واختلفوا في غيرها من الزروع، على أقوال:
وقد اتفق الفقهاء على وجوب الزكاة في أربعة أنواع من الزروع، وهي: التمر(وهو ثمر النخيل)، والعنب(وهو ثمر الكرم) والقمح والشعير، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب) رواه الدارقطني .
واختلف الفقهاء في وجوب الزكاة في المزروعات الأخرى على أقوال:
فذهب أبو حنيفة إلى وجوب الزكاة في كل ما يزرع في الأرض بقصد استنمائها، سواء كان من الثمار، أوالحبوب، أوالخضراوات، وغير ذلك، ولا تجب فيما لا يقصد عادة بالزرع، كالحطب، والحشيش، والقصب، والتبن، وغير ذلك .
واحتج لذلك بإطلاق الحديث الشريف، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ) رواه البخاري .
وذهب أبو يوسف ومحمد من الحنفية إلى وجوب الزكاة في كل ماله ثمرة باقية حولا أو أكثر، ولا تجب فيما لا بقاء له .
وفرَّق المالكية بين الثمار والحبوب، فأوجبوا الزكاة من ثمار في التمر والعنب منها خاصة، دون باقي الثمار، أما الحبوب، فأوجبوا الزكاة في الحنطة والشعير والسلت والذرة والدخن والأرز والعدس منها، وأما القطاني فأوجبوا الزكاة في سبعة منها، وهي: الحُمُّص والفول والعَدَس واللوبيا والترمس والجلبان والبسلة، ومن ذوات الزيوت أربعا، هي: الزيتون والسِّمسم والقرطم وحب الفجل، ولا تجب الزكاة في غير ذلك عندهم .
وذهب الشافعية إلى وجوب الزكاة في الأقوات من المزروعات، وهي ما يعيش البدن به غالبا، دون ما يؤكل تنعما أو تداويا.
وذهب الإمام أحمد إلى أن الزكاة تجب في كل ما استنبته الناس من الحبوب والثمار ويَجْمَع وَصْفَين اثنين: الأول الكيل، والثاني اليُبْس مع البقاء .
وفي هذه الحلقة سوف نبين نصاب زكاة الزروع، واشتراط الحول فيها، ومقدار الواجب في الزكاة من الزروع، وطريقة حساب زكاة الزروع وأحوالها، وطريقة إخراج زكاة الزروع:
فأما نصاب زكاة الزروع فقد اختلف الفقهاء فيه، فذهب أبو حنيفة إلى أن الزكاة تجب في الزروع، قليلها وكثيرها، ما لم تقِلَّ عن نصف صاع، فإن قلت عن نصف صاع فلا زكاة فيها، ولا يشترط النصاب في الزروع، وذهب جمهور الفقهاء إلى أن الزروع لا تجب الزكاة فيها مالم تبلغ نصابا، فإذا بلغت نصابا وجبت فيها الزكاة،، ونصاب الزروع خمسة أوسق، والوَسق حِمل بعير، وقد اتفق الفقهاء على أن الوَسق ستون صاعا، ولكنهم اختلفوا في مقدار الصاع، فقال الحنفية هو ثمانية أرطال، وقال الجمهور هو خمسة أرطال وثلث، وعليه فقد اختلفوا في مقدار الوَسق، والذي عليه أكثر المعاصرين أن الوسق يعادل/150/ كيلو غراما من الحبوب، فيكون نصاب الزكاة من الزروع ما يعادل /750 / كيلو غرام منها تقريبا، هذا في الحبوب وأمثالها مما يكال ويوزن من المزروعات، أما ما لا يكال ولا يوزن، أو أنه يوزن بأوزان صغيرة لغلاء ثمنه وندرته، مثل الزعفران مثلا، فقد ذهب كثير من الفقهاء إلى أن نصابه يقدر بحسب قيمته، فإذا ساوت قيمته قيمة أقل نصاب في الزروع، وجبت فيه الزكاة، وإلى لم تجب فيه .
وقال بعضهم: إذا ساوى نصابه خمسة أمثال ما يوزن أو يكال به في العرف، فذلك نصابه، ففي القطن خمسة أحمال، لأنه بها يقدر في العرف، وفي السكر خمسة أمناء، وهكذا ..
هذا إذا كان الزرع نوعا واحدا، وينبت في وقت واحد، كالقمح، أو الشعير، أو غير ذلك، فإذا كان الزرع مما ينبت أولا بأول، كالخضراوات، أو كان للمسلم أنواع متعددة من الزروع، كالقمح والشعير والزيتون وغير ذلك، فكيف يكون حساب نصابه؟
إن كان الزرع جنسا واحدا، وينبت شيئا فشيئا، فإنه يضم بعضه إلى بعض في العام الواحد، ولا يؤثر في ذلك تغير أنواعه ما دام الجنس واحدا، فإذا بلغ نصابا زكاه، وإلا لم يجب عليه أن يزكيه، ولا يضم زرع عام إلى زرع عام آخر .
وإذا كان الزرع أجناسا متعددة، كالقمح والشعير مثلا، لم يضم بعضه إلى بعض، ولكن يزكي كل جنس مستقلا، إذا بلغ نصابا .
وهذا في قول الجمهور، أما عند أبي حنيفة، فلا يتأتى ذلك، لأنه لم يشترط النصاب -كما تقدم-، بل تجب زكاة كل جنس فيه، قل أو كثر مالم ينزل عن نصف صاع، وإلا فلا زكاة فيه .
وهنا لا بد من التساؤل عن كيفية حساب النصاب فيما له قشر من الزروع كالقمح والأرز، وفيما يجف من المزروعات كالعنب، أيعتبر النصاب فيها مع قشرها وفي حال يبسها؟ أو قبل ذلك؟
ذهب بعض الفقهاء إلى أن النصاب يعتبر بحال الزرع يوم حصاده وجزِّه، وذهب بعضهم إلى أن مقدار النصاب فيه يعتبر بعد نزع قشره عنه، إن كان له قشر كالأرز، وبعد يبسه إن كان يصلح لليبس، كالزبيب.
وأما عن وقت وجوب الزكاة في الزروع، فقد اختلف الفقهاء فيه أيضا، فذهب بعضهم إلى أن الزكاة لا تجب فيه إلا بعد حصاده ناضجا، وذهب بعضهم إلى أن الزكاة تجب فيه بمجرد إفراك الحب وطيب الثمر ولو لم يُجزَّ، وذهب بعضهم إلى وجوب الزكاة فيه بمجرد بدو صلاحه إن كان ثمرا، واشتداده إن كان حبا، ولو لم يفرك أو يجز فعلا، ولا تجب فيه الزكاة قبل ذلك .
وعليه فإذا هلك الزرع أو باعه صاحبه قبل وجوب الزكاة فيه، لم تجب عليه فيه الزكاة، وإذا باعه أو هلك بعد وجوب الزكاة فيه، لم تسقط عنه زكاته، لتقرر وجوبها عليه قبل ذلك .
هذا ما يتعلق بنصاب الزرع، أما ما يتعلق بالمقدار الواجب في الزرع من الزكاة، فقد اتفق الفقهاء على أن الواجب في الزرع عُشره أو نصف عُشره، فإن كان مما يسقى بغير كلفة، كماء السماء، أو الأنهار سيحا، أو بالسواقي دون حاجة إلى رفعه بمضخة أو غيرها، أو يَشربُ بعروقه من الأرض، ففيه العشر، وإن كان مما يسقى بكلفة، كالنواضح والمضخات والنواعير وغير ذلك، فالواجب فيه نصف العشر، وذلك استدلالا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:( فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ) رواه البخاري
فإذا كانت الزرع مما يسقى في بعض الأيام بماء المطر، وبعضها الآخر بالنضح، فالعبرة للجانب الغالب، وعند استواء الطرفين يجب ثلاثة أرباع العشر .
وهل يجب على صاحب الزرع إخراج العشر أو نصفه من جميع زرعه، أو يخرجه منه بعد إخراج كلفته من بذر وأجرة حراثة وغير ذلك؟
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الزكاة تجب في كل الناتج من الأرض، متى بلغ نصابا، دون أن يسقط منه صاحبه البذار أو الكلفة، وذهب البعض إلى أن لصاحب الزرع أن يُسقط منه البذار وكلفة الزرع وخراج الأرض إذا كانت ديونا عليه، ثم يخرج العشر أو نصف العشر من الباقي، فإذا لم تكن ديونا عليه فلا يسقطها .
ثم إن كانت المزروعات مما يجفف عادة أخرجه المزكي منها مجففا، ولو أخرجه طازجا جاز، وإن كان مما يؤكل طازجا كالخضراوات أخرجه طازجا .
وهل يجوز للمزكي أن يخرج قيمة ما وجب عليه من الزرع، أم يجب عليه إخراج عين ما وجب عليه منها؟
اتفق الفقهاء على أن المزكي لو أخرج عين ما وجب عليه من الزرع لمستحقه جاز، وإذا أخرج قيمة ما وجب عليه نقودا أو سِلَعاً أخرى بدلا منه، فقد ذهب كثير من الفقهاء إلى جوازه، وذهب آخرون إلى عدم جوازه .
ثم إذا أخرج المزارع زكاة زرعه، ثم ادخره سنين ولم يبعه، فهل يلزمه أن يزكيه في كل عام، أم لا تلزمه زكاته بعدما زكاه في المرة الأولى؟
الفقهاء متفقون على أن زكاة الزرع تجب يوم حصاده لقوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) 141/ الأنعام. و لا يشترط له الحول، فإذا أخرج زكاته ثم ادخره سنين لم تلزمه زكاته مرة أخرى مهما طالت المدة، سواء ادخره لمؤنته، أو ادخره بقصد الاتجار به، لأنه إذا كان للمؤنة لم تلزمه زكاته لأنه مشغول بحاجته الأصلية، وإن ادخره للتجارة لم تلزمه زكاته أيضا، لأنه لم يكن للتجارة عند امتلاكه له، فلا يكون من عروض التجارة حتى يبيعه فعلا، فإن باعه ضم ثمنه إلى باقي أمواله وزكاه معها، كما سبقت الإشارة إليه.
والله تعالى أعلم .
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .