الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين .
أيها الإخوة المستمعون: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد:
فإن مصارف الزكاة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق الفقهاء المؤلفة قلوبهم وفي الرقاب، وكلامنا في هذه الحلقة سوف يكون حول معنى هذين المصرفين وشروط كل منهما وأحواله وحكم دفع الزكاة له وأقوال الفقهاء في ذلك .
فأما تعريف المؤلفة قلوبهم فقد اختلف الفقهاء فيه على أقوال:
فذهب الحنفية إلى أنهم كانوا ثلاثة أقسام :
قسم كفار كان عليه الصَّلاة والسَّلام يعطيهم ليتألفهم على الإِسْلام . وقسم كان يعطيهم ليدفع شرّهم . وقسم أَسْلموا وفيهم ضعف في الإِسْلام ، فكان يتألفهم ليثبتوا عليه .
وذهب بعض الفقهاء إلى أن المؤلفة قلوبهم هم من الكفار يعطون ترغيبا لهم على الدخول في الإسلام لأجل أن يُعينوا المسلمين عند حاجتهم إليهم، وهو قول للمالكية .
وذهب الشافعية في المذهب إلى أن المؤلفة قلوبهم هم مسلمون دخلوا في الإسلام فعلا، فيعطون تثبيتا لهم على الإسلام، ولا يجوز أن يعطى الكفار منها شيئا، مستدلين على ذلك بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ) رواه البخاري .
وذهب الحنبلية إلى جواز أن يعطى للمؤلفة قلوبهم مسلمين كانوا أو كفارا، الأولون لتثبيتهم على الإسلام والآخرون لدعوتهم إلى الإسلام، وقالوا: المؤلفة قلوبهم هم أربعة أضرب:
الأول) سادة مطاعون في قومهم أسلموا ونيتهم ضعيفة فيعطون تثبيتا لهم .
والثاني) قوم لهم شرف ورياسة أسلموا فيعطون ترغيبا لنظرائهم من الكفار على الدخول في الإسلام .
والثالث) صنف يراد بإعطائهم شيئا من الزكاة أن يجاهدوا من يليهم من الكفار ويحموا من يليهم من المسلمين .
والرابع) قوم يرؤاد بإعطائهم من الزكاة أن سحبوا الزكاة ممن يمنعها ولا يعطيها .
وهم بالجملة من يرجى إسلامه فيعطى لتميل نفسه إليه، ومن يخشى شره فيعطى كفا لشره وشر من معه عن المسلمين .
وقد اختلف الفقهاء في جواز دفع الزكاة إلى المؤلفة قلوبهم بعد عصر الرسالة على التعريف السابق لدى كل مذهب بعد أن اتفق الجميع على أنهم كانوا يعطون من الزكاة في عصر الرسالة، على أقوال:
فذهب جمهور الفقهاء إلى أن سهم المؤلفة قلوبهم باق لم ينسخ ولم يسقط، فيعطون من الزكاة بعد عصر النبي صلى الله عليه وسلم وإلى أن تقوم الساعة .
وذهب الإمام أحمد في رواية إلى أن سهم المؤلفة قلوبهم انقطع بعد أن أعز الله تعالى الإسلام، فلا يعطى منه المؤلفة قلوبهم بعد ذلك ، ولكن لي إلى الأبد، ولكن إن احتاج المسلمون إلى تأليف قلوبهم في بعض الأوقات أعطوا منه الزكاة .
وقال الحنفية: انعقد الإجماع على سقوط سهم المؤلفة قلوبهم من الزكاة، لما ورد من أن الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن جاءا يطلبان من أبي بكر رضي الله عنه أرضا، فكتب لهما بذلك، فمرا على عمر فرأى الكتاب فمزقه، وقال هذا شيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيكموه ليتألفكم، والآن أعز الله الإسلام وأغنى عنكم، فإن ثبتم على الإسلام وإلا فبيننا وبينكم السيف، فرجعا إلى أبي بكر فقالا: ما ندري الخليفة أنت أم عمر؟ فقال: هو إن شاء ووافقه ولم ينكر أحد من الصحابة ذلك .
أما الرقاب فالمراد بها أصلا تحرير الأرقاء، وقد اتفق المسلمون على أن تحرير الأرقاء من مصارف الزكاة ولكن اختلفوا في تفصيل أحكامه .
ودفع الزكاة لتحرير الأرقاء على ثلاثة أحوال:
الأول) المكاتبون المسلمون، وهم الأرقاء الذين أسلموا واتفقوا مع مواليهم على إعتاقهم بمقابل مبلغ من المال يؤدونه إليهم لإنهاء رقهم وفقا لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) 33/ النور . وهؤلاء اتفق الفقهاء على جواز إعطائهم من الزكاة ليستعينوا بها على فك أسرهم ما داموا بحاجة إلى ذلك، وعلى قدر تلك الحاجة، فإن كان عندهم بعض المال أعطوا من الزكاة ما يكمل ما يحتاجون إليه لفك رقابهم من الرق، وإن لم يكن عندهم شيء من المال جاز إعطاؤهم جميع ما يفتكون به رقابهم .
الثاني) إعتاق الرقيق المسلم من أموال الزكاة، بأن يشترى بمال الزكاة أرقاء، من قبل المزكي أو من قبل العاملين على الزكاة، ثم يعتقوا ويحرروا .
وقد ذهب إلى جواز ذلك المالكية وأحمد في رواية عنه، واستدلوا على ذلك بعموم آية الزكاة، وهي قوله تعالى: ( وفي الرقاب) .
وذهب الحنفية والشافعية وأحمد في رواية أخرى إلى أنه لا يعتق من الزكاة رقيق غير مكاتب، لأنه لا يجوز دفع الزكاة إلى رقيق، لعدم الذمة المالية، لأنه إن دفعناها إليه ملكها مولاه حكما، وهو غني، فلا يجوز، ولأن الإعتاق إسقاط ملك وليس بتمليك والزكاة شرطها التمليك .
والثالث) أن يفتدي بالزكاة أسيرا مسلما من أيدي الكفار، و قال به الحنبلية وبعض المالكية، لأنه نوع فك رقبة فيدخل في عموم قوله تعالى في آية الزكاة(وفي الرقاب)، إلا أن أكثر المالكية منعوه، وكذلك الحنفية والشافعية .
والله تعالى أعلم .
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
11/شعبان/1421هـ