الحلقة (10)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين .
أيها الإخوة المستمعون: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد:
فإن كثيرا من المسلمين يسألون عن أسهم الشركات التي يمتلكونها، هل تجب فيها الزكاة عليهم، أم لا تجب، وإذا وجبت الزكاة فيها فكيف يتم حسابها، وكيف يتم إخراجها؟
والجواب أنه لا بد قبل بيان زكاة الأسهم، أن أشير إشارة سريعة إلى حكم تملكه لها أولاً، ثم بيان حكم زكاتها وطريقة إخراج الزكاة عنها.
شراء أسهم في شركة ما معناه الانضمام حكما إلى الشركاء المؤسسين لها، وتملك حصة شائعة من أموال الشركة تعادل قيمة هذه الأسهم من أموال الشركة .
وعليه فإذا كان أصل عمل الشركة مباحا وشرعيا، ولا تتعامل بالربا المحرم شرعا أخذا أو إعطاء، كتجارة المباحات من الأطعمة أو الألبسة أو غيرها، أو كانت شركة صناعية تصنع المباحات، أو غير ذلك، فإن المشاركة فيها مباحة، وإن كان أصل عمل الشركة محرما ،كشركات الخمور ولحوم الخنزير والمخدرات والبنوك اربوية، وغير ذلك من المحرمات، أو كان عملها الأصلي مباحا ولكنها تقرض أو تقترض بالربا المحرم شرعا، فلا يجوز المشاركة فيها أو شراء أسهمها، ومن ابتلي بشراء أو إرث بعض أسهم هذه الشركات المحرمة، فإن عليه التخلص منها فورا، والتوبة النصوح إلى الله تعالى، والإكثار من عمل الصالحات، وذلك تلبية لقوله تعالى:( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)17/ التوبة . وقوله سبحانه: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِين) 114/ هود . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم :(إِنَّهُ لا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى به) رواه الترمذي وأحمد .
والآن نبين حكم زكاة الأسهم، فنقول:
يُنظر أولا إلى نية مشتري الأسهم، فإن كان اشتراها بقصد بيعها فورا، أو بعد يوم أو يومين أو أيام قليلة فور زيادة ثمنها، كما يَفعل من يتعامل بالبورصات الدولية، وليس بقصد ادخارها لجني أرباحها عاما بعد عام، فإن الزكاة تجب على هذا المشتري للأسهم بحسب قيمتها السوقية(أي قيمتها في سوق الأسهم) يوم انتهاء الحول، ولا نقصد به حول امتلاكه هذه الأسهم، لأن هذه الأسهم لن تبقى عنده طويلا، ولكن نقصد امتلاكه لنصاب التجارة والنقود في عامة أمواله، لأن هذه الأسهم في هذه الحال إنما هي مال تجاري وعرَض من عُروض التجارة، فتضم إلى سائر أمواله التجارية والنقدية، ويزكيها معها في حولها، كمن كان له أموال تجارية مختلفة، فاشترى ببعضها أسهما بقصد الاتجار بها، ثم انتهى حوله بعد يوم واحد مثلا، فإنه يزكي سائر أمواله التجارية وفيها قيمة الأسهم المذكورة، بحسب قيمتها السوقية يوم انتهاء الحول، بصرف النظر عن رأسمالها عليه، سواء كان أقل أو أكثر.
وإذا كانت نيته عند شراء الأسهم ادخارها لجني أرباحها سنة بعد سنة، فإن الزكاة تجب عليه فيها أيضا مضافة إلى أمواله التجارية الأخرى كما تقدم في الأسهم الأولى، ولكنها تفترق عنها في حساب زكاتها، فالأُولى تجب عليه زكاتها بحسب قيمتها السوقية كاملة يوم انتهاء الحول كما تقدم، أما هذه فإن زكاتها تجب عليه، ولكن ليس على كامل قيمتها، بل على قيمة رأس المال السائل أو المتحرك فيها فقط، أما ما في الشركة من رأس مال ثابت، كمبان وسيارات نقل وآلات صناعة وغير ذلك مما تستعمله الشركة ولا تبيعه، فلا تجب الزكاة في قيمته، ولهذا فإن على مشتري هذه الأسهم أن يرجع إلى قسم المحاسبة في الشركة التي اشترى فيها أسهما بقصد استبقائها لا بيعها فورا، فيسأله عن نسبة رأس المال السائل من مجمل رأس المال العام في الشركة، فإن قال له نسبة رأس المال السائل من رأس المال الإجمالي خمسين في المئة مثلا، دفع الزكاة عن نصف قيمة أسهمه، وإن قال له نسبة رأس المال السائل سبعين في المئة مثلا، دفع الزكاة عن سبعين في المئة من قيمة أسهمه، وهكذا، لأن رأس المال الثابت في الشركات لا زكاة فيه مالم يشتره الإنسان بقصد بيعه، فإن اشتراه بقصد بيعه لزمته الزكات عنه، وإلا فلا، كما تقدم .
فإذا عجز مالك الأسهم عن معرفة مقدار رأس المال السائل في الشركة التي فيها أسهمه، وجب عليه الاجتهاد في ذلك بحسب قرائن الأحوال، وبكل الطرق المتاحة له، ثم يزكيها على وفق ما انتهى إليه اجتهاده، لأنه كل ما يستطيعه، والآية الكريمة تقول:(لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا) 286/ البقرة . ولا بأس أن يزيد على ذلك قليلا للاحتياط .
ثم إذا وجبت الزكاة على مالك الأسهم في أسهمه بحسب ما تقدم، فهل يجب عليه أن يخرجها بنفسه، أم يجوز له أن يأذن للقائمين على الشركة بإخراجها عنه، وهل للقائمين على الشركة أن يخرجوها عنه بدون إذنه -كما يحصل في كثير من الشركات اليوم-؟
ثم هل تجب عليه الزكاة بمقدار حصته في الشركة ولو لم تبلغ أسهمه فيها نصابا، ما دام مال الشركة كله يزيد على النصاب، أم لا تجب الزكاة عليه حتى تبلغ حصته نصابا؟
والجواب: أنه لا يجوز للقائمين على الشركة أن يخرجوا الزكاة عن مالكي الأسهم فيها إلا بتفويض مسبق منهم بذلك، لأن الزكاة عبادة وليست ضريبة، فلا بد فيها من النية، فإذا أخرجوها عنهم من غير إذنهم المسبق، لم تسقط عنهم الزكاة بذلك، وعليهم إخراجها مرة ثانية، ولهم أن يُضَمِّنُوا القائمين على الشركة ما دفعوه عنهم من الزكاة بغير إذنهم .
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن زكاة الشركات تجب على كل مساهم فيها بقدر أسهمه فيها، إذا استَكملت النصاب مع سائر أمواله التجارية الأخرى ونقوده، وفي حولها، كما تقدم، فإذا لم تُكوِّن معها نصابا لم تجب عليه الزكاة فيها، سوى شركات المواشي .
وذهب الشافعية في قولهم الأصح، إلى أن الزكاة تجب في مال الشركات عامة إذا بلغ نصابا، على أنها شخص اعتباري مستقل عن ذمة المشاركين فيها، سواء كان لكل مساهم فيها نصاب أولا، وقد تقدم تفصيل ذلك في حلقة سابقة .
والله تعالى أعلم .
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
6/شعبان/1421هـ