تعريف الجناية وأنواعها
الجريمة والجناية في الفقه الإسلامي مصطلحان يدلان على معنى واحد، والجرائم لدى الفقهاء هي: (محظورات شرعية زجر الله تعالى عنها بحد أو تعزير) وهذا التعريف للجريمة مقارب لمعناها لدى علماء القوانين الوضعية.
والجرائم تنقسم في الفقه الإسلامي من حيثيات مختلفة إلى أنواع متعددة، والذي يهمنا هنا أنواعها من حيث عقوبتها، لأنه تقسيم لها باعتبار قوتها، إذ كلما كبرت الجريمة كبر عقابها، وهي بهذا الاعتبار تنقسم إلى ثلاثة أقسام: حدود، وقصاص، وتعزيرات.
أما جرائم الحدود: فهي الجرائم التي لها عقوبات مقدرة حقا لله تعالى، ويدخل في حق الله تعالى هنا حق المجتمع، إذ إن الله تعالى هو الحامي له كما تقدم.
أما جرائم القصاص، فهي: جرائم الاعتداء على النفس أو الأطراف مما أثبت الشارع له عقوبات مقدرة مماثلة للجريمة في الصورة أو المعنى، حفظاً لحق العباد، أما في الصورة، فمثل القَوَد في النفس أو الأطراف، وأما في المعنى، فمثل الدِّيَة والأَرش في الجراح، عند سقوط القَوَد.
وأما الجرائم التعزيرية، فهي الجرائم التي تثبت عقوبتها حقا لله تعالى وللعباد، مما ليس له حد مقدر من الشارع مسبقا، بل يفوَّض أمر تقديرها إلى القاضي أو ولي الأمر، بضوابط وقيود حددها الشارع وأوضحها الفقهاء في مصنفاتهم.
وجرائم الحدود ستة، وهي: الزنا، وشرب الخمر، والردة عن الإسلام، والحرابة، وهي ما يعرف بقطع الطريق، والسرقة، والقذف، وهو الرمي بالزنا.
وجرائم القصاص هي جرائم الاعتداء على النفس أو الأعضاء، بالإتلاف أو الجرح.
أما جرائم التعزير فهي كل جريمة لم تدخل تحت حد أو قصاص، وهي جرائم لا حصر لها عدا، لأنها تختلف كثرة وقلة باختلاف العصور والبيئات.
ولتصنيف هذه الجرائم بحسب كونها حقا لله تعالى أو للعباد، نقسمها إلى ثلاثة أقسام:
آ - جرائم هي اعتداء على خالص حق الله تعالى، وهي: الزنا، وشرب الخمر، والردة، والحرابة، وكل الجرائم التعزيرية التي تثبت حقا للمجتمع، كمنع الزكاة، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والرشوة، وغير ذلك،.
أو تثبت حقا لله تعالى دون أن ترتبط بمصلحة أي من العباد، مثل ترك الصلاة، أو الصوم أو الكفارات، أو غير ذلك، وليس معنى ذلك أنه لا حق لأحد من الناس في هذه الجرائم، بل معناه أن حق العباد فيها مهدر لضآلته في جانب حق الله تعالى وحق المجتمع.
ب- جرائم فيها اعتداء على حق الله تعالى وحق العباد معا، وحق الله تعالى فيها غالب، وهي جرائم السرقة، والقذف، وكثير من الجرائم التعزيرية التي تثبت حقا للمجتمع وللأفراد ويغلب فيها حق المجتمع، مثل النظر للعورات المحرمة، وملامسة النساء الأجنبيات، أو الاختلاء بهن، وغير ذلك.
جـ- جرائم فيها اعتداء على حق الله تعالى وحق العباد معا، وحق العباد فيها غالب، وهي جرائم القصاص، وبعض الجرائم التعزيرية، كمطل الغني، والقذف بما لا يثبت فيه الحد، وغير ذلك.
هذا وليس في الجرائم ما هو حق خالص للعباد كما تقدم، إذ إن جميعها لله تعالى فيه حق خالص أو غالب أو مغلوب، وفي هذا تعبير صادق عن اهتمام الشريعة الإسلامية وعنايتها باستئصال الإجرام ومنعه، إذ تعتبره بجميع أنواعه اعتداء على حق الله تعالى إلى جانب ما فيه من اعتداء على حقوق الأفراد من العباد.
بعد هذا التقسيم للجرائم باعتبار قوة حق الله تعالى فيها، ننتهي إلى بيان ما تجري فيه دعوى الحسبة منها وما لا تجري فيه، فنقول:
دعوى الحسبة لا تقام إلا حماية لحق الله تعالى خالصا كان أو غالبا كما تقدم، ولذلك فهي تقام في الجرائم التالية.
جرائم النوع الأول:
وهي الجرائم التي تثبت حقا خالصا لله تعالى، والدعوى في هذه الجرائم تتمتع بكل خصائص دعوى الحسبة كاملة.
جرائم النوع الثاني:
وهي الجرائم التي يكون حق الله تعالى فيها غالبا لا خالصا، وهذه تتمتع الدعوى فيها ببعض خصائص دعوى الحسبة فقط دون جميعها، وذلك نظرا لوجود حق العبد فيها، وسوف نبين الخصائص التي تتمتع بها هذه الدعاوى بعد بيان خصائص وأحكام دعوى الحسبة.
أما جرائم النوع الثالث:
وهي الجرائم التي يكون حق العبد فيها غالبا، فلا تقام فيها دعوى الحسبة ولا تتمتع بشيء من خصائصها وأحكامها، بالنظر لغلبة حق العبد، وللقاعدة القائلة (للأكثر حكم الكل).
والآن نفصل أحكام وخصائص دعوى الحسبة، ونورد أهم الفوارق بينها وبين الدعاوى الشخصية، من جميع الحيثيات والجوانب التي تلحظ فيها الفوارق بينهما، فإن ذلك كاف في نظري لتجلية المقصود.