الحلقة (6)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين .
أيها الإخوة المستمعون: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد:
فقد تقدم معنا في حلقة سابقة، أن من الأموال التي تجب الزكاة فيها شرعا الأنعام، وقد اتفق الفقهاء على وجوب الزكاة في أربعة أنواعٍ منها، وهي: الإبل بجميع أنواعها، العِراب والبخاتي، والبقر بأنواعها، ومنها الجواميس، والغنم بأنواعها أيضا، ومنها الماعز، واختلفوا في وجوب الزكاة في الخيل على قولين: فذهب الجمهور منهم إلى عدم وجوب الزكاة فيها، وذهب أبو حنيفة وزفر إلى وجوب الزكاة في الخيل، واستدلوا على ذلك بما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(الْخَيْلُ لِثَلاثَةٍ: لِرَجُلٍ أَجْرٌ وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ، فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَطَالَ لَهَا فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ وَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا مِنَ الْمَرْجِ أَوِ الرَّوْضَةِ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٍ، وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ أَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ، وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَهَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ حَسَنَاتٍ، وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَسِتْرًا وَتَعَفُّفًا وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا وَظُهُورِهَا فَهِيَ لَهُ كَذَلِكَ سِتْرٌ، وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً وَنِوَاءً لأَهْلِ الإِسْلامِ فَهِيَ وِزْرٌ) رواه البخاري.
وفي هذه الحلقة بيان نصاب هذه الأنعام، ومقدار الواجب في كل نوع من أنواعها، وطريقة إخراج زكاتها، وشروطُ هذه الزكاة، وسوف أفرد كل جنس من أجناس السوائم مستقلا في ذلك، نظرا لاختلافها باختلاف أجناسها كما يلي:
أولا) الإبل سواء كانت عرابا أو بخاتي، أو منهما معا :
والعراب هي الإبل العربية ذات السنام الواحد، والبخاتي هي الإبل ذات السنامين، وقد اتفق الفقهاء على أن أدنى نصاب الإبل خمس، ولا تجب في أقل من ذلك، فإذا ملك خمسا من الإبل لزمته الزكاة، ووجب عليه إخراج شاة عنها، ولا يلزمه أكثر من شاة بعد ذلك، مالم تبلغ الإبل عنده عشرا، فإذا بلغت عشرا وجب عليه شاتان، إلى أربع عشرة، فإذا بلغت خمس عشرة وجب عليه ثلاث شياه، إلى تسع عشرة، فإذا بلغت عشرين، وجب عليه أربع شياه إلى أربع وعشرين من الإبل، فإذا بلغت الإبل عنده خمسا وعشرين وجب عليه بنت مخاض، وهي الناقة التي بلغ عمرها سنة ودخلت في الثانية، وسميت بذلك لأن أمها لا زالت في المخاض، ويبقى الواجب عليه فيها بنت مخاض إلى أن تبلغ الإبل عنده خمسا وثلاثين، فإذا أصبحت ستا وثلاثين وجب عليه بنت لبون، وهي الناقة التي بلغت سنتين ودخلت في الثالثة، وسميت كذلك لأن أمها تصبح بذلك لبونا بأختها أو أخيها، وتبقى كذلك إلى خمس وأربعين، فإذا بلغت ستا وأربعين وجب عليه حُقَّةٌ، وهي الناقة التي أتمت ثلاث سنين ودخلت في الرابعة، وتبقى كذلك إلى ستين، فإذا أصبحت إحدى وستين وجب عليه جذعة، وهي التي أتمت الرابعة ودخلت في الخامسة، إلى خمس وسبعين، فإذا أصبحت ستا وسبعين وجب عليه بنتا لبون، إلى تسعين، فإذا أصبحت إحدى وتسعين وجب عليه حقتان إلى مائة وعشرين، ثم تستأنف الفريضة بعد ذلك كما بدأت، فيجب عليه في مئة وخمس وعشرين حقتان وشاة، وفي مائة وثلاثين حقتان وشاتان، وهكذا ..
ثانيا) البقر والجواميس، وهما نوع واحد في حق وجوب الزكاة فيهما:
وقد اتفق الفقهاء على أن الزكاة لا تجب في البقر والجواميس قبل أن تبلغ ثلاثين، فإذا بلغت ثلاثين بقرة أو جاموسة أو من النوعين معا، وجب فيها تبيع أو تبيعة منها، وهو الذي بلغ سنة ودخل في السنة الثانية، وسمي بذلك لأنه يتبع أمه، وتبقى كذلك دون زيادة إلى تسع وثلاثين، فإذا بلغت أربعين وجب فيها مسنٌ أو مسنةٌ، وهو الذي بلغ سنتين ودخل في الثالثة، وتبقى كذلك إلى تسع وخمسين، فإذا بلغت ستين وجب فيها تبيعان أو تبيعتان، إلى تسع وستين، فإذا بلغت سبعين وجب فيها تبيع ومسنة، إلى تسع وسبعين، فإذا بلغت ثمانين وجب فيها مسنتان، وهكذا في كل ثلاثين منها تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسن أو مسنة مهما بلغ عددها.
ثالثا) الغنم والماعز، وهما نوع واحد في حق وجوب الزكاة فيهما:
وقد اتفق الفقهاء على أنه ليس في الغنم والماعز زكاة قبل أن تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين وجب فيها واحدة منها، ثم لا شيء في الزائد إلى مائة وعشرين، فإذا بلغت مائة وإحدى وعشرين وجب فيه شاتان إلى مائتين، فإذا بلغت مائتين وواحدة وجب فيها ثلاث شياه، إلى ثلاث مائة وتسع وتسعين، فإذا بلغت أربع مائة وجب فيها أربعُ شياه، ثم في كل مائة شاةٍ شاةٌ منها، وهكذا مهما كثرت .
أما صفة الواجب فيها، فهو الوسط منها، من حيث الجودة، فلا يقبل الهزيل، ولا يطلب السمين، ولكن الوسط، فإذا كانت كلها سمينة أخذ منها السمين، لأنه الوسط فيها، وإذا كانت كلها هزيلة، أخذ الهزيل منها، لأنه الوسط فيها .
وهل يجوز إخراج السمين عن اثنين من الهزيل باعتبار القيمة؟ كما إذا وجب فيها شاتان هزيلتان مثلا فأخرج شاة سمينة عن شاتين هزيلتين وكانت قيمتها تساوي قيمتهما؟
أجاز ذلك بعض الفقهاء باعتبار القيمة، ومنعه بعضهم، ومثله ما لو أخرج شاتين هزيلتين عن شاة سمينة باعتبار القيمة .
وهل يجوز إخراج ابني لبون من الإبل عن حُقَّةٍ إذا ساوت قيمتهما قيمتها؟
أجاز ذلك بعض الفقهاء باعتبار القيمة، ومنعه بعضهم .
بل إن بعض الفقهاء أجاز إخراج البدل باعتبار القيمة في كل أموال الزكاة، فأجاز إخراج النقد عن المواشي والأنعام، كما أجاز إخراج الأنعام عن النقود وعروض التجارة، باعتبار القيمة، وهو الأيسر والأسهل على الناس، وعليه أكثر اللجان الفقهية اليوم .
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الزكاة لا تجب في الأنعام بعد توفر النصاب فيها إلا بشرطين، وهما الحول والسَّوم، أما الحول فهو العام الهجري، وأوله تاريخ امتلاكها، فإذا حال عليها الحول وهي في ملكه، وجبت فيها الزكاة، وإلا لم تجب، وكذلك السَّوم، وهو الرعي في البراي بدون كلفة معتبرة أكثر أيام السنة، فإذا كانت تُعلف كُلَّ السنة أو أكثر أيامها، لم تجب فيها الزكاة أصلا عند الجمهور، وإن كانت تُعلف في بعض السنة وتسام في أكثرها، وجبت الزكاة فيها اعتبارا بالغالب، فإذا كانت تعلف نصف السنة وتسام في نصفها الآخر، وجبت الزكاة فيها احتياطا .
وذهب المالكية إلى وجوب الزكاة في السوائم، سواء سامت أو علفت على سواء .
واختلف الفقهاء في الإبل والبقر العوامل والحوامل، وهي التي تقتنى لا بقصد الدر والنسل ولكن بقصد الحمل عليها والنضح والجر وما إليه مما يحتاج الفلاح إليه، فذهب البعض إلى أنه لا زكاة على العوامل والحوامل من الإبل والبقر، لانشغالها بحاجة مالكها، وهو مذهب الحنفية والشافعية والحنبلية، وذهب المالكية إلى أن الزكاة تجب فيها مطلقا .
أما الخيل، فلم يقل بوجوب الزكاة فيها -مالم تكن للتجارة- غير أبي حنيفة وتلميذه زفر بن الهذيل، حيث قالا تجب الزكاة في الخيل إذا كانت ذكورا وإناثا، ولا تجب فيها إذا كانت ذكورا فقط، فإذا كانت إناثا فقط، ففيها روايتان عن الإمام، رواية بالوجوب ورواية بعدم الوجوب، والواجب فيها هو دينار واحد عن كل فرس منها في العام، ولا نصاب لها، وقال أبو حنيفة: إن شاء صاحبها أخرج عنها دينارا، وإن شاء قوَّمها وأخرج من قيمتها ربع العشر كزكاة التجارة .
ولا زكاة في غير ما تقدم من الحيوانات باتفاق الفقهاء ما لم تكن للتجارة، فإذا كانت للتجارة وجبت فيها زكاة التجارة بنصابها وشروطها كما سوف يأتي .
وهذا كله لو كانت المواشي مملوكة كلها لواحد، فإذا كانت مشتركة بين اثنين أو ثلاثة أو أكثر، فهل تجب الزكاة على كل واحد مستقلا بحسب حصته في الشركة، من حيث النصاب ومقدار الواجب، أم تجب على المال المشترك بصفته مالا واحدا؟
للفقهاء مذهبان في ذلك، وسوف يأتي تفصل ذلك في حلقة مستقلة بإن شاء الله تعالى .
والله تعالى أعلم .
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
4/شعبان/1421هـ