المواريث
تمهيد:
قبل البدء بدراسة نظام الإرث الإسلامي، بتفاصيله، ودقائقه، جدير بنا أن ننظر في البدائل المحتملة لهذا النظام، وذلك لنستطيع تبين مكانه منها، ومحله فيها، وبذلك ندرك مدى تميزه عنها، وتفوقه عليها.
فالبدائل الرئيسية المحتملة اثنان:
1 ـ أن تودع التركة في بيت المال، لتصرف على مصالح المسلمين عامة.
2 ـ أن تصرف لأكبر رجل في الأسرة كالأخ الأكبر، أو العم الأكبر... وهو ما كان عليه الأمر في الجاهلية قبل الإسلام.
فأما الأول: فمن محاسنه انتفاع المسلمين جميعاً بالتركة، وتفتيت المال بعد أن كان متجمعاً في ملكية واحد، وهو مطلب شرعي دون شك.
إلا أن فيه أموراً محظورة كثيرة، أهمها:
1 ـ إنه ذريعة لضياع جزء من التركة في ثنايا حصرها وتسليمها إلى بيت المال، ذلك أن كثيراً من المنقولات مما يصعب حصره، وإحصاؤه، وتسجيله، فتذهب هدراً أو غصباً من قبل العاملين على بيت المال.
2 ـ إنه ذريعة إلى التواني في الجد والعمل والكسب الحلال من قبل المورث، فإن المورث إن علم أن ماله لن يصل إلى أولاده وأقربائه، فإنه سيقصر دون شك في الكد والعمل وكسب المال الحلال، وهو مناقض للتقدم الحضاري، ومهدم للاقتصاد القومي، ومناف لمصالح المجتمع المتحضّر، هذا إلى ما فيه من ضرر عام بمشاعر الناس، وتطلعاتهم، ورغبتهم في أن كون ما جنوه لأهلهم المقرّبين وهو فطرة الله التي فطر الناس عليها، وإلى ما فيه من دفع غير مباشر للمورث الذي يحس بتقدم العمر، أو قرب الوفاة من إضاعة ماله، وصرفه في غير مواضعه، مما لا يعود عليه ولا على المجتمع إلا بأوخم العواقب.
وأما الثاني: فإن فيه تجميع ثروة الأسرة كلها في يد رجل واحد، لا تغادره إلى غيره، مما يجعله متسلطاً ومتحكماً في مصير الآخرين من أفراد الأسرة، الذين قد يبلغ عددهم العشرات أو المئات، وهو ما كان عليه الأمر في الجاهلية قبل الإسلام، وهو ما تستنكره العقول، لما له من أضرار اجتماعية واقتصادية فادحة.
لهذا كان الأقرب للفطرة والأوفق لمصالح المجتمع من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية، أن توزع التركة بين عدد من أقرباء المتوفى الذين يحبهم ويحرص على مصلحتهم، وهو ما عليه النظام الإسلامي.