مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فعلم التركات والمواريث من أجل علوم الشريعة وأدقها، ويتميز عن سائر العلوم الشرعية الأخرى لصلته بعلم الحساب، فلا يمكن حل المسائل الإرثية إلا بمعرفة كثير من أصول الحساب وطرقه، وقد أطلق عليه الصحابة رضي الله عنهم والفقهاء من بعدهم علم الفرائض، لأن الفرائض أهم أحكامه وأساسها، كما سوف يأتي.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الحض على تعلمه وتعليمه، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا أَبَا هُرَيْرَةَ تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا فَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ وَهُوَ يُنْسَى وَهُوَ أَوَّلُ شَيْءٍ يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتِي) رواه ابن ماجه وغيره.
وقد تميز من الصحابة جماعة في تعلم هذا العلم والتفوق فيه ومعرفة مسائله، كما تميز بعض منهم في أمور أخرى من أمور الشريعة الإسلامية الغراء، وامتدحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، وممن تميز بالفرائض زيد بن ثابت، فقد روى أنس بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيٌّ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ) رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد وغيرهم.
وقد اهتم الفقهاء بهذا العلم اهتماما كبيرا، فختموا به كتبهم ومصنفاته، وبعضهم قدم الفرائض على كثير من أبواب الفقه الأخرى، فقلما تجد كتابا في الفقه في أي مذهب كان إلا وفيه تفصيل لأحكام المواريث والتركات.
ونظرا لتميزه وصلته بعلم الحساب فقد أفرده كثير من فقهاء السلف والخلف بمصنفات مستقلة به، متخصصة فيه، وتفننوا في حل مسائله حسابيا، في وقت كان علم الحساب عند العرب بسيطا ونادرا، وقد أبدعوا طرقا حسابية لحل مسائله هي إلى اليوم الأفضل والأيسر في حل مسائل الميراث، رغم تقدم علم الحساب والجبر في العصر الحاضر تقدما كبيرا، ولا بد من بيان أن طرق الحساب متعددة قديما وحديثا، وكثير منها يوصل إلى النتيجة الصحيحة في حل مسائل الإرث، إلا أن الطرق الحسابية التي أبدعها علماء الفرائض المسلمون هي إلى الآن الأفضل والأيسر والأجدى، ولهذا لم يغادرها علماء الفرائض المحدثون، رغم تعدد الطرق الحسابية الحديثة الموصلة إلى حل المسائل الإرثية.
وسوف أعتمد في كتابي هذا بإذن الله تعالى في حل مسائل الإرث على الطرق الحسابية التي أبدعها فقهاء السلف، لسهولتها ودقتها وشمولها لجميع مسائل الإرث، وسهولة تعلمها من قبل طلاب العلم، سواء فيهم المتقنون لعلوم الحساب أو المبتدئون فيها.
والله أسال أن يجعل فيما قدمته عونا لطلاب العلم على تعلم علم الفرائض وطرق حل مسائله، وأن يسهل على المشتغلين في علم الفرائض حل مسائله، وأن ينفع به عباده المتقين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الإثنين 17 ربيع الثاني 1427هـ و 15/5/2006م
أ.د.أحمد الحجي الكردي