الذراع في اللغة اليد من كل حيوان، لكنها في الإنسان من المرفق إلى أطراف الأصابع، أو من المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى، ويجري بها القياس، وهي ذراع الانسان المتوسط، وقدرت بست فبضات، وتسمى ذراع العامة، وهي أنقص من ذراع الملك بقبضة، وهي مؤنثة، وبعض العرب يذكرها، ولم يعرفه الأصمعي، وقال الزجاج التذكير شاذ، وهي مفرد يجمع على أذرع وذُرعان[1].
والذراع في اصطلاح الفقهاء مقياس للطول ولها أنواع مختلفة الطوال، وقد ذكر الماوردي لها سبعة انواع، فقال: " وأما الذراع فالأذرع سبع، أقصرها القاضية، ثم اليوسفية، ثم السوداء، ثم الهاشمية الصغرى وهي البلالية، ثم الهاشمية الكبرى وهي الزيادية، ثم العمرية، ثم الميزانية:" وذلك بحسب اسم واضعها وقد بين ذلك الماوردي فقال: " وأما القاضية فتسمى ذراع الدور فهي أقل من ذراع السوداء باصبع وثلثي إصبع، وأول من وضعها ابن أبي ليلى القاضي، وبها يتعامل أهل كلواذي، وأما اليوسفية، وهي التي تذرع بها القضاة الدور بمدينة السلام، فهي أقل من الذراع السوداء بثلثي إصبع، وأول من وضعها أبو يوسف القاضي.
وأما الذراع السوداء فهي أطول من ذراع الدور باصبع وثلثي إصبع وأول من وضعها الرشيد -رحمه الله تعالى- قدرها بذراع خادم أسود كلن على رأسه، وهي التي يتعامل بها الناس في ذراع البز، والتجارة، والأبنية، وقياس طول نيل مصر.
وأما الذراع الهاشمية الصغرى وهي البلالية فهي أطول من الذراع السوداء باصبعين وثلثي إصبع، وأول من أحدثها بلال بن أبي بردة، وذكر أنها ذراع جده أبي موسى الأشعري-رضي الله تعالى عنه- وهي أنقص من الزيادة بثلاثة أرباع عشر، وبها يتعامل الناس بالبصرة والكوفة.
وأما الهاشمية الكبرى وهي ذراع الملك ، وأول من نقلها إلى الهاشمية المنصور –رحمه الله تعالى- فهي أطول من الذراع السوداء بخمس أصابع وثلثي إصبع، فتكون ذراعاً وثمناً وعشراً بالسوداء، وتنقص عنها الهاشمية الصغرى بثلاثة أرباع عشر، وسميت زيادية لأن زياداً مسح بها أرضا السواد، وهي التي يزرع بها أهل الأهواز.
وأما الذراع العمرية، فهي ذراع عمر بن الخطاب رضي الله عنه التي مسح بها أرض السواد، وقال موسى بين طلحة: رأيت ذراع عمر بن الخطاب رضي الله عنه التي مسح بها أرضا السواد، وهي ذراع وقبضة وإبهام قائمة وأقصرها وأوسطها، فجمع منها ثلاثة أخذ الثلث منها، وزاد عليه قبضة وإبهاماً قائمة ثم ختم طرفيها بالرصاص وبعث بذلك إلى حذيفة وعثمان بن حنيف حتى مسحا بها السواد، وكان أول من مسح بها بعده عمر بن هبيرة .
أما الذراع الميزانية، فتمون بالذراع السوداء ذراعين وثلثي ذراع وثلثي إصبع ، وأول من وضعها المأمون رضي الله عنه، وهي التي يتعامل الناس فيها في ذراع البرائد والمساكن والأسواق وكراء الأنهار والحفائر[2].
وقد أوصل بعض العلماء أنواع الأذرع إلى ستة عشر نوعا، فيها الأنواع السبعة المتقدمة وأنواع أخرى ربما وافق بعضها بعض الأنواع السابقة في الطول أو خالفها، ةهذه الأنواع بعد الأنواع السبعة السابقة هي: ذراع الحديد وهي الذراع السوداء في الطول، وذراع اليد وهي أربع وعشرون إصبعا معترضات، والذراع المرسلة وهي عين ذراع اليد، وذراع الأواني، وذراع الكرباس وهي سبع قبضات، وذراع المساحة وهي كذراع الكرباس سبع قبضات، والذراع القديم ويسمى الذراع المملوكي ويقدر بثمانية وعشرين إصبعاً، والذراع المعيارية وتساوي ثمانية أخماس ذراع اليد، والذراع الميزانية وتكون بالذراع السوداء ذراعين وثلثي إصبع[3].
وقد اختلف الفقهاء في الذراع الشرعية التي تقدر بها المقدرات الشرعية على أقوال كما يلي:
اختلف الحنفية في الذراع الشرعية، قال ابن عابدين: " والمختار ذراع الكرباس، وفي الهداية وعليه الفتوى، واختار في الدرر، والظهيرية، والخلاصة، والخزانة … وهو سبع قبضات فقط، أي بلا إصبع قائمة، وهذا ما في الوالوالجية، وفي البحر أن في كثير من الكتب أنه ست قبضات ليس فوق كل قبضة إصبع قائمة، فهو أربع وعشرون إصبعاً بعدد حروف لا إله إلا الله محمد رسول الله … والمراد بالقبضة أربع أصابع مضمومة، نوح، أقول وهو قريب من ذراع اليد، لأنه ست قبضات وشئ، وذلك شبران[4].
وقال الحصكفي عند الكلام على الجريب: "هو ستون ذراعاً في ستين بذراع كسرى سبع قبضات، وقيل النعتبر في كل بلدة عرفهم[5]"
وقال أيضا في بيان حرمة العين: "وحريم العين خمسمائة ذراع من كل جانب كما في الحديث، والذراع هو المكسرة، وهو ست فبضات، وكان الذراع ذراع الملك أي ملك الأكاسرة سبع قبضات فكسر منه قبضة[6]"
وذهب المالكية في قول إلى أن الذراع ست وثلاثون إصبعاً، قال التسولي: "والذراع ما بين طرفي المرفق وراس الإصبع الوسطى، كل ذراع ست وثلاثون إصبعا، قال التسولي: "وقال ابن حبيب والذراع شبران، والشبر اثنا عشر إصبعاً[7]"
وذهب الشافعية إلى أن الذراع أربعة وعشرون إصبعاً، قال الشربيني الخطيب: " والذراع أربعة وعشرون إصبعاً مفترضات[8]"
مقدارها بالمقاييس الحديثة
بالنظر لاختلاف الفقهاء في طول الذراع الشرعية حيب ما تقدم، فلا بد أن يختلف طولها بالمقادير الحديثة بحسب ذلك، إلا أن المتفق عليه بينهم هو الإصبع، وهي تساوي الآن/10925/سم سنتيمتراً، وعلى ذلك يمكن لنا تحديد طول الذراع الشرعية بحسب المذاهب المتقدمة، فيكون طول ذراع الملك /53.9/سم سنتيمتراً، وهو قول آخر عند الحنفية وقول عند المالكية، وهو مذهب الشافعية، أما على حسب قول المالكية الآخر فتكون الذراع /69.3/سم سنتيمتراً على حسب عدها/36/إصبعاً[9].
الأحكام الشرعية المنوطة بالذراع:
الذراع هو الوحدة الأساس لقياس الطول عند الفقهاء، وقد اتخذوا لها أضعافا كالباع والميل والفرسخ … واتخذوا لها أجزاء كالإصبع والشعيرة والشَعْرة، وغالباً ما يستفي الفقهاء باستعمال أضعاف الذراع أو أجزاءها في تقدير الأحكام الشرعية المنوطة بالطول، كمسافة السفر، ومسافة بعد الماء في التيمم، وبعد مكان الأب أو الأم في الحضانة، وهذه تعرف في أبوابها من كتب الفقه، وفي مصطلحاتها من الموسوعة الفقهية.
وقد استعمل الحنفية الذراع في مواقع منها مقدار الماء الكثير، فقد ورد عنهم ن الكثير ما كان عشراً في عشر، أي عشرة أذرع في عشرة أذرع، قال الحصكفي: "والمعتبر في مقدار الراكد أكبر رأي المبتلي به فان غلب … لكن في النهر: وأنت خبير بأن اعتبار العشر أضبط… فلذا أفتى به المتأخرون الأعلام أي في المربع بأربعين، وفي المدور بست وثلاثين، وفي المثلث من كل جانب خمسة عشر وربعاً وخمساً بذراع الكرباس …[10]"
ومنها في مقدار ابتعاد المرأة عن الرجل في صلاة الجماعة إذا اقتديا بامام واحد، قال الحصكفي: "وإذا حاذته … أو فرجة تسع رجلاً في صلاة … مشتركة … فسدت صلاته لو مكلفاً وإلا لا[11]"
[1] - المصباح المنير والقاموس المحيط
[2] - الأحكام السلطانية ص152-153
[3] - ذكره نجمد اليد الكردي ص251-259، نقلا عن مجموعة من كتب التراث.
[4] - ابن عابدين1/131
[5] - ابن عابدين3/260
[6] - ابن عابدين5/279-280
[7] - البهجة شرح التحفة1/34
[8] - مغني المحتاج1/266
[9] - قارن ذلك مع ما جاء في المقادير الشرعية للكردي ص297، ومعجم لغة الفقهاء ص450-451، والايضاح والتبيان ص89
[10] - ابن عابدين 1/129
[11] - ابن عابدين1/387