زكاة الفطر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين .
أيها الإخوة المستمعون: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد:
فإن حديثنا اليوم في هذه الحلقة وفي الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى سوف يكون في زكاة الفطر، وتسمى الفطرة، وسوف يشمل حكمها، ووقتها، وشروطها، وحكمة تشريعها، ومن تؤدى عنه، ومن تدفع إليه، ووقت أدائها، ومقدارها، ونوع الواجب فيها، ومكان أدائها .
وقد اتفق الفقهاء في بعض ذلك واختلفوا في بعضه الآخر، كما يلي:
أما حكمها، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن زكاة الفطر واجبة على كل مسلم، صام رمضان أو لم يصمه، واستدلوا على ذلك بما قاله عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما : (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ) متفق عليه .
وذهب المالكية في قول إلى أنها سنة .
وأما حكمة تشريعها، فهي الرفق بالفقراء والمسكين بإغنائهم عن العمل والسؤال في يوم العيد، ليستطيعوا أن يشاركوا عامة المسلمين في فرحتهم في هذا اليوم السعيد، وتطهير نفوس من وجبت عليهم بعد شهر الصوم، مما قد فرط منهم من لغو أو رفث، قال ابن عباس رضي الله عنه :(فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ) رواه أبو داود .
وأما شرائط وجوبها، فهي متعددة:
أولها) الإسلام، فلا تجب على غير المسلمين عند جمهور الفقهاء، لأنها عبادة تشترط لها نية القربة إلى الله تعالى، والنية هذه لا تقبل من غير المسلمين، فلا تكون واجبة إلا على المسلمين، لئلا يؤدي الأمر إلى التكليف بما لا يطاق، وهو ممنوع شرعا .
وذهب الشافعية في الأصح عندهم إلى أنه يجب على الكافر إذا كان له أقارب من المسلمين أن يؤديها عنهم .
ثانيها) الحرية، فلا تجب على الأرقاء، لأن الرقيق لا يملك شيئا من المال، وهذه عبادة مالية، فلا تلزمه .
ثالثها) الاستطاعة، وهي الغنى، فلا تجب على الفقير، وهذا باتفاق الفقهاء، ولكن الفقهاء اختلفوا في حد الغنى الموجب لها، والفقر المسقط لوجوبها، على أقوال:
فذهب المالكية والشافعية والحنبلية إلى أنها تجب على من وجد قوته وقوت من تلزمه نفقته من عياله يوم العيد وليلته، فاضلا عن مسكن وخادم يحتاج إليهما في الأصح .
وذهب الحنفية إلى أنها تجب على من ملك النصاب زائدا عن حاجاته وحاجات عياله الأصلية، من أي مال كان، ناميا أو غير نام، بخلاف زكاة المال التي لا تجب إلا على من ملك النصاب من المال النامي، والنصاب هو ما قيمته تعادل قيمة مائتي درهم من الفضة، وهي تعادل(600) غراما من الفضة تقريبا .
واستدل الجمهور على مذهبهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إِنَّهُ مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ مَا يُغَدِّيهِ أَوْ يُعَشِّيهِ) رواه أحمد . حيث دل الحديث على أن من كان عنده قوت يومه فهو غنيٌّ، فتجب عليه زكاة الفطر لذلك .
واستدل الحنفية لمذهبهم بقوله صلى الله عليه وسلم : (لا صَدَقَةَ إِلا عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ) رواه أحمد .
أما من تؤدَّى عنه صدقة الفطر، فقد اختلف الفقهاء فيه على مذاهب:
فذهب الحنفية إلى أن على المسلم المالك للنصاب أن يؤدي صدقة الفطر عن نفسه وعن كل من يمونه(أي تلزمه نفقته) ويلي عليه ولاية كاملة . وعليه فإنها تجب عندهم على المسلم عن نفسه، وعن أولاده الصغار أو المجانين الفقراء، فإن كان أولاده الصغار والمجانين أغنياء، أخرجها عنهم من مالهم، لسقوط نفقتهم عنه، أما أولاده الكبار، فإن كانوا أغنياء أخرجوها هم عن أنفسهم، وإن كانوا فقراء سقطت عنهم، وكذلك زوجته ووالداه، فإن كانوا أغنياء أخرجوها عن أنفسهم، وإن كانوا فقراء سقطت عنهم . ولو أخرجها عنهم متبرعا بأمرهم، أغنت عنهم وأجر على ذلك .
وذهب المالكية، إلى أن زكاة الفطر تلزم المسلم عن نفسه، وعن كل من تلزمه نفقته، وهم الوالدان الفقيران، والأولاد الذكور الفقراء، وكذلك البنات الفقيرات حتى يدخل بهن الزوج، فإذا دخل بهن وجبت زكاة فطرهن على الزوج، كما يجب عليه أن يخرج صدقة الفطر عن زوجته وإن كانت غنية، وعن زوجة أبيه الفقير، وذلك لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون) رواه الدارقطني مرسلا .
وذهب الشافعية إلى أن صدقة الفطر يخرجها الشخص عن نفسه، وعن كل من تجب عليه نفقته من المسلمين، لقرابة أو زوجية أو مِلك، وهم: زوجته غير الناشز، ومعتدته من طلاق رجعي، وكذلك معتدته من طلاق بائن إذا كانت حاملا، وخادمه الذي ليس له أجرة مقدَّرة، فإن كان له أجرة مقدرة فلا تجب عليه صدقة فطره، وكذلك أصوله الفقراء، ذكورا كانوا أو إناثا مهما علوا، وفروعه الفقراء، ذكورا كانوا أو إناثا مهما نزلوا.
وتوسع الحنبلية في ذلك، وقالوا: تجب صدقة الفطر عن المسلم عن نفسه، وعن كل من تلزمه نفقته من المسلمين، فإن لم يجد ما يخرجه عن جميعهم بدأ بنفسه، ثم بزوجته، ثم بأمه، ثم بأبيه، ثم الأقرب فالأقرب من أقاربه حسب ترتيب الإرث .
بهذا القدر من صدقة الفطر نكتفي في هذه الحلقة، وفي الحلقة القادمة بإذن الله تعالى سوف نتمم الكلام عليها .
والله تعالى أعلم .
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
15/شعبان/1421هـ