أصول تصفية التركات([1]):
يفرق الفقهاء في ذلك بين أحوال:
* أن تكون التركة مستغرقة بالدين.
* أن تكون التركة مدينة بدين غير مستغرق.
* أن لا تكون مدينة أصلاً.
وفي كل هذه الأحوال، إما أن يكون الميت قد ترك وصياً مختاراً، أم لا.
فإن كانت التركة مدينة بدين مستغرق، وقد ترك المتوفى وصياً مختاراً، قام الوصي بتصفية التركة وسداد الديون، ولا حق للورثة في الاعتراض عليه، لأن المال لا زال ـ في هذه الحال ـ على ذمة المتوفى حكماً، والوصي نائب عنه، فإن لم يترك وصياً مختاراً، عين القاضي وصياً على التركة، يقوم بهذه المهمة..
وللوصي هنا مختاراً كان أم معيناً من قبل القاضي، صلاحية المخاصمة في ثبوت الديون، كما له صلاحية بيع أموال التركة لسداد الديون منها.
فإذا أراد الورثة تسديد الديون من مالهم لتسلم التركة لهم، جاز ذلك، ولم يكن للوصي منعهم منه، لأن حق الغرماء متعلق بقيمة التركة لا بأعيانها.
فإذا كانت التركة مدينة بدين غير مستغرق، وكان فيها وصي مختار، قام الوصي بسداد الديون أيضاً من التركة، وله بيع بعض أموال التركة في سبيل ذلك، إلا أن عليه أن يبدأ بالسداد من النقود أولاً، ثم من المنقولات ببيعها، ثم العقارات، وليس له مخالفة ذلك، لعدم الإضرار، هذا مذهب الصاحبين من الحنفية، وهو المفتى به عندهم، وذهب الإمام أبو حنيفة، إلى أن للوصي بيع كل التركة في سبيل سداد الدين، لأن الدين متعلق بكل عين منها.
فإذا لم يكن للمتوفى وصي مختار، فهل يعين القاضي وصياً لذلك؟
إذا كان في الورثة قاصرون، أو ناقصو الأهلية، كان للقاضي أن يعين وصياً، ليتولى ما يتولاه الوصي المختار.
وإذا لم يكن في الورثة ناقصو الأهلية، وكانوا كلهم كباراً بالغين، فقد ذهب الحنفية إلى أن الورثة يتولون تصفية التركة، وتسديد الديون بأنفسهم، وللغرماء مخاصمتهم مباشرة أمام القاضي عند الامتناع عن ذلك.
فإذا لم تكن التركة مدينة أصلاً، لم يتدخل القاضي ولا الوصي، مختاراً أم معيناً من قبل القاضي في تصفيتها، ويقوم الورثة بذلك بأنفسهم، إلا أن يكون بينهم ناقصو الأهلية، فيحل الوصي مختاراً أو معيناً محل القاصرين هؤلاء في قبول القسمة.
هذا إذا لم يكن في التركة وصية اختيارية، فإذا كان فيها وصية اختيارية، كان حق التصفية للموصى له مع الورثة، هذا إذا لم يوجد وصي مختار، فإن كان هنالك وصي مختار، كان له حق فصل الوصية عن التركة.
وهل تقسم التركة عقب وفاة المتوفى مباشرة؟
إذا لم يكن في التركة دين، اقتسم الورثة التركة فيما بينهم بعد الموت مباشرة، هذا إذا لم يكن فيها وصية، فإذا كان فيها وصية، اقتسموها مع الموصى له على النهج المتقدم.
فإذا كان في التركة دين، فإن كان مستغرقاً كل التركة، لم يصح اقتسامها حتى تسدد الديون، لأنه لا حق للورثة هنا في التركة قبل سداد الدين، هذا مذهب الحنفية، وأجاز الشافعية القسمة مع تحمل الورثة الدين، كل على قدر حصته ـ كما تقدم ـ.
فإذا لم يكن الدين مستغرقاً للتركة، فقد أجاز الشافعية القسمة مع تحمل الورثة الدين كل على قدر حصته، أما الحنفية فقد فضلوا عدم القسمة حتى سداد الديون وجعلوه القياس، إلا أنهم استحسنوا جواز القسمة على الورثة بعد احتجاز ما يكفي لسداد الدين منها، تيسيراً، بشرط التعهد بنقض هذه القسمة إذا هلك القسم المخصص لوفاء الدين قبل السداد، أو لم يكف هذا القسم الموقوف لسداد الدين، أو ظهر دَين جديد ولم يتسع الجزء الموقوف له.
وهل يجوز للقاضي أخذ كفيل منهم بذلك؟
أجاز ذلك الصاحبان من الحنفية، ومنعه الإمام أبو حنيفة.
هذا في تصفية التركة لدى الفقهاء. أما في القانون فإنه لم يتعرض قانون الأحوال الشخصية السوري لمبدأ تصفية التركات، وترك الأمر للقانون المدني، الذي عالجه في المواد (836 ـ 875) منه، ومجمل ما جاء في هذه المواد المدنية من مبدأ تصفية التركات، متماشٍ مع الخط الفقهي المتقدم. إلا في نقاط قليلة خالف القانون المدني فيها هذا الخط، ويتجلى ذلك في النقاط الآتية:
1 ـ القانون المدني السوري جعل أمر تصفية التركة للوصي المختار وحده، بعد تثبيته من قبل القاضي الشرعي، إذا ترك المورث وصياً مختاراً، سواء أكان في التركة ديون ووصايا أم لا؟ وفي هذا تشديد لم يلتزمه الفقهاء كما تقدم.
2 ـ القانون المدني السوري أجاز للقاضي تعيين مصفٍّ للتركة، إذا لم يكن فيها وصي مختار، وهذا متماشٍ مع الخط الفقهي العام في ذلك، إلا أن القاضي المخوّل بتعيين المصفي هنا هو القاضي المدني وليس القاضي الشرعي.
3 ـ اختصاص المصفي في القانون المدني السوري واسع، مثل الوصي المختار في الفقه الإسلامي، إلا أن القانون المدني السوري حرم الورثة من أي تصرف في التركة ما دام فيها دين حتى ضبط التركة، سواء أكان الدين مستغرقاً لها أم لا.
أما الفقهاء فلم ينصوا على ذلك وأجازوا للورثة ـ وبخاصة فقهاء الشافعية ـ التصرف في التركة فيما زاد عن مقدار الدين.
وحبذا لو أحال القانون المدني أمور تصفية التركات إلى قانون الأحوال الشخصية السوري، وجعل الأمر فيها للقاضي الشرعي، نظراً للاختصاص من جهة، ولتوحيد الجهة المتصرف بالمواريث والتركات من جهة ثانية.
* * *