دعوى الحسبة
لبيان معنى دعوى الحسبة وإحلالها مكانها بين مراتب الاحتساب الأخرى، والتفريق بينها وبين هذه المراتب، من حيث الشروط والأحكام، لابد من إلقاء ضوء بسيط على أقسام الحق الذي يحميه التشريع الإسلامي وترى الدعاوى به أمام القضاء، لاستخلاصه إذا ما اعتدى عليه، وذلك لبيان نوع الحقوق التي ترفع فيها دعوى الحسبة، من الحقوق التي لا ترفع فيها هذه الدعوى.
فالحقوق في الشريعة الإسلامية بالنظر لمستحقيها على أنواع:
1 - حق لآدمي معين، كالحقوق المالية، والنكاح، وغير ذلك من العقود.
2 - حق لآدمي غير معين، كالوقف على الفقراء أو جميع المسلمين، أو الوصية لهم، وغير ذلك.
3 - حق خالص لله تعالى لا دخل لآدمي فيه، معينا أو غير معين، وذلك كالعبادات بأنواعها، من صوم وصلاة وغيرها، وكالكفارات والنذور، وغير ذلك.
4 - حق لله تعالى وفيه مصلحة مباشرة لأفراد العباد، مثل حد القذف وأكثر أنواع التعزيرات.
والفقهاء درجوا على تسمية النوع الأول من الحقوق بحقوق العباد، وتسمية النوعين الثاني والثالث بحقوق الله تعالى، مسوين بين ما هو خالص لله تعالى وما هو من حق الجماعة حفاظاً على مصلحتها من ناحية وتنويهاً بعناية الله سبحاه وتعالى بتأمين العدالة لها من ناحية أخرى، حيث أقيمت مقام الحقوق الخالصة لله تعالى، وجعلت شعبة منها، وتسمية النوع الرابع بالحق المشترك.
هذا بالنسبة للحق بصورة عامة، وأما الحقوق المتعلقة بالجنايات خاصة، فلا يدخل فيها القسم الأول، بل هي جميعاً إما حقوق لله تعالى، وإما حقوق مشتركة فيها حق لله تعالى وحق للعباد، وهنا قد يغلب حق الله في بعضها، وقد يغلب حق العباد في البعض الآخر، وقد يتساوى الحقان في بعضها أيضاً.
كما قرر الفقهاء أن الدعاوى التي تحمي حق الله تعالى خالصا كان أو غالبا تسمى دعاوى الحسبة والدعاوى التي تحمي حقوق العباد خالصة أو غالبة تسمى دعاوى شخصية، ولكل نوع من هذه الدعاوى ميزاته وخصائصه وشروطه المختلفة عن النوع الآخر.