طبيعة خلافة الوارث عن المورث([1])
خلافة الوارث عن المورث في الفقه الإسلامي خلافة إجبارية، وهي السبب الوحيد من أسباب الملكية الإجبارية في الشريعة الإسلامية، لهذا فإنها لا ترتدّ بالرد، ولكن تقبل النقل بعد الثبوت، بأي من العقود الناقلة للملكية، كالبيع، والهبة، والإعارة...
وهي خلافة في الحقوق دون الواجبات، ذلك أن الوارث يخلف مورثه فيما في التركة من أموال أو حقوق تصح الخلافة فيها ـ حسب ما جاء في تعريف التركة ـ .
أما الديون التي عليه، فلا يخلفه فيها باتفاق الفقهاء، سواء أكانت ديوناً للعباد، أم ديوناً لله تعالى، إلا أن يتبرع هو بذلك.
ولكن ما هي طبيعة هذه الخلافة، أو طبيعة تعلق حق الورثة بالتركة، أهو تعلق كامل في عين المتروكات، أم تعلق ناقص بقيمة التركة؟
إذا كانت التركة غير مدينة، تعلّق حق الورثة بأعيان التركة تعلقاً كاملاً، فلا حق لأحد أياً كان أن يأخذها منهم مهما دفع من المال، إلا أن يوافقوا هم على ذلك، إذا كانوا أهلاً للتبرّع.
فإذا كانت التركة مدينة كان حق الدائنين متعلقاً بقيمة التركة دون أعيانها، أما حق الورثة فمتعلق بأعيان التركة أيضاً، ولهذا فإن للورثة تسديد الديون من أموالهم الخاصة، وعندها تسلم لهم التركة جبراً عن الدائنين، ولا خيار للدائنين في ذلك.
هذا ولا يُلزم الورثةُ بسداد الدين إلا في حدود قيمة التركة، لكن إذا كانت الديون تزيد عن التركة، لم تسلّم التركة للورثة بدفع قيمتها فقط، ولكن بدفع الدين كله، لتعلّق حق الغرماء بكامل الدين، فالورثة بالخيار هنا، بين دفع كل الدين وأخذ التركة، أو التخلي عن التركة للغرماء إذا طلبوا ذلك.
هذا في حق الورثة في التركة بعد وفاة المورث، وهل يثبت للورثة حق في التركة قبل ذلك؟
اتفق الفقهاء على أنه ليس للورثة حق في مال المورث مطلقاً إذا كان صحيحاً، فإذا مرض مرض الموت، تعلّق حق الورثة بماله، بل بثلثي ماله، لضعف ذمته بذلك المرض، وبقي الثلث خالياً عن أي حق لهم، لقوله صلى الله عليه وسلم : (إن الله تصدّق عليكم بثلث أموالكم زيادة في أعمالكم)([2]).
وهل هذا التعلق يكون في أعيان ثلثي التركة، أم في قيمة ذلك؟
اتفق الحنفية على أن حق الورثة يتعلق بمالية ثلثي التركة في حق الغرباء عن التركة دون أعيان هذين الثلثين، ولهذا، فإن للمريض قبل الوفاة أن يتصرف بماله كله مع الغرباء، ما دام هذا التصرف لا يؤثر في قيمة ثلثي التركة، كبيعه بثمن المثل، أما التصرف المؤثر في قيمتها، كالهبة، أو المحاباة في البيع، فيباح له في ضمن ثلث المال فقط إذا كان مع الغرباء، ويمنع فيما وراء الثلث، لتعلق حق الورثة.
وأما في التصرّف مع الورثة أنفسهم، فقد ذهب الصاحبان، إلى أن حق الورثة هنا يتعلق بمالية التركة أيضاً، ولهذا سووا في صحة التصرف، أو بطلانه، أو توقفه، بين أن يكون مع وارث، أم مع غريب عن التركة.
وذهب الإمام أبو حنيفة، إلى أن حق الورثة يتعلق بأعيان التركة في التصرف مع الورثة، على خلاف الغرباء، ولهذا لم يكن للمورث أن يبيع في مرضه شيئاً من التركة من أحد الورثة، ولو كان ذلك بثمن المثل، خلافاً للغرباء، كما تقدم.