التعريف :
الصاع والصُّوَاع والصَّوْع في اللغة ما يكال به، وهو مفرد جمعه أصوُع وأصؤع وأصواع وصُوع وصيعان[1]. قال الفيومي: (وهو مكيال، وصاع النبي صلى الله عليه وسلم الذي بالمدينة أربعة أمداد، وذلك خمسة أرطال وثلث بالبغدادي، وقال أبو حنيفة: الصاع ثمانية أرطال)[2] .
والصاع في اصطلاح الفقهاء: مكيال يكال به في البيع والشراء، وتقدر به كثير من الأحكام الشرعية، وقيل هو إناء يشرب فيه[3] .
أنواع الصيعان :
أشتهر في الصيعان لدى الفقهاء صاعان، الأول صاع أهل المدينة، ويسمى بالصاع الحجازي، نسبة إلى بلاد الحجاز، والثاني صاع أهل العراق ويسمى بالصاع الحَجَّاجي، أو القفيز الحَجَّاجي، أو الصاع البغدادي، نسبة إلى الحجاج بن يوسف الذي اعتمده، وبغداد التي انتشر فيها، والأول أصغر من الثاني، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الصاع الشرعي الذي تقدر به الأحكام الشرعية المنوطة بالصاع هو الصاع الأصغر.
قال الدسوقي: كل صاع أربعة أمداد، ... والمد بالوزن رطل وثلث)[4]، وقال الدردير: (الصاع أربعة أمداد، كل مد رطل وثلث بالبغدادي)[5]، وقال قليوبي: (الصاع هو اسم للوزن أصالة، لأنه أربعة أمداد، والمد رطل وثلث بالبغدادي، ثم صار اسما للكيل عرفا)، وقال ابن قدامة: (وقد دللنا على أن الصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي)[6] .
وذهب الحنفية إلى أن الصاع الشرعي هو صاع أهل العراق، وهو الصاع الذي ورد عن عمر رضي الله تعالى عنه، وهو صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أخرجه الحجاج بعدما فقد، وقد سمي بالحَجَّاجي لذلك[7] .
مقدار الصاع الشرعي :
اتفق الفقهاء على أن الصاع أربعة أمداد، إلا أنهم اختلفوا في المد، فذهب أهل العراق إلى أن المد رطلان بالعراقي، وذهب أهل المدينة إلى أن المد رطل وثلث بالعراقي، وعليه فإن صاع أهل المدينة يتسع لخمسة أرطال وثلث بالرطل العراقي، وصاع أهل العراق يتسع لثمانية أرطال بالرطل العراقي نفسه .
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الصاع الشرعي هو صاع المدينة[8]، وذهب أبو حنيفة إلى أن صاع العراق هو الصاع الشرعي وهو الحَجَّاجي[9]، واضطربت الرواية عن أبي يوسف ومحمد من الحنفية .
قال أبو عبيد: (وقد كان يعقوب_ أبو يوسف _ زمانا يقول كقول أصحابه فيه، ثم رجع عنه إلى قول أهل المدينة)[10] . وقال الكاساني: (إن أبا يوسف مع الجمهور، وإن الصاع عنده خمسة أرطال وثلث بالعراقي، وليس بالمديني)[11]، وقال ابن عابدين نقلا عن الزيلعي والفتح: (إن أبا يوسف مع الحنفية في اعتبار الصاع بالحجاجي وليس بالمديني، وإن الخلاف بينه وبين الطرفين من الحنفية لفظي، ذلك أن أبا يوسف قدر الصاع بالرطل المديني لأنه ثلاثون إستارا، والطرفان قدراه بالرطل العراقي وهو عشرون إستارا، وإذا قابلت ثمانية أرطال بالعراقي بخمسة أرطال وثلث بالمديني وجدتهما سواء، وهذا هو الأشبه، لأن محمدا لم يذكر خلاف أبي يوسف ولو كان لذكره لأنه أعرف بمذهبه)[12] .
إلا أن ابن عابدين - في مكان آخر - أسند للإمام محمد القول في الصاع بمذهب الأئمة الثلاثة، وأسند لأبي يوسف مثله، فقال: (والصاع الحجازي خمسة أرطال وثلث، وبه أخذ الصاحبان والأئمة الثلاثة)[13] .
والتحقيق أن الصاحبين مع أبي حنيفة في قوله بالصاع كما تقدم من نص ابن عابدين الأول .
ما يقدر به الصاع :
اتفق الفقهاء على أن ضبط الصاع يكون بوزن ما يكال به، ثم اختلفوا في نوع المكيل الذي يضبط الصاع بوزنه، فذهب البعض إلى أنه القمح، وذهب آخرون إلى أنه الشعير، وقال البعض إنه العدس، وقال آخرون إنه الماش، وذلك بحثا منهم عن أدق ما يضبط به الصاع مما لايختلف كيله ووزنه .
فقد روي عن الحنفية أنهم يقدرون الصاع بالماش أو العدس لأنه مما لايختلف كيله ووزنه في نظرهم، قال ابن عابدين: (وقد اعتبروا الصاع بهما _ أي الماش أو العدس _ فعلم أنه لا اعتبار بالوزن أصلا في غيرهما ... قال الطحاوي: الصاع ثمانية أرطال مما يستوي كيله ووزنه، ومعناه أن العدس والماش يستوي كيله ووزنه ... فإذا كان المكيال يسع ثمانية أرطال من العدس والماش فهو الصاع الذي يكال به الشعير والتمر والحنطة ....)[14] .
كما روي عنهم تعيير الصاع بالحنطة، قال ابن عابدين: (فإن المتبادر اعتبار نصف الصاع بالوزن عند أبي حنيفة باعتبار وزن البر ونحوه مما يريد إخراجه، لااعتباره بالماش والعدس، والظاهر أن اعتباره بهما رواية محمد، وأن الخلاف متحقق، وعن هذا ذكر صدر الشربعة في شرح الوقاية: أن الأحوط تقدير الصاع بثمانية أرطال من الحنطة الجيدة المكتنزة . اهـ. قلت : وبهذا يخرج عن العهدة بيقين على روايتي تقدير الصاع كيلا أو وزنا، فلذا كان أحوط، ولكن على هذا الأحوط تقديره بالشعير، ولهاذا نقل عن بعض المحشين عن حاشية الزيلعي ... أن الذي عليه مشايخنا بالحرم الشريف المكي ومن قبلهم من مشايخهم وبه كانوا يفتون تقديره بثمانية أرطال من الشعير ... )[15] .
وذهب المالكية إلى أنه يقدر بالشعير، قال الدسوقي: (أي فيوزن القدر المذكور من الشعير ويكال ويجعل مقدار الكيل ضابطا فيعول عليه، فاندفع ما يقال إن الوزن يختلف باختلاف الحبوب، فيلزم اختلاف النصاب باختلاف الحبوب والثمار، وهو بعيد )[16] .
وقال النووي فيما نقله المحلي عنه: (يختلف قدره وزنا باختلاف جنس ما يُخرج، كالذُّرة والحمص وغيرهما، والصواب ما قاله الدارمي: إن الاعتماد على الكيل بصاع معاير بالصاع الذي كان يخرج به في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن لم يجده وجب عليه إخراج قدر يتيقن أنه لا ينتقص عنه. إلا أن قليوبي قال في تقديره للمد: وقد حرر ابن الرفعة المد الشرعي بما يسع رطلا وثلثا من حب الشعير)[17] .
وقال ابن قدامة: (وقد روى جماعة عن أحمد أنه قال: الصاع وزنته فوجدته خمسة أرطال وثلث حنطة ... وقال أبو عبد الله: فأخذنا العدس فعيرنا به وهو أصلح ما وقفنا عليه، يكال به لأنه لايتجافى عن موضعه، فكِلْنا به ثم وزنَّاه فإذا هو خمسة أرطال وثلث، وقال: هذا أصلح ما وقفنا عليه)[18] .
معايير أخرى للصاع :
تقدم أن الفقهاء اتفقوا على تعيير الصاع بالمد، إلا أنهم إلى جانب ذلك ذكروا له معايير أخرى بأوزان رائجة في مدنهم وبلدانهم:
فقال ابن عابدين: (وهو _ أي الصاع _ القفيز الهاشمي الذي ورد عن عمر _ رضي الله تعالى عنه _ كما في الهداية وغيرها، وهو ثمانية أرطال أربعة أمناء)[19]، ثم قال: (اعلم أن الصاع أربعة أمداد، والمد رطلان، والرطل نصف مًنٍّ، والمن بالدرهم مئتا درهم وستون درهما، وبالإستار أربعون، والإستار بكسر الهمزة بالدراهم ستة ونصف، وبالمثاقيل أربعة ونصف، كذا في شرح درر البحار، فالمُد والمًنُّ سواء، كل منهما ربع صاع، رطلان بالعراقي، والرطل مئة وثلاثون درهما)[20]، ثم قال أيضا: (والصاع العراقي نحو نصف مد دمشقي)[21] .
وقال أبو عبيد: (وسمعت محمدا غير مرة يقول: الحَجَّاجي _ أي الصاع الحجاجي _ هو ربع الهاشمي، وهو ثمانية أرطال)[22] .
وقال ابن عابدين: (وعليه فالصاع بالرطل الشامي رطل ونصف، والمد ثلاثة أرطال، ويكون نصف الصاع من البر ربع مد شامي)[23] .
وقال السائحاني من الحنفية: (لكنني حررت نصف الصاع في عام ست وعشرين بعد المئتين فوجدته ثُمْنِيَّة ونحو ثلثي ثُمْنيَّة، فهو تقريبا ربع مُدِّ ممسوحا من غير تكويم، ولا يخالف ذلك ما مر، لأن المُد في زماننا أكبر من المُد السابق ... وهذا بناء على تقدير الصاع بالماش والعدس، أما على تقديره بالحنطة والشعير وهو الأحوط- كما يأتي قريبا - فيزيد نصف الصاع على ذلك)[24] .
ثم قال ابن عابدين: (وقدر بعض مشايخنا نصف الصاع بقَدَح وثلث بالمصري)[25] .
وقال الدسوقي: (وقد حرر الصاع فوجد أربع حفنات، أي بالحفنة المتوسطة ملء اليدين المتوسطتين ...، وليس مراده بالحفنة ملء اليد الواحدة)[26] . وقال أيضا: (وقد حرر الصاع فوجد أربع حفنات متوسطة وذلك قدح وثلث بالكيل المصري)[27] . وقال كذلك: (كل صاع أربعة أمداد ... والمد ملء اليدين المتوسطتين لا مقبوضتين ولا مبسوطتين، وبالوزن رطل وثلث، وقد حرر النصاب بالكيل عن قريب فوجد أربعة أرادب وويبة بكيل بولاق ... )[28] .
وقال الشربيني: (فالصاع قَدَحان إلا سُبُعَي مُدٍّ، وكل خمسة عشر مدا سبعة أقداح، وكل خمسة عشر صاعا ويبة ونصف وربع، فثلاثون صاعا ثلاث ويبات ونصف، فثلاثمائة صاع خمسة وثلاثون ويبة، وهي خمسة أرادب ونصف وثلث)[29]. وقال قليوبي: (والعَرَق بفتح العين والراء المهملتين مكيل يسع خمسة عشر صاعا)[30]. وقال المحلي: (صاع وهو ستمائة درهم وثلاثة وتسعون وثلث، لأنه أربعة أمداد، والمد رطل وثلث بالبغدادي، والرطل مئة درهم وثلاثون درهما، قلت الأصح ستمائة وخمسة وثمانون درهما وخمسة أسباع درهم)[31] .
ما يناط بالصاع من الأحكام الشرعية :
يتعلق بالصاع أحكام شرعية كثيرة منها : زكاة الفطر، وكفارة الإفطار في رمضان، وكفارة الظهار، وفدية الإحرام،وفدية الإفطار في رمضان في حال العذر المبيح للفطر،وكفارة تأخير قضاء الصوم، ونفقة الزوجة، والغسل، والوضوء .
وتفصيل ذلك يعرف في أبوابه من كتب الفقه على اختلاف المذاهب .
مقدار الصاع بالمكاييل المعاصرة :
قدر ضياء الدين الريس الصاع بـ/2,75/ ليترا[32]، وقدره أصحاب كتاب معجم لغة الفقهاء بـ/2,748/ليترا على وفق مذهب الجمهور في عد الصاع خمسة أرطال وثلث، وقدروه ب/3,362/ ليترا على وفق مذهب الحنفية في عد الصاع ثمانية أرطال[33] .
[1] القاموس المحيط .
[2] المصباح المنير .
[3] الموسوعة الفقهية مصطلح صاع ف/1/ .
[4] حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/447 .
[5] الدسوقي 1/504-505 .
[6] المغني 3/59 .
[7] ابن عابدين 3/260-261 .
[8] الدسوقي 1/504، وقليوبي 3/75و2/249، والمغني 3/57 و 1/222 .
[9] بدائع الصنائع 2/73، وابن عابدين 2/76 .
[10] الأموال ص 519 .
[11] البدائع 2/73 .
[12] ابن عابدين 2/76 .
[13] ابن عابدين 1/107 .
[14] ابن عابدين 2/77 .
[15] ابن عابدين 2/77 .
[16] الدسوقي 1/447 .
[17] قليوبي 4/70 .
[18] المغني 3/59 .
[19] ابن عابدين 3/260-261 .
[20] ابن عابدين 2/76 .
[21] ابن عابدين 1/107 .
[22] الأموال ص 519 .
[23] ابن عابدين 2/76-77 .
[24] ابن عابدين 2/76-77 .
[25] ابن عابدين 2/76-77 .
[26] الدسوقي 1/504 .
[27] الدسوقي 1/504-505 .
[28] الدسوقي 1/447 .
[29] مغني المحتاج 1/383 .
[30] قليوبي 3/75 .
[31] المحلي في هامش قليوبي وعميرة عليه 2/36 ، وانظر مغني المحتاج 1/405 .
[32] الخراج والنظم المالية ص318 .
[33] معجم لغة الفقهاء ص270 .