العصبات السببيون
مولى العتاقة
مولى العتاقة يسميه الفقهاء عصبة سببياً، بل هو نوع من أنواع العصبة السببية.
فالعصبات السببيون في اصطلاح الفقهاء على قسمين: مولى العتاقة، ومولى الموالاة، وهما مرتبان على التعاقب في استحقاق الإرث لدى الحنفية، مولى العتاقة أولاً، ثم عصبة مولى العتاقة النَّسَبيون، ثم مولى الموالاة، ثم عصبة مولى الموالاة النَّسَبيون. مع الإشارة إلى أن مولى الموالاة وعصبته مؤخرون عن ذوي الأرحام لدى الحنفية، لضعف صلتهم.
وذهب الجمهور إلى إسقاط مولى العتاقة وعصبته النَّسَبيين من العصوبة أصلاً، وادعوا نسخ هذه العصوبة، وحصروا العصوبة السببية بمولى العتاقة لا غير، ثم عصبته النَّسَبيين من بعده. أما قانون الأحوال الشخصية السوري، فلم يتعرض للعصبة السببية بنوعيها مطلقاً، وذلك لإلغاء الرق في العالم. وأما القانون المصري، فقد نص على توريث مولى العتاقة وعصبته النَّسَبيين كما هو الحال لدى جمهور الفقهاء، وذلك في المادة (39) منه. إلا أنه جعل حظهم في الإرث بعد ذوي الأرحام لا قبله كما في المادة (31) منه. ولهذا فإنني سوف أجمل العصبات السببية بمراتبها الأربع السابقة، مكتفياً بالتعريف.
1 ـ مولى العتاقة:
مولى العتاقة هو المعتق للرقيق بعد ملكه له، سواء أكان ذلك الإعتاق عن كفارة أو غير ذلك، وسواء أكان المعتق ذكراً أم أنثى، فكل من أعتق رقيقاً كان هو مولاه، والولاء هذا كما يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم: (لحمة كلحمة النسب)([1])، وهو قرابة حكمية، تتضمن حق الرعاية والإنفاق، ثم الإرث عند عدم الوارث من النسب.
فإذا توفي الرقيق المعتق، فإن كان له من أقربائه النَّسَبيين من يرثه بالفرض أو التعصيب، كان هو الأحق بتركته، وإذا لم يكن له منهم أحد، ورثه معتقه بحق العصوبة السببية، ولا إرث للمعتق مع أحد من العصبات النسبية أو أصحاب الفروض، لأنهم مقدمون عليه بالدرجة، كما تقدم.
ودليل إرث المعتق هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإنما الولاء لمن أعتق) أخرجه مسلم([2])، وقوله عليه الصلاة والسلام : (الولاء لحمة كلحمة النسب)([3]).
2 ـ عصبة مولى العتاقة:
إذا لم يكن للعتيق مولى ولا ورثة من النسب، ورثه عصبة معتقه النَّسَبيون، بحسب الترتيب السابق للعصبات النَّسَبيين، ودليل ذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يرث الولاء من يرث المال) أخرجه الترمذي([4]).
3 ـ مولى الموالاة:
مولى الموالاة هو إنسان مغمور النسب، تعاقد مع إنسان آخر معروف النسب، على أن يكون مولاه، فيعقل عنه إذا جنى ويرثه إذا مات. هذا العقد كان في الجاهلية، وأقره الإسلام في نظر الحنفية وثبت به الإرث لديهم بشروط معروفة في كتبهم، وذلك لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33]، ويرى الشافعية أن هذا العقد منسوخ وباطل، ولا يستحق به إرث. لقوله تعالى: {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ} [الأنفال: 75].
4 ـ عصبة مولى الموالاة:
إذا لم يكن للمتوفى وارث بالفرض أو التعصيب، ولم يكن له مولى عتاقة، ولا عصبة مولى عتاقة، ولا أحد من ذوي الأرحام، ولا مولى موالاة، كانت تركته لعصبة مولى موالاته النَّسَبيين، بحسب الترتيب السابق للإرث بالعصوبة النسبية.