الخِطبــــــة
تعريف الخِطبة.
حكم الخطبة وحكمة تشريعها.
أنواع الخطبة:
شروط الخطبة، هي بعض شروط الزواج، وأهمها:
1- حلها للخاطب، واستثنى الفقهاء المعتدة في أحوال.
2- أن لا تكون مخطوبة لغيره.
أثر الخطبة المحرمة في العقد.
التعرف على المخطوبة وشروطه وحدوده.
عدول الخاطب عن الخطبة وأثره على المهر والهدايا.
تعريف الخِطبة:
الخِطبة في اللغة بكسر الخاء طلب الرجل المرأة للتزوج منها، وهي من باب قتل، يقال خطب المرأة إلى قومها إذا طلب الزواج منها، واختطب القوم الرجل إذا دعوه إلى تزويج صاحبتهم[1].
وهي في الاصطلاح مثلها في اللغة، مع ملاحظة شروطها الشرعية، كأن تكون المرأة حلالا للرجل عند الخطبة.
حكم الخِطبة وحكمة تشريعها:
الخِطبة عامة مشروعة في الفقه ومستحسنة، لما تتيحه من التروي والتبيُّن مما يظن معه توفير قدر أكبر من الانسجام والالتئام والتفاهم بين الزوجين، وهو مقصود هام شرع له الزواج، وقد كانت الخطبة معروفة لدى الأمم جميعاً منذ أول التاريخ، وإن كانت أحكامها وشروطها وأشكالها تختلف بينهم بحسب ظروفهم.
أنواع الخِطبة:
الخِطبة من حيث الأسلوب المستعمل فيها على نوعين، فهي إما أن تكون بلفظ صريح في الدلالة على طلب الزواج بالمرأة لا يحتمل غيرها، كأن يقول الخاطب للمرأة أو أهلها أريد الزواج من فلانة، وإما أن تكون بطريق التعريض، بأن يذكر الخاطب كلاماً لم يوضع في الأصل لطلب الزواج، إلا أن طلب الزواج يفهم منه بدلالة الحال والقرائن الحافة به، كأن يقول الخاطب للخطيبة أو أهلها مثلاً: إنك خلوقة مهذبة يرغب بك الكثير من الناس، وإنني أفتش عن إنسانة من هذا النوع. .... وهكذا.
شروط الخِطبة:
يشترط لصحة الخطبة وإباحتها شرطان، هما: أن تكون المخطوبة حلالاً للخاطب عند الخطبة، وأن لا تكون مخطوبة لغيره.
أولاً – أن تكون المخطوبة حلالاً للخاطب، ليس بينه وبينها مانع شرعي دائم أو مؤقت يمنعه من الزواج منها في الحال، فإذا كانت محرّمة عليه على التأبيد، كأخته، أو عمته، نسباً أو رضاعاً، أو أم زوجته، أو محرَّمة علية على التوقيت، كأخت زوجته، أو زوجة غيره أو...، لم تحل خطبتها له ولم تصح، فإذا كانت معتدة من غيره، فإنه لا يحل له خطبتها تصريحاً بالإجماع، كما لا يحل له خطبتها بالتعريض ولا بالتصريح إذا كانت معتدة من طلاق رجعي، فإذا كانت معتدة من وفاة، حل له خطبتها بالتعريض دون التصريح، بالإجماع، لقوله تعالى: (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (البقرة:235)، وأما المعتدة من طلاق بائن، فقد أباح خطبتها تعريضاً فقط جمهور الفقهاء، ومنعوا خطبتها تصريحا، ومنع الحنفية خطبتها بالتعريض كما منعوا خطبتها بالتصريح.
حكمة المنع من خطبة المعتدة، وأدلته:
لقد منع الفقهاء بالإجماع خطبة المعتدة من طلاق رجعي تصريحاُ أو تعريضا مطلقاً، لأنها في حكم الزوجة مادامت في العدة، لأن لزوجها المطلق أن يعود إليها بدون رضاها ولا عقد جديد، فإذا أبيحت خطبتها كان ذلك اعتداء على حق هذا الزوج، ومنعاً له من العودة إليها، وإثارة لحفيظته، وهو ممنوع، لقوله تعالى: (وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة:90). وأما المعتدة من طلاق بائن بينونة صغرى، فقد ذهب الحنفية إلى تحريم خطبتها مطلقاً أيضا،ً لأن للمطلق أن يعود إليها بعقد جديد في عدتها دون غيره، فإذا أبيحت خطبتها من غيره منع من هذا الحق، فكان فيه اعتداء عليه وإثارة له ضد الخاطب الجديد، فكانت كالمعتدة من طلاق رجعي، فمنعت مثلها.
ثم إن عدة المبانة هذه تكون بالحيض غالباً، وانقضاؤها لا يعرف إلا من جهتها وبإقرارها، فإذا أبيحت خطبتها، فربما دفعها ذلك إلى الإقرار بانقضاء عدتها قبل موعدها للتزوج من الخطيب الآخر، وهو إثم وفساد لا بد من منعه.
وأما المعتدة من طلاق بائن بينونة كبرى، فإنها رغم منعها من العودة إلى مطلقها، فإن خطبتها قد توغر صدر مطلقها وتدفعه إلى ارتكاب حماقة مع الخاطب الثاني، أو الظن بأن له دخلا في طلاقها منه، ثم إن ذلك قد يدفعها للإقرار بانقضاء عدتها قبل أوانه كما في المطلقة بائناً بينونة صغرى، فمنعت لذلك، هذا على وفق مذهب الحنفية.
وذهب الجمهور إلى إباحة التعريض للمبانة مطلقاً لانقطاع رابطة الزوجية بينها وبين مطلقها بالبينونة، فكانت كالمتوفى عنها زوجها، وهذه تحل خطبتها بالتعريض بنص القرآن الكريم، فتكون هذه مثلها كذلك.
وأما المتوفى عنها زوجها، فقد اتفق الفقهاء على تحريم خطبتها تصريحاً وإباحتها تعريضاً، لنص الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (البقرة:35).
وقد اتفق المفسرون على أن المراد بالنساء هنا المعتدات من وفاة، بدلالة السياق، وهو قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير) (البقرة:234).
إلا أن الحنفية رفضوا قياس الجمهور جواز التعريض بالخطبة من طلاق بائن على المتوفى عنها زوجها، وعدوه قياسا مع الفارق، ذلك أن عدة الوفاة لا تكون إلا بوضع الحمل أو بأربعة أشهر وعشرة أيام، وهما مما لا يحتاج إلى الإقرار بانتهاء العدة، بخلاف عدة المبانة، فإنها قد تكون بالحيض، وهذه لا يعرف انتهاؤها إلا بإقرارها، فاختلفا، فامتنع القياس، وكذلك فإن زوج المبانة يمكن أن تثيره خطبتها، بخلاف المتوفى عنها زوجها لوفاته، فلا يتم القياس مع هذه الفوارق.
ولاشك عندي في رجاحة مذهب الحنفية هنا على مذهب الجمهور، لما تقدم من أدلة الطرفين.
ثانيا - أن لا تكون مخطوبة لغيره، فإذا كانت مخطوبة لغيره فلا يحل له خطبتها، لحديث ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنه قال: (نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَلا يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ) رواه البخاري، ولما فيه من الإيحاش لقلب الخاطب الأول وإثارة الشحناء بين الناس، وقطع أواصر القربى والرحم والمودة بينهم، وهو ممنوع، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (الحجرات:12).
إلا أن الفقهاء اشترطوا لتحريم خطبة المخطوبة شروطاً، فإذا تخلفت حلت خطبتها، وهذه الشروط هي:
أن تكون المخطوبة أو أولياؤها قد ركنوا للخاطب الأول، وذلك بالموافقة على طلبه بعبارة صريحة، كأن يقولوا له قبلنا خطبتك أو أجبنا طلبك، أو..... فإذا وافقوا تعريضاً من غير تصريح، كأن يقولوا له مثلا: إنك أمرؤ لا يرغب عنك، وما إليه، فقد ذهب بعض الفقهاء إلى إلحاقه بالركون الصريح، وحرَّموا خطبتها بعد ذلك، وهم الحنبلية، وهو قول مرجوح لدى الشافعية، مستدلين بأن الإيحاش يحصل بخطبتها ثانية بعده، فكان كالتصريح، وذهب الحنفية والمالكية والشافعية في الراجح، إلى أن ركونها وتعريضهاً لا يُحرِّم خطبة غيره لها، لأن الخطبة لم تتم به[2].
فإذا فسخت الفتاة أو أهلها الخطوبة بعد الاتفاق عليها، أو فسخها الخاطب، حلت خطبتها من غيره بعد ذلك بالاتفاق، لزوال الخطوبة الأولى بذلك، للقاعدة الفقهية: (إذا زال المانع عاد الممنوع ) [3].
2- أن لا يأذن الخاطب الأول للخاطب الثاني بخطبتها، فإن أذن له بذلك حل له خطبتها، لأن المنع لحقه، للقاعدة الفقهية السابقة: (إذا زال المانع عاد الممنوع).
3- أن يعلم الخاطب الثاني بخطبة الأول لها وبركونها إليها، فإذا جهل ذلك لم تحرم خطبته لها، لجهله هذا.
4- أن تكون الخِطبة الأولى جائزة، فإذا كانت محرمة لم تحرم الثانية، لسقوط الأولى بتحريمها، كأن يخطب الرجل أخته رضاعاً، فإن هذه الخطبة لا تُحرِّم على غيره خطبتها لسقوطها، وكذلك إذا خطب المعتدة الممنوع من خطبتها لعدتها، ثم انقضت عدتها، فإنه يحل لغيره خطبتها بعد ذلك، لسقوط الخطبة الأولى لحرمتها، هذا ما لم يجدد الخاطب الأول الخطبة ثانية بعد انقضاء العدة، وإلا حرمت خطبتها على الثاني، لصحة الخطبة الثانية من الأول[4].
ونص المالكية على أن الخاطب الأول إذا كان فاسقاً وكان الثاني تقياً حل للثاني خطبتها رغم خطبة الأول لها، لما فيه من المصلحة الغالبة[5] إلا أن في ذلك خطرا وذريعة إلى إثارة النزاع، ولهذا لم يأخذ به الكثير من الفقهاء.