أحكام متنوعة
تقدم بيان الأحكام العامة للمواريث، وهنالك حالات وأحكام خاصة، تعرض للقاضي، لا بد من دراستها، وبيان حكم الشارع فيها، وهي متعددة، أهمها:
1 ـ تعدد جهات القرابة.
2 ـ شروط استحقاق المقرّ له بنسب على الغير لم يثبت.
3 ـ شروط استحقاق الموصى له بما زاد عن الثلث.
4 ـ الحجب.
5 ـ العول.
6 ـ ميراث الحمل.
7 ـ ميراث الخنثى.
8 ـ ميراث المفقود.
9 ـ ميراث ولد الزنا.
10 ـ ميراث ولد اللعان.
11 ـ ميراث اللقيط.
12 ـ تركة من جهل تاريخ وفاتهم.
13 ـ التخارج.
14 ـ المناسخات.
1 ـ تعدد جهات القرابة:
إذا لم يكن للوارث إلا قرابة واحدة من المورث، فإنه يرث بهذه القرابة، بحسب ما تقدم من الأحكام، فإذا كان له قرابتان، وهذا ليس بقليل، وأمثلته كثيرة، فربما كان الزوج ابن عم، أو ابن خال، وربما كان الجد جداً لأب وجداً لأم في وقت واحد، وربما كان ابن العم هو ابن خالة أيضاً... فهل يرث بالقرابتين معاً، أم يرث بإحداهما دون الأخرى، وإذا كان كذلك، فبأي القرابتين يرث.
قسم الفقهاء ذلك إلى أقسام، فهو إما أن يكون مستحقاً لإرث بكل من القرابتين، وإما أن يستحق الإرث بواحدة منهما فقط دون الأخرى، وإما أن لا يستحق الإرث بواحدة منهما أصلاً، فإذا كان مستحقاً للإرث بكل من القرابتين بطريقة الفرض أو التعصيب، أو الفرض والتعصيب، كأن يكون زوجاً وابن عم مثلاً، أو أخاً لأم وابن عم، فإنه يعتبر وارثاً بهما معاً، ويستحق بكل من القرابتين إرثاً كاملاً، فإذا كان زوجاً وابن عم، أخذ النصف فرضاً، والباقي تعصيباً، وإذا كان أخاً لأم وابن عم، استحق السدس بالفرض، والباقي بالتعصيب...
وإذا كان مستحقاً للإرث بإحدى القرابتين دون الأخرى، بأن كان ابن عم وابن خالة مثلاً، أو ابن ابن ابن، وابن بنت بنت. أو جداً لأم وجداً لأب، فإنه يستحق الإرث بالقرابة التي تخوله الإرث، وتلغى قرابته الثانية، لعدم الإرث بها.
فإذا كانت قرابتاه لا تخولانه الإرث مطلقاً، كأن كان ابن خالة وابن عم، وللميت ابن ذكر، فإنه لا يستحق الإرث بأي من هاتين القرابتين، لوجود الابن، ولولاه، لكان له الإرث بالتعصيب فقط، هذا ما اتفق عليه الفقهاء، وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية السوري به، ونص عليه في المادة (263) منه، وكذلك القانون المصري في المادة (7) منه، إلا أن نص القانون السوري وقع فيه خطأ مادي، في رقم المادتين المحال عليهما وهما (272 و297) بدلاً من (271 و296).
2 ـ المقر له بنسب على الغير لم يثبت:
تقدم في أسباب الإرث، أن منها القرابة النسبية، والنسب يثبت من الأم بالولادة منها، ويثبت من الأب بالفراش، وبالشهادة، وبالإقرار، والإقرار هنا لا يثبت به النسب من الأب إذا كان فيه تحميل النسب على الغير، إلا إذا صادق المحمول عليه النسب عليه، فإن قال رجل لآخر: أنت أخي، فسئل الأب عن ذلك فلم يصدقه، فإن الأخوة هنا لا تكون صحيحة بهذا الإقرار، لما فيه من بنائها على الأبوة، ولا إلزام على الأب في قبولها ما دام لا يقرّ بها، ولم تقم البينة على إلزامه بها، على خلاف الإقرار بالبنوة من الأب، فإنه ليس فيه تحميل النسب على الغير، فيصح، إذا استكمل شرائطه الأخرى.
فإذا أقرّ إنسان لآخر بالأخوة أو العمومة... ولم يصادق على ذلك المحمول عليه النسب، ولم تقم بيّنة على إثبات المدعى به، لم يثبت النسب من المحمول عليه. ولكن يثبت من المقرّ فقط في حق المال، فإذا مات المحمول عليه النسب، لم يرثه المقرّ له، لعدم ثبوت نسبه منه، ولكن يشارك المقَرُّ له المقر في حصته الإرثية إن كان له حصة.
فإذا مات المقِرُّ، فإن كان له ورثة بالفرض أو التعصيب أو الرحم، استحقوا التركة، ولم يكن للمقر له حق فيها معهم، فإن لم يكن للمقر وارث مطلقاً، استحق المقر له هذا كل التركة، لشبهة النسب التي دل عليها الإقرار، وهذا مذهب الحنفية، وذهب الشافعية، إلى أنه لا إرث للمقر له هذا مطلقاً، لأن الإرث فرع من النسب، ولا استحقاق بدون نسب.
وقد أخذ قانونا الأحوال الشخصية السوري والمصري بمذهب الحنفية، كما سوف يأتي.
هذا وهنالك شروط لا بد منها لاستحقاق المقر له هذا، وهي:
1 ـ أن يكون في الإقرار حمل النسب على الغير، فإذا لم يكن كذلك، كان صحيحاً، يستحق به الإرث مباشرة.
2 ـ أن لا يثبت نسبه هذا بالبيّنة، أو بمصادقة المحمول عليه النسب، وإلا ثبت النسب واستحق الإرث بالنسب الثابت، فكان له فرض أو تعصيب أو رحم، بحسب النسب الثابت.
3 ـ أن لا يرجع المقر عن إقراره حتى موته، فإذا رجع المقر عن إقراره قبل وفاته، سقط الإقرار وألغي، وكأنه لم يكن، ولم يستحق به شيء من التركة.
4 ـ أن لا يقوم بالمقر له مانع من موانع الإرث، فإن كان قاتلاً، أو مخالفاً للمورث في الدين مثلاً، منع من الإرث لقيام المانع.
وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية السوري بذلك، ونصّ عليه في المادة (298) منه، كما أخذ به القانون المصري ونص عليه في المادة (41) منه.
وقد استدرك الدكتور مصطفى السباعي، في كتابه الشارح لقانون الأحوال الشخصية السوري، على القانون السوري، أنه أهمل النص على شرطين من شروط استحقاق المقر له هذا، وهما: أن يكون المقر له مجهول النسب، وأن يكون حياً وقت موت المقر، أو وقت الحكم بموته إن كان مفقوداً.
مع أن المادة (298) من القانون السوري المشار إليها، ذكرت الاستدراك الأخير ونصّت عليه في الفقرة الرابعة منها، ولعلّ الدكتور السباعي لم ينتبه لها، أو أن نسخته أغفلتها خطأ، وقد تأكد ذلك الخطأ في الكتاب المشترك مع الدكتور الصابوني. أما الاستدراك الأول، فلا أرى حاجة إليه، وبخاصة بعد أن التمس الدكتور السباعي للقانون العذر في إهماله، وهو أنه من شروط ثبوت النسب عامة، وليس خاصاً بالمقر له بنسب على الغير.
3 ـ الموصى له بما زاد عن الثلث:
تقدم أنه إذا لم يكن للمتوفى وارث بالفرض ولا بالتعصيب ولا بالرحم، ولا مقر له بنسب على الغير لم يثبت، كانت تركته للموصى له بما زاد عن الثلث إن وجد، ذلك أن الزائد عن الثلث في الوصية موقوف، وليس باطلاً، وهو موقوف على إذن الورثة، حرصاً على توفير مصلحتهم، فإذا لم يكن للمتوفى وارث، لم تتعرض مصلحة أي من الورثة للضياع، ولهذا تنفذ الوصية كلها هنا وإن استغرقت التركة كلها، أو ينفذ منها ما زاد عن الثلث، لأن ما دونه نافذ من الأول. فإذا أوصى مثلاً بثلثي ماله، نفذ الثلث أولاً لصحة الوصية، ونفذ الثلث الثاني هنا لانعدام الوارث، فإذا أوصى بكل ماله، نفذ الثلث أولاً لصحة الوصية، ونفذ الباقي منها لعدم الوارث.
وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية السوري بذلك، ونصّ عليه في المادة (262) منه كما نص عليه القانون المصري في المادة (4) منه.
4 ـ الحجب:
الحجب في اللغة المنع، ومنه سمي الستر حجاباً، لأنه يمنع المشاهدة، وكذلك حجاب المرأة سمي به، لأنه يمنع من رؤيتها.
والحجب في اصطلاح الفقهاء هنا هو: المنع من الإرث كلياً أو جزئياً مع قيام سببه، كابن الابن يحجب بالابن، والجد يحجب بالأب، وهكذا... وقد قيدنا بقيام السبب، لإخراج من لا يستحق الإرث أصلاً كالغرباء، فإنهم لا يسمون محجوبين، رغم عدم استحقاقهم الإرث، وذلك لعدم توفر سبب الإرث فيهم، وهو القرابة، أو النكاح، أو الولاء، كما تقدم.
أنواع الحجب:
الحجب على نوعين: حجب بالشخص، وحجب بالوصف:
* فأما الحجب بالشخص، فهو منع الوارث من الإرث بسبب وارث أقرب منه إلى الميت، وهو على قسمين أيضاً: حجب حرمان، وحجب نقصان:
أما حجب الحرمان فهو منع الوارث من الإرث بالكلية، كحجب الإخوة لأم بالفرع الوارث مطلقاً، وبالأصل المذكّر، وحجب الأخ لأب بالأخ الشقيق، وهكذا...
وأما حجب النقصان، فهو منع الوارث من أوفر حظيه إلى حظ أدنى، كحجب الأم من الثلث إلى السدس بالفرع الوارث، وبالعدد من الإخوة، وحجب الأب من السدس مع التعصيب إلى السدس فقط، بالفرع الوارث المذكر، وحجب بنات الابن من الثلثين إلى السدس بالبنت، وهكذا...
* وأما الحجب بالوصف، فهو المنع من الإرث بالكلية لقيام مانع من موانع الإرث، وهي كما تقدم ثلاثة:
الرق، والقتل، واختلاف الدين، ويسميه الفقهاء الحرمان، وهو لا يكون إلا كلياً، ثم إنه يفترق عن الحجب بالشخص، بأن المحجوب بالشخص يحجب غيره إذا تأتى فيه سبب الحجب، كما إذا كان للميت أم، وأب، وأختان لأم، فإن الأم هنا تحجب من الثلث إلى السدس بالأختين، مع أنهما محجوبتان بالأب.
أما المحجوب بالوصف (المحروم) فلا يحجب غيره مطلقاً، وكأنه غير موجود، كما لو توفي رجل عن: بنت ابن، وأم، وأب، وابن قاتل لأبيه، أو مخالف له في الدين، فإن لبنت الابن هنا النصف، ولا يحجبها الابن القاتل من الإرث، لا كلياً ولا جزئياً، لأنه محروم، وكذلك الأب، فإن له هنا السدس والتعصيب، ولا يحجبه الابن عن التعصيب لأنه محروم، ولو كان غير قاتل ولا مخالف في الدين لما كان لبنت الابن إرث مطلقاً، ولا كان للأب تعصيب، بل فرضه فقط.
وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية السوري بذلك، ونص عليه في المادتين (281 ـ 282) منه، كما أخذ به القانون المصري في المادتين (23 ـ 24) منه.
5 ـ العَوْل:
العول في اصطلاح الفقهاء هنا: زيادة في السهام نقص في مقاديرها، وذلك بأن تزيد سهام الورثة من أصحاب الفروض عن أصل المسألة، مثل أن يكون في الورثة: زوج، وأم، وأب، وابنتان، فإن أصل المسألة من (12) للزوج منها الربع، وهو ثلاثة، وللأم السدس وهو اثنان، وللأب السدس وهو اثنان، وللبنتين الثلثان وهما ثمانية، فيكون مجموع السهام (15) هي أكثر من (12) من أصل المسألة، هذا بالإضافة إلى عدم استحقاق الأب شيئاً بالتعصيب.
ولقد وقف الصحابة ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ من العول حائرين، وذلك لعدم وقوعه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا في زمن أبي بكر، فهم لا يدرون أي وارث يمنعون من الإرث، لأنهم جميعاً مستحقون لفروضهم بالنصوص الشرعية، وبعد مذاكرات طويلة بينهم، انتهوا إلى رأيين:
* الرأي الأول وقد اتجه إليه جماهير الصحابة، وهو أن ينقص من حصة كل وارث بمقدار نصيبه، دون حجب واحد منهم، وذلك باستبدال عدد السهام بأصل المسألة واعتبارها أصلاً لها بدلاً منه، وقد أجمع الصحابة على ذلك الرأي في عهد عمر بن الخطاب، ولم يخالف منهم أحد، وبهذا أخذ الأئمة الأربعة وجماهير الفقهاء، وبه أخذ قانون الأحوال الشخصية السوري ونص عليه في المادة (273) منه، وكذلك القانون المصري في المادة (15) منه.
* الرأي الثاني تفرّد به ابن عباس، وأعلنه بعد وفاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعندما سئل عن سبب سكوته في عهد عمر، قال: كان مهيباً فهبته، وقد ذهب ابن عباس في رأيه هذا إلى أن كل وارث يعطى فرضه، إلا البنات والأخوات، فإنهن يعطين بدلاً من فرضهن الباقي بالتعصيب، فيكون النقص كله داخلاً في نصيبهن، ففي المسألة السابقة يعطى الزوج الربع، وهو ثلاثة أسهم، والأم السدس سهمان، والأب السدس سهمان، ويعطى الباقي وهو خمسة أسهم للبنات، بدلاً من ثمانية أسهم، هي حقهن بالفرض.
6 ـ ميراث الحمل:
إذا كان بين الورثة حمل لم يولد بعد عند وفاة المورث، كأن تكون زوجة الميت حاملاً عند وفاته، أو تكون زوجة أخيه كذلك، وليس هنالك من الورثة من يحجب هذا الجنين عن الإرث لو كان مولوداً عند وفاة هذا المورث... أفيعد هذا الجنين مولوداً حكماً؟ ويحسب له حساب في الميراث؟ أم يجعل كأنه لم يكن، ويهمل بالكلية من الحساب في توزيع التركة؟
اتفق الفقهاء على أن الجنين كالمولود الحي تماماً في استحقاق الإرث من مورثه، إذا ما مات هذا المورث وهو بعد جنين في بطن أمه، إلا أن لذلك شروطاً لا بد من توافرها في الجنين، وإلا لم يستحق شيئاً في الميراث، وهي:
أ ـ أن تكون حياته في بطن أمه محققة عند موت مورثه، ولتوفير ذلك شروط سوف نفصلها.
ب ـ أن ينفصل عن أمه حياً، كله أو أكثر، حقيقة أو تقديراً، ولذلك تفصيل أيضاً.
جـ ـ أن تكون حياته محققة عند موت مورثه:
هذا شرط من شروط الإرث عامة، فلا إرث لميت أصلاً، كما أنه لا ميراث لمن لم تكن حياته محققة بدليل، ولهذا امتنع التوارث بين الحرقى والهدمى الذين جهل تاريخ وفاتهم.
إلا أن لهذا الشرط تطبيقات وشروطاً خاصة، هي:
1 ـ أن يولد لأقل من أكثر مدة الحمل، من تاريخ وفاة المورث، وهي سنتان هجريتان عند الحنفية، وأربع سنوات هجرية عند الشافعية، أما قانون الأحوال الشخصية السوري فقد جعلها سنة ميلادية، ونص على ذلك في المادتين (128) و(300) منه، وكذلك القانون المصري في المادة (43) منه، فإذا ولد لأكثر مدة الحمل، أو بعد أكثر مدة الحمل من تاريخ وفاة المورث، لم يرث بالاتفاق، لتيقن عدم وجوده عند وفاة المورث.
2 ـ أن يولد لأقل من أقل مدة الحمل، من تاريخ وفاة المورث، وهي ستة أشهر باتفاق الفقه والقانون، هذا إذا كانت أمه الحامل به ذات زوج عند موت المورث، وهذا لا يتأتى في الابن والبنت، ولكن في العم، وابن الابن، والأخ... فإذا توفي رجل عن زوجة، وأم حامل، فإن كان للأم الحامل زوج حي عند وفاة ابنها، فإن ولدت لأقل من ستة أشهر من تاريخ وفاة ابنها، استحق المولود الإرث، وإن ولدت لستة أشهر فأكثر لم يستحق المولود شيئاً من الإرث، لعدم تيقن حياته عند موت المورث، لإمكان العلوق بعدها.
فإن كانت الحامل ليست ذات زوج عند موت المورث، بأن كانت مطلقة بائناً، أو متوفى عنها، زوجة للميت كانت أم غيرها، استحق مولودها الإرث من المورث، إذا ولد لأقل من أكثر مدة الحمل، ولو كان ذلك بعد ستة أشهر، بشرط أن لا تكون الحامل قد أقرت قبل ذلك بانقضاء عدتها في زمن تصدق فيه بإقرارها، فإن أقرت بانقضاء حملها في زمن تصدق فيه، ثم ولدت، فإن كان مولودها لستة أشهر فأكثر من وفاة المورث، لم يرث شيئاً، وإن كان لأقل من ستة أشهر من وفاة المورث ورث الحمل، واعتبرت كاذبة في إقرارها، لاستحالة الولادة قبل ستة أشهر، هذا ما لم يقرّ الورثة بوجود الحمل عند وفاة المورث، وإلا ورث الحمل ولو كان ذلك بعد ستة أشهر، لإقرارهم به، ما دام ذلك قبل أكثر مدة الحمل. هذا مذهب الحنفية.
وقد عدل القانون المصري عنه في بعض الصور، فنص في المادة (43) منه، على أن الحمل يرث إذا ولدته أمه لأقل من (270) يوماً أي تسعة أشهر إذا كانت زوجيتها قائمة، ولأقل من سنة شمسية وحتى نهاية مدة الحمل، إذا كانت أرملة أو مطلقة، وهو مخالف لما تقدم من مذهب الحنفية، كما أنه نص على أن الحامل إذا كانت زوجة للمورث، فإن حملها يرث منه إذا وضعته لأقل من سنة مطلقاً، وهو مخالف لمذهب الحنفية، الذين يشترطون لذلك عدم إقرارها بانتهاء العدة، إلا أن يقر الورثة به.
أما قانون الأحوال الشخصية السوري، فقد اكتفى بالمادة (300) منه، بالنص على ما يلي:
"إذا توفي الرجل عن زوجته أو معتدته، فلا يرثه حملها إلا إذا ولد حياً ثابت النسب بالشرائط المبينة لثبوت النسب في هذا القانون"، وهذه الشرائط منصوص عليها في المواد (128 ـ 133) منه.
وهو كما يرى مجمل ليس فيه تفصيل، على خلاف القانون المصري، ولهذا فإنه يجب الرجوع في تفصيل ذلك إلى الراجح من مذهب الحنفي وفق المادة (305) منه، وقد تقدم ذلك، ثم إنه نص على توريث الحمل إذا كان من المورث، ولم ينص على الحمل الذي من غيره، كالأخ وابن الابن.. والواجب هنا الرجوع إلى الراجح من المذهب الحنفي أيضاً، وهو التسوية بين الحمل الذي منه والحمل الذي من غيره ما دام مستوفياً للشروط السابقة.
ولا يجوز في هذه الحال أبداً الرجوع إلى القانون المصري المخالف في بعض صوره لمذهب الحنفية كما سبقت الإشارة إليه، وذلك مراعاة للمادة (305) من قانون الأحوال الشخصية السوري.
إلا أنه لا بد من الإشارة إلى أن المادة (131) من القانون السوري عدلت عن مذهب الحنفية، ونصّت على أن النسب يثبت بالولادة لأقل من سنة شمسية ولو أقرّت الحامل بانقضاء عدتها قبل ذلك، ما دامت ولادته لأقل من ستة أشهر من تاريخ الإقرار، مما يستتبع الحكم لهذا الجنين بالإرث.
3ـ أن يولد حياً حقيقة أو تقديراً، كله أو أكثره:
يشترط لاستحقاق الحمل الإرث أن يولد حياً، والحياة الحقيقية بظهور أمارة من أمارات الحياة، كالصوت أو الحركة، فإذا ولد الجنين وظهر منه بعد ولادته ما يفيد قيام الحياة فيه، بأن تحرك، أو أظهر صوتاً كالبكاء مثلاً، وهو الاستهلال، ورث، ولا يضرّه أن يموت بعد ذلك بدقيقة واحدة. لأن الشرط قيام الحياة، وليس استمرارها، فإذا ولد ميتاً، لم يستحق شيئاً من الإرث، وكأنه لم يكن، ولا عبرة لما كان فيه من الحياة في بطن الأم، لأنها غير متيقنة.
أما الحياة الحكمية، فبأن يسقط ميتاً بجناية على أمه، كأن يضربها إنسان على بطنها فتسقط جنيناً ميتاً، فإنه يعتبر حياً في الحكم ويرث، إذا استجمع شروط الإرث الأخرى، هذا مذهب الحنفية، وخالف الشافعية وقالوا: الساقط بجناية ميت حقيقة، فلا إرث له([1]).
ثم إذا ولد أكثر الولد وفيه أمارات الحياة، ثم مات قبل خروج باقيه، اعتبر حياً، وورث، إقامة للأكثر مقام الكل، فإذا ولد أقله حياً، ثم مات قبل خروج باقيه، لم يرث شيئاً، للقاعدة السابقة، وهذا مذهب الحنفية أيضاً، وذهب الشافعية إلى أنه لا يرث إلا إذا ولد كله حياً([2]).
وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية السوري في هذا بمذهب الشافعية، وهو المفهوم من المادة (300) منه، وإن لم يكن ذلك بصريح العبارة.
مقدار ميراث الحمل:
ذهب الفقهاء إلى أنه إذا كان في الورثة حمل، استمهلوا في توزيع التركة إلى ولادته، فإن رضوا بذلك فهو الأولى، وإن أبوا إلا قسمة التركة، أجيبوا إلى طلبهم، فأعطى كل منهم حصته وأوقفت حصة الحمل إلى ولادته، فإن ولد ميتاً ردت إلى باقي الورثة، وإن ولد حياً مستوفياً الشروط السابقة، دفعت حصته الموقوفة إليه، وذهب بعض الحنفية إلى أن الورثة يجبرون على الانتظار إلى ولادته إذا كانت قريبة، وقدر بعضهم القرب بشهر وما دونه، فإذا كانت أكثر من ذلك، وزعت التركة بينهم، وأوقف حق الحمل كما تقدم، والقول الأول هو الأظهر لدى الحنفية.
هذا إذا كانت حصة الورثة أو بعضهم متأثرة بالحمل قطعاً، ذكراً كان الحمل أم أنثى، واحداً أم أكثر، كما إذا توفي مورث عن زوجة حامل، وأم، فإن حصة الزوجة متوقفة على ولادتها، فإن ولدته جنيناً حياً ورثت الثمن وإن ولدته ميتاً استحقت الربع، وكذلك الأم، فإن لها الثلث بدون الفرع، والسدس مع الفرع.
أو كانت حصة الورثة أو بعضهم محتملة التأثر بالحمل، احتمالاً غير مقطوع به، كأن تتوفى امرأة عن: زوج، وجد، وأم حامل، فإن حصة الأم هنا متوقفة على ولادتها، فإن ولدت جنيناً واحداً كان فرضها الثلث، وإن ولدت توأمين فأكثر، كان فرضها السدس، وكذلك الجد، أما الزوج، فلا يتأثر فرضه بالحمل هنا مطلقاً، وهو النصف.
فإن كانت حصة الورثة غير متأثرة بالحمل بقطع، كأن يتوفى إنسان عن ابنين، وأب، وأم حامل، فإن التركة هنا لا تتوقف على ولادة الحمل، ولكن توزع فوراً، لأن الحمل لا يرث في هذه الحال أصلاً، ولا أثر له على حصة الورثة مطلقاً.
لكن كم يوقف للحمل إذا كان له أثر على حصص الورثة، أو احتمال أثر عليها، أيوقف له حصة ذكر، أم حصة أنثى، ثم أيوقف له حصة واحد، أم حصة توأمين، أم أكثر من ذلك، فإن ذلك محتمل كله فيه.
أما من حيث العدد، فقد اختلف الفقهاء فيه على أقوال، فذهب أبو يوسف من الحنفية، إلى أنه يوقف له حصة واحد فقط، لأنه الغالب، وعليه الفتوى في المذهب، وذهب محمد بن الحسن، إلى أنه يوقف له حصة اثنين، لأن التوأمين كثير أو ليس نادراً، وذهب أبو حنيفة، إلى أنه يوقف له حصة أربعة، لأن الأربعة ليس بنادر جداً، وهو الراجح لدى الشافعية([3]).
وقد ذهب قانون الأحوال الشخصية السوري، إلى الأخذ بمذهب أبي يوسف، فنص في المادة (299) منه على أن يوقف للحمل حصة واحد لا غير، كما نص القانون المصري عليه أيضاً في المادة (42).
أما من حيث الذكورة والأنوثة، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يوقف له أوفر النصيبين، فيفرض مرة ذكراً ومرة أنثى، ثم يوقف له الأوفر من ذينك، هذا إذا كان ميراث غيره يتأثر بجنسه، وإلا دفع للوارث حصته، وأوقف له الباقي. مثل أن يتوفى رجل عن زوجة حامل، فإن للزوجة هنا الثمن مطلقاً، سواء أكان الحمل أنثى أم ذكراً، فتعطى ثمنها، ويوقف للحمل الباقي، لأن الحمل إذا كان ذكراً استحق هذا الباقي بالعصوبة، وإن كان أنثى استحقه بالفرض والرد.
وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية السوري بذلك، ونص عليه في المادة (299) منه، كما نص عليه القانون المصري أيضاً في المادة (42) منه.
فإذا ولد الحمل موافقاً لما وقف له من حيث العدد، ومن حيث الجنس، دفع له ما وقف له، وإن كان مستحقاً لأقل مما وقف له، أخذ حصته مما وقف له، وردّ الباقي لباقي الورثة، فإن كان مستحقاً لأكثر مما وقف له، أخذ ما وقف له، وعاد على الورثة بباقي حصته.
ولهذا فقد اشترط أبو يوسف لتوزيع التركة قبل ولادة الحمل، أخذ كفيل من الورثة، يضمن رد الباقي للحمل، إذا ظهر مستحقاً لأكثر مما وقف له، وقانون الأحوال الشخصية السوري، وإن لم ينص على وجوب الكفيل هذا، إلا أنه يعتبر واجباً فيه أيضاً، لأنه الراجح من مذهب الحنفية، وذلك تطبيقاً للمادة (305) منه:
فإذا توفيت امرأة عن: زوج، وأم حامل من أب المتوفى، استحق الزوج النصف، والأم الثلث، وأوقف للحمل النصف، وعالت المسألة، وذلك على اعتبار أنه أنثى، وهو أحظ هنا مما لو اعتبر ذكراً، فإن ولد أنثى، استحق ما وقف له، وإن ولد ذكراً، استحق السدس هنا فقط بالتعصيب، ورد الموقوف الباقي من النصف إلى الأم والزوج، فإن ولدت توأمين من الذكور، عدنا على الأم بنصف نصيبها، لأن نصيبها مع الأخوين السدس لا الثلث، فكان النصف للزوج، والسدس للأم، والثلث وهو الباقي للأخوين التوأمين تعصيباً...
7 ـ ميراث الخنثى:
الخنثى هو الإنسان الذي خفي جنسه، فلم يعلم أذكر هو أم أنثى، وذلك لاحتوائه على الجهازين التناسليين، للذكر والأنثى، أو لخلوّه عن الجهازين المذكورين بالكلية، وهو وإن كان قليلاً في المجتمعات، إلا أنه موجود فيها على كل حال، ولهذا كان لا بد من بيان حكمه ومقدار إرثه.
وقد قسم الفقهاء الخنثى هذا من حيث حصته الإرثية إلى قسمين:
ـ خنثى مشكل: وهو من استوى فيه حالا الذكورة والأنوثة، ولم يترجح أحدهما على الآخر.
ـ خنثى غير مشكل: وهو من ترجح فيه جانب الذكورة، أو جانب الأنوثة.
فإذا كان الخنثى غير مشكل، فإن ترجح جانب الذكورة فيه عدّ ذكراً، وصرف له من الميراث حصة ذكر، وإن ترجح فيه جانب الأنوثة، صرف له حصة أنثى، اعتباراً بالغالب من حاليه.
فإن كان خنثى مشكلاً، فقد اختلف الفقهاء في نصيبه الإرثي على آراء:
فذهب الحنفية، إلى أنه يعطى أدنى حظيه، باعتباره ذكراً أو أنثى، ويعطى باقي الورثة أحسن الحظين، هذا إذا كان نصيبه ونصيب بقية الورثة يتأثر بجنسه، وإلا فلا إشكال.
فلو مات رجل عن: زوجة، وأم، وأخت شقيقة خنثى مشكل، كان للزوجة الربع لعدم الفرع الوارث، وللأم الثلث لعدم الفرع الوارث وعدم العدد من الإخوة أو الأخوات، وللخنثى هنا الباقي بالعصوبة على اعتبار كونه ذكراً، لأنه لو فرض أنثى، كان له النصف، وهو أكبر من العصوبة هنا.
وذهب المالكية إلى أن الخنثى المشكل يعطى الوسط بين نصيبي الذكر والأنثى، فيحسب ذكراً مرة وأنثى مرة، ثم يعطى المتوسط بين النصيبين، وهو نصف مجموع النصيبين.
أما الشافعية والحنبلية، فذهبوا إلى أن الخنثى المشكل، يعطى أقل النصيبين، كالحنفية، إلا أنهم قالوا: ويعطى باقي الورثة الأقل من النصيبين أيضاً، ويوقف الباقي إلى ظهور حاله، فإذا لم يظهر حاله، اصطلح الورثة على المقدار الموقوف، وقسموه بينهم بالاتفاق، إلا أن الحنبلية اشترطوا لذلك أن يرجى كشف حاله، فإذا كان ميؤوساً من كشف حاله، أعطي نصف النصيبين كالمالكية.
ولم يتعرض قانون الأحوال الشخصية السوري لميراث الخنثى، ولهذا فإنه يجب الرجوع فيه إلى الراجح من مذهب الحنفية، وقد تقدم، أما القانون المصري، فقد نص على ميراث الخنثى وفقاً لمذهب الحنفية المتقدم، وذلك في المادة (46) منه.
8 ـ ميراث المفقود:
المفقود في اصطلاح الفقهاء هو الغائب الذي لا يدرى مكانه، ولا تعلم حياته ولا وفاته([4]):
وقد عرَّف قانون الأحوال الشخصية السوري المفقود في المادة (202) منه، ونصها: "المفقود هو كل شخص لا تعرف حياته أو مماته، أو تكون حياته محققة ولكن لا يعرف له مكان". وهو مخالف لما تقدم من تعريفه لدى الفقهاء، حيث أدخل القانون فيه من علمت حياته ولم يعرف له مكان، مع أن هذا ليس مفقوداً عند الفقهاء، ولكنه إنسان حي مجهول الإقامة، وهو غير المفقود بالكلية...
كما ألحق قانون الأحوال الشخصية السوري بالمفقود، بموجب المادة (203) الغائب الذي منعته ظروف قاهرة من الرجوع إلى مقامه، أو إدارة شؤونه بنفسه، أو بوكيل عنه، مدة أكثر من سنة، وتعطلت بذلك مصالحه أو مصالح غيره. وهذا الإلحاق إن جاز في إقامة وكيل قضائي عنه، فلا يجوز في حقه استحقاقه للإرث، أو توزيع تركته، والقانون لم يخصّه بذلك، وكان حرياً به أن يخصه به.
وقد اتفق الفقهاء على أن أموال المفقود لا تعتبر ميراثاً عنه، حتى يتحقق من وفاته بالطرق الشرعية المعتادة للإثبات، أو يحكم بموته، فإذا حصل ذلك وزعت تركته على ورثته الموجودين يوم موته، إذا ثبت ذلك بالطرق الشرعية، أو يوم الحكم بوفاته إذا لم تثبت وفاته حتى حكم القاضي بموته.
هذا في حق أمواله، وأما حقه في تركة من توفي من أقاربه أثناء غيابه، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى وجوب إيقاف حصته، من تركة كل من توفي من أقاربه، الذين يستحق في تركتهم إرثاً، لو كان موجوداً، فإذا عاد حياً بعد ذلك، تسلم ما أوقف له، وإذا لم يعد حياً، ولكن ثبتت وفاته بالطرق الشرعية بعد وفاة مورثه، وزع ما أوقف له على ورثته الموجودين يوم وفاته.
فإذا لم يعد حياً ولم تثبت وفاته، حتى حكم القاضي بموته، رد ما أوقف له على ورثة مورثه، ولم يعتبر ميراثاً عنه في مذهب الجمهور، وكذلك إذا ثبتت وفاته قبل وفاة مورثه، فإنه يرد ما أوقف له على ورثة مورثه بالإجماع، دون ورثته هو، لعدم استحقاقه لما أوقف له، وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية السوري بذلك، ونص عليه في المادة (202) منه، كما نص عليه القانون المصري في المادة (45) منه.
هذا وقد اختلف الفقهاء في تاريخ الحكم بوفاة المفقود، إذا لم تثبت وفاته بالطرق الشرعية، إلى مذهبين.
ـ فذهب الجمهور إلى أنه لا يحكم بوفاته حتى يموت أقرانه، وهو من كان في سنه من أبناء بلده أو حارته.. وقد قدر بعض الفقهاء ذلك ببلوغه سن مئة وعشرين سنة، وبعضهم قدره ببلوغه الثمانين، وبعضهم أدنى من ذلك.
ـ وذهب بعض الفقهاء إلى أن تقدير وفاته يترك للقاضي، بحسب ظروف الحال، وهو مذهب الشافعية.
وقد اتجه قانون الأحوال الشخصية السوري إلى مذهب الجمهور، ونص في الفقرة الأولى من المادة /205/ منه على أنه يحكم بوفاته عند بلوغه الثمانين من العمر، وذلك إذا لم يثبت أنه مات قبل ذلك بالطرق الشرعية.
وقد استثنى القانون السوري المفقودين بسبب العمليات الحربية، أو الحالات المماثلة المنصوص عليها في القوانين العسكرية النافذة، والتي يغلب فيها الهلاك، فأجاز الحكم بوفاتهم بعد أربع سنوات من تاريخ فقدانهم، ونص على ذلك في الفقرة الثانية من المادة (205) المتقدمة.
أما القانون المصري، فقد اتجه إلى قول الفقهاء الثاني، فأوكل أمر الحكم بموت المفقود إلى القاضي، إلا في الحالات التي يغلب فيها الهلاك، فإنه يحكم بموته فيها بعد أربع سنوات من فقده، كالقانون السوري، ونص على ذلك في المادة (21) من القانون رقم (25) لعام 1929.
فإذا ظهر المفقود حياً بعد الحكم بوفاته واقتسام تركته، فإنه يسترد ما كان له من أموال، وما استحق من إرث من أقاربه المتوفين قبله، من أيدي الورثة، إن كان قائماً، فإذا هلك أو استهلك، لم يسترد منهم شيئاً، ولا يضمنهم قيمته، لأنهم تصرفوا به بحكم القاضي وتفويضه.
وقد نص على ذلك قانون الأحوال الشخصية السوري في المادة (302) منه، وكذلك القانون المصري في المادة (45) منه.
هذا ما يتعلق بالمفقود في حق أمواله وتركته، أما ما يتعلق بزوجته، فإنها تبين منه بالحكم بموته هذا أيضاً، وتستحق إرثها في تركته، وتعتد عدة الوفاة، ولها أن تتزوج بغيره بعد انقضاء العدة، فإذا جاء المفقود بعد ذلك، فإنها له ما لم يدخل بها الزوج الثاني، فإذا دخل بها الزوج الثاني، كانت له، وانقطعت زوجيتها من الأول، في مذهب جمهور الفقهاء، هذا ما لم يكن زوجها الثاني عالماً بحياة الأول عند زواجه منها، وإلا بطل العقد من أساسه.
وهل لزوجة المفقود طلب التفريق منه قبل الحكم بوفاته بحسب ما تقدم؟ الفقهاء على آراء متعددة ليس هذا محل تفصيلها، ولكن محله فرق الزواج، وطرق انحلاله، وقد عالج قانون الأحوال الشخصية السوري ذلك بالمادة (109) فليرجع إليها عند الحاجة.
9 ـ ميراث ولد الزنا:
تقدم في أسباب الإرث، أن منها النسب، والزنا يثبت به النسب من الأم فقط، ولا يثبت به أبوة الزاني لولد الزنا، إلا إذا اعترف به دون بيان أنه من الزنا، فإذا قال الزاني لولد الزنا: هذا ابني، ثبت نسبه منه، فإذا قال: هو ابني من الزنا، أو لم يقرّ به مطلقاً، لم يثبت نسبه منه.
فإذا ماتت المزني بها، ورث ولد الزنا منها، باعتبار أن نسبه متصل بها بالولادة، وكذلك كل أقاربها، فإنه يرث منهم ويرثون منه، لقيام النسب، أما الزاني، فلا توارث بينه وبين ولد الزنا، فلا يرث الولد الزاني، ولا أقاربه، ولا يرث الزاني ولا أقاربه ولد الزنا.
وذلك لانقطاع النسب، هذا ما لم يقر به الزاني، بدون بيان أنه من الزنا، كما سبقت الإشارة إليه، وإلا ثبت النسب، وجرى التوارث بينهما مطلقاً، للإقرار، وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية السوري بذلك، ونص عليه في المادة (303) منه، كما أخذ به القانون المصري في المادة (47) منه.
10 ـ ميراث ولد اللعان:
ولد اللعان، هو الولد الذي نفاه أبوه، وقطع نسبه عنه بالملاعنة أثناء قيام الزوجية، واللعان يقطع نسب المولود عن أبيه، ولا يقطعه عن أمه، فيكون مثل ولد الزنا في الإرث تماماً، يرث من أمه وأقاربها ويرثونه لثبوت نسبه منها، ولا يرث من أبيه وأقاربه ولا يرثونه، لانقطاع نسبه عنه، هذا وللملاعنة شروط، لا بد من توافرها، ومحل تفصيل ذلك في فرق الزواج، وطرق انحلاله، وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية السوري بذلك في المادة (303) منه، كما أخذ به القانون المصري في المادة (47) منه.
11 ـ ميراث اللقيط:
اللقيط هو الإنسان الذي لا يعرف له أم ولا أب، بأن وجد صغيراً في الشارع أو نحو ذلك، ثم تعهده إنسان رجل أو امرأة بالرعاية حتى كبر، فإنه لا ميراث له من أحد، ولا يرثه أحد بحق القرابة، لانقطاع نسبه، كما توضع تركته في بيت المال، على أنها مال لا مالك له، فإذا تزوج ورثه زوجه بحق العقد رجلاً كان أو امرأة، ولا يرثه من تعهده بالرعاية والتربية في قول الجماهير من الفقهاء، لأن ذلك ليس سبباً من أسباب الإرث، فإذا تبناه مربيه مع الإقرار بأنه لقيط، كان تبنيه هذا باطلاً في الفقه والقانون، إلا أن المربي إذا أقر ببنوته المطلقة، واستجمع الولد شروط الإقرار بالبنوة، من جهالة النسب، واحتمال السن، وما إلى ذلك، ثبتت بنوته منه، وورث منه بسبب هذه البنوة. وقد نص قانون الأحوال الشخصية السوري على ذلك في المواد (134 ـ 136).
12 ـ تركة من جهل تاريخ وفاتهم:
تقدم في شروط الإرث، أن منها موت المورث، وثبوت حياة الوارث عند موت المورث، فإذا حدث أن توفي اثنان معاً بينهما سبب من أسباب الإرث، من قرابة أو زوجية، بأن خرجت روحهما في لحظة واحدة، أو جهل تاريخ وفاتهما ولم يعرف المتوفى أولاً من المتوفى بعده، حتى اعتبرا متوفيين معاً حكماً، كأن توفيا في حادث سقوط طائرة، أو غرق سفينة، أو حريق مدمر.. لم يرث أحدهما من الآخر، لانتفاء شرط الإرث المتقدم، ولكن يرث كلاً منهما ورثته الآخرون، هذا إذا لم يعلم وفاة الأول من الثاني، فإذا علم ذلك، ورث الثاني الأول بالاتفاق، ثم ورث الثاني ورثته الآخرون، ولو كانت وفاته بعد الأول بثانية واحدة، لتحقق شرط الإرث المشار إليه.
وقد سكت قانون الأحوال الشخصية السوري عن بيان ذلك اكتفاء منه بما تم بيانه في شروط الإرث في المادة (260) منه، واعتماداً على ما جاء من تفصيلات لذلك في مذهب الحنفية الذي هو المرجع في كل ما سكت عنه القانون، وفقاً للمادة (305) منه.
13 ـ التخارج:
التخارج هنا هو أن يخرج بعض الورثة البعض الآخر من التركة، بمقابل شيء معلوم من المال، يدفعونه إليهم، مقابل حصتهم فيها، أي أنه شراء بعض الورثة حصة بعض بثمن معين، وذلك قبل قسمة التركة، فإذا تم ذلك بعد قسمتها، فهو بيع، وليس مخارجة.
وقد عرف قانون الأحوال الشخصية السوري التخارج في المادة (304) منه بقوله "التخارج هو أن يتصالح الورثة على إخراج بعضهم من الميراث على شيء معلوم". كما عرفه القانون المصري في المادة (48) منه بالتعريف نفسه.
والتخارج فاسد على القياس، لأنه بيع المجهول جهالة فاحشة مؤدية للنزاع، فإن الخارج عن حصته في التركة من الورثة، لا يدري بدقة ما يكون له فيها من المال قبل القسمة. إلا أن الفقهاء اتفقوا على صحة المخارجة هنا استحساناً، بشرط أن يكون ذلك بين الورثة فقط، فإن كان المشتري للحصة من خارج الورثة لم تصح المخارجة.
صور التخارج وطرق حلها:
للتخارج صور متعددة،نص قانون الأحوال الشخصية السوري في المادة (304) منه على أهمها، وهي ثلاثة:
1 ـ أن يتفق أحد الورثة أو بعضهم مع وارث آخر أو بعض الورثة، على التنازل عن حقه له، بمقابل مبلغ من المال يدفع إليه من ماله الخاص من خارج مال التركة، وفي هذه الحال تحسب التركة وتصفى وتوزع كما إذا لم يكن فيها تخارج، ثم تصرف حصة من باع حصته إلى من اشتروها منه، دون غيرهم من سائر الورثة. كل منهم على حسب ما دفع من المال.
2 ـ أن يتفق أحد الورثة أو بعضهم مع باقي الورثة جميعاً، على التنازل عن حصتهم لهم، بمقابل مبلغ من المال، من خارج التركة، يدفعونه لهم. وفي هذه الحال يعمل كما عمل في المثال الذي قبله تماماً، فتقسم التركة كما إذا لم يكن فيها مخارجة، ويحل المشترون للحصص محل البائعين لها، ثم يتقسمونها بينهم بحسب ما دفع كل منهم من المال.
3 ـ أن يتفق أحد الورثة أو بعضهم مع باقي الورثة جميعاً، على التنازل عن حصتهم لهم، مقابل جزء من مال التركة، يختصون به، كعقار، أو مبلغ من النقود... وهنا تصفى التركة، وتقسم، كما إذا لم يكن فيها مخارجة، ثم تقسم حصة الورثة البائعين لحصتهم، بين الورثة المشترين لها، كل على قدر حصته في التركة.
14 ـ المناسخات:
كثيراً ما يتوفى الإنسان ولا تقسم تركته قبل مضي مدة من الزمن، قد تطول إلى سنين كثيرة، وتبقى على حالها يعيش فيها أولاده وأحفاده وإخوته، فتزيد قيمتها أو تنقص، ثم يموت بعض الورثة، أو كلهم، ويأتي بعدهم ورثة جدد، وربما مات بعضهم عن وارث، والآخرون من غير وارث، فتتعقد الأمور وتتشابك، ويكثر الورثة، وتختلف حصصهم، بحسب قربهم من الوارث الأول وبعدهم عنه، وبحسب عدد الذين يرثون عن طريقهم، فربما كان بعضهم وارثاً مباشراً للمتوفى الأول، وكان الآخرون وارثين عن طريق ورثة هذا المورث المتوفين بعده.
ثم يزمع الجميع أو من بقي منهم على قيد الحياة، على قسمة التركة الأولى، ولا بد حينئذ من إحصاء التركة يوم توفي المورث الأول، فإذا كان بعض المال قد استهلك أو أتلف، كان ضمانه على من أتلفه أو استهلكه، فإذا تجمع المال وأُحصي وقُوّم، عمدنا إلى الورثة، نحصيهم يوم وفاة المورث، ونحصي من مات منهم بعد ذلك، ونتعرف على ورثته وورثة ورثته، إلى يوم توزيع التركة، لنعطي كل إنسان حقه من التركة الأولى بحسب ذلك، وهذا ما يسمى بالمناسخة.
ولقد عني علماؤنا بالمناسخات، وطرق حلها، مما جعل الأمر ميسراً وسهلاً، على خلاف ما ينظر إليه من بعيد.
وذلك باتباع المراحل الآتية:
1 ـ إحصاء ورثة المتوفى الأول المباشرين، وتوزيع التركة بينهم.
2 ـ التعرف على من مات من هؤلاء الورثة أولاً، بعد وفاة المورث الأول، وقسمة مسألته عليهم، ثم إقامة جامعة بين أصل مسألته، وأصل مسألة المورث الأول، بحيث تنسب حصة هؤلاء الورثة إلى أصل هذه الجامعة، ثم يعمد إلى التعرف على المتوفى الثاني بعد هذا المتوفى الأول، ويفعل بحصته مثل ما فعل بحصة المتوفى الأول، وهكذا، إلى آخر من توفي قبل توزيع التركة الأولى.
* * *