ردود على شبهات حول المبادىء العامة لتوزيع التركة في التشريع الإسلامي
أثيرت حول نظام توزيع التركة في التشريع الإسلامي شبهات متعددة، الإسلام منها بريء، وما هي إلا تهم حاول أصحابها بها عن جهل منهم أو عن سوء مقصد، النيل من التشريع الإسلامي، وما دروا أنه صرح شامخ وصخرة عاتية، لا تؤثر فيها الرياح، ولا تهدها العواصف العاتية، ومن باب أولى أن لا تؤثر فيها التهم الواهية، ورحم الله الشاعر حيث قال:
كناطح صخرة يوماً ليوهنها |
|
فلم يضرّها وأوهى قرنه الوعل |
وإذا كان المجال هنا ليس مهيئاً للرد على كل الشبهات، لحقارتها من ناحية، ولانكشاف ضعفها وكذبها من ناحية أخرى، فإنه لا مانع من الرد على واحدة منها، وربما كانت هذه أوسعها انتشاراً، وأكثرها ثباتاً ـ في نظر أصحابها ـ.
وهي: أن الإسلام فارق في توزيع الميراث بين الأنثى والذكر على أساس الجنس فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وهو جور وظلم ـ على حد تعبير أصحاب هذه الشبهة ـ، وأنا لا أريد هنا أن أسند هذا إلى جنس معين من الناس، أو إلى طائفة خاصة منهم، ولكنني أرد عليه رداً موضوعياً من صميم أحكام الإرث في التشريع الإسلامي، دون النظر إلى قائله أو مروجه أنّى كان.
فالإسلام بريء من هذه التهمة بالكلية، وهو لم يفرّق في الإرث بين ذكر وأنثى على أساس الجنس مطلقاً.
نعم إن الإسلام فاضل بين الورثة في الإرث أحياناً، وسوّى بينهم فيه أحياناً أخرى، بل إنه أعطى بعضهم أحياناً، وحرم بعضهم منه بالكليّة أحياناً أخرى، فأعطى الرجال أحياناً وحرم النساء، وأعطى النساء أحياناً وحرم الرجال، وأعطى النساء أكثر من الرجال أحياناً، كما أعطى الرجال أكثر من النساء أحياناً.
ولكنه في ذلك كله كان منطلقاً من أسباب موضوعية بحتة، لا علاقة لها بالجنس مطلقاً، مثله في ذلك مثل الدولة تحابي الأطباء في أوقات الحرب، تشجيعاً لهم على بذل قصارى جهدهم في خدمة الجرحى، وتحابي المهندسين في أوقات السلم، ليبذلوا كل طاقاتهم في بناء الوطن.. وليس معنى ذلك أنها تحب الأطباء أكثر من غيرهم، أو تحب المهندسين أكثر من غيرهم، ولكن هذه المحاباة سببها أمر خارج عن طبيعة ذلك، ومرتبط بالحاجة إليهم.
وإنني لست هنا بصدد بيان هذه الأسباب الموضوعية بتفصيل، ولكنني بصدد نفي تهمة محاباة الرجل على حساب المرأة فقط.
لذا فإنني أورد أمثلة تطبيقية أثبت فيها أن الإسلام أعطى المرأة وحرم الرجل أحياناً، وأعطى الرجل وحرم المرأة أحياناً، وأنه أعطى المرأة أكثر من الرجل أحياناً، وأعطى الرجل أكثر من المرأة أحياناً، كما أورد أمثلة أعطى الإسلام فيها المرأة مثل الرجل تماماً، موضحاً أن القاعدة العامة في الإرث هي المساواة بين المرأة والرجل، وأن التفضيل بينهما طارئ، ومبني على أسباب موضوعية خارجة عن طبيعة الجنس.
1 ـ توفي رجل عن: أم، وأب، وزوج، وبنت، وبنت ابن.
التركة هنا تنقسم إلى (15) سهماً لبنت الابن منها سهمان، ولو كانت بنت الابن هنا ذكراً (ابن ابن) لما استحق شيئاً بإجماع الفقهاء.
2 ـ توفي رجل عن: أم، وبنتين، وبنت ابن.
التركة هنا تنقسم إلى خمسة أسهم، ليس لبنت الابن فيها حظ مطلقاً، ولو كانت ذكراً (ابن ابن) لكانت التركة من ستة أسهم، وكان لابن الابن فيها سهم واحد بالإجماع.
3 ـ توفيت امرأة عن: زوج، وأخ لأم، وأخت لأم.
التركة من سهمين، الأول للزوج، والثاني للأخ والأخت من الأم، بينهما مناصفة، الذكر والأنثى فيه سواء.
4 ـ توفيت امرأة عن: أب، وأم، وابن.
التركة من ستة أسهم، للأب منها سهم واحد، وللأم منها سهم واحد أيضاً، كالأب، لا فارق بينها وبينه في ذلك، رغم اختلافهما في الجنس ذكورة وأنوثة.
5 ـ توفي رجل عن: أب، وأم، وبنتين، وزوجة.
التركة من (27) سهماً، للبنتين منها (16) سهماً، ولو كانا ذكرين (ابنين) لكانت التركة من (24) سهماً، للابنين منها (13) سهماً، وهو أقل من حظ البنتين.
6 ـ توفي رجل عن: أم، وأب، وبنت.
التركة من (6) أسهم، للبنت منها ثلاثة أسهم، ولو كانت ذكراً (ابناً) لكان له فيها (4) أسهم، وهو أكثر من حظ البنت.
من ذلك ننتهي إلى أن التهمة الموجهة للتشريع الإسلامي، من تفضيل الذكر على الأنثى في الإرث باطلة من أصلها، وأن الأصل في الإرث المساواة بين المرأة والرجل، وربما حصلت المفاضلة بينهما، إلا أنها قائمة على أسباب موضوعية لا علاقة لها بالجنس، وهي مرة لصالح المرأة، ومرة لصالح الرجل على سواء، والله تعالى أعلم.