أنواع الزواج وأحكامها:
تقدم حكم الزواج من حيث الوصف الشرعي القائم به، وهو الحكم التكليفي، أما الحكم المراد هنا فهو الآثار النوعية المترتبة عليه.
وآثار النكاح مختلفة باختلاف استيفائه لشروطه المتقدمة كلها أو اختلالها فيه جميعاً، أو اختلال بعضها فيه دون بعض، وهو بذلك ينقسم إلى أقسام متعددة، هي: الباطل، والفاسد، والموقوف، والمخير، والصحيح اللازم، وتختلف آثاره النوعية باختلافها، وسوف نبين في البحث التالي أنواع الزواج، وآثار كل نوع منها:
أ- الزواج الباطل:
الزواج الباطل هو الزواج الذي افتقد ركنه أو شرطاً من شروط انعقاده، كتزويج المجنون بعبارته، وتزويج المسلمة بغير المسلم، وما إليه.......، وقد تقدم بيان الركن وشروط الانعقاد في الزواج.
وحكم الزواج الباطل أنه عدم في نظر الشارع، ولا ينتج عنه أي أثر، وكأنه لم يكن من كل الوجوه، فلو زوجت فتاة مسلمة من غير مسلم، وبعد أسبوع زوجت من مسلم زواجاً مستوفياً لكافة شروطه، كان الزواج الثاني صحيحاً لازماً، دون الحاجة إلى فسخ العقد الأول، لأنه عدم من كل الوجوه.
وسواء في ذلك أن يتبع العقد الباطل دخول أو لا، بل إن الدخول بعده زنا يوجب الحد، هذا ما لم يرافق الدخول شبهة معتبرة، فإن رافقه شبهة معتبرة كشبهة الفعل أو شبهة الملك، ترتب بعض الآثار، ولكن على الشبهة لا على العقد، بدليل أن الشبهة المعتبرة يترتب عليها هذه الآثار دون عقد أصلاً، فكذلك مع العقد الباطل.
وقد أخذ بهذا الاتجاه القانون السوري، ونص عليه في المادة (50) منه، وهذا نصها:
المادة /50/
الزواج الباطل لا يترتب عليه شيء من آثار الزواج الصحيح ولو حصل فيه دخول.
ب – الزواج الفاسد:
الزواج الفاسد هو الزواج المنتقص لشرط من شروط صحته، كافتقاده للشهود، أو كون الشهود واحداً، أو انعدام الكفاءة إذا كان أحد الزوجين صغيراً وقد زوجه غير الأب والجد....
والزواج الفاسد قبل الدخول كالباطل من كل الوجوه، فهو عدم في نظر الشارع، ولا يترتب عليه أي أثر.
فإذا حصل بعده دخول (وهو الوطء) ترتب عليه بعض الآثار المستحقة بالعقد الصحيح، وهي الآثار الضرورية، دون الآثار الترفيهية، وهذه الآثار مترتبة هنا على العقد نفسه المتبوع بالدخول، فلا تفتقر لذلك إلى شبهة معتبرة، على خلاف العقد الباطل.
وهذه الآثار هي: المهر، وهو الأقل من المهر المسمى ومهر المثل، إن كان فيه مسمى، وإلا فهو مهر المثل، والنسب، وانتفاء الحد، والعدة بعد انقضائه بالموت أوالمتاركة، أو الفسخ، والنفقة الزوجية ما دامت الزوجة جاهلة بفساده.
ويزيد بعض الكتاب على ذلك حرمة المصاهرة، وتبعهم في ذلك القانون السوري كما سوف نرى، لأن حرمة المصاهرة تثبت بالزنا عند الجمهور، فأولى أن تثبت بالدخول بعد العقد الفاسد، إلا أنني لا أعدها من آثار العقد الفاسد، لأنها من آثار الاتصال الجنسي عامة.
وقد التزم القانون السوري بالأخذ بذلك، ونص عليه في المادة /51/ منه، وهذا نصها:
المادة /51/
1- الزواج الفاسد قبل الدخول في حكم الباطل.
2- ويترتب على الوطء فيه النتائج التالية:
أ- المهر في الحد الأقل من مهر المثل والمسمى.
ب- نسب الأولاد بنتائجه المبينة في المادة /133/ من هذا القانون.
ج- حرمة المصاهرة.
د- عدة الفراق في حالتي المفارقة أو موت الزوج، ونفقة العدة، دون التوارث بين الزوجين.
3- تستحق الزوجة النفقة الزوجية مادامت جاهلة فساد النكاح.
ويؤخذ على نص القانون السوري الملاحظات الآتية:
1- جعل حرمة المصاهرة من آثار الدخول بعد الزواج الفاسد، مع أنها لدى الجمهور من آثار الدخول عامة، وهو ما التزمه القانون ونص عليه في المادة (33 – 34) منه.
2- جعل نفقة العدة بعد انقضائه حقاً للزوجة مطلقاً، مع أن عامة الفقهاء على أنها لا نفقة لها مطلقاً، وقال المالكية لها النفقة إن كانت حاملاً فقط، وإلا فلها السكنى لا غير للاحتباس بسببه.
هذا وقد تبعه في ذلك بعض القوانين العربية في هذا الاتجاه، ومنها القانون الكويتي، حيث نص على ذلك في المادة /160/ منه.
ضيق القانون دائرة بطلان العقد، ووسع دائرة فساده، فلم ينص في البطلان إلا على حالة واحدة، هي زواج المسلمة بغير المسلم، وهو مخالف لمذهب الجماهير، وهو وإن كان متجهاً إلى رأي الإمام أبي حنيفة، إلا أنه أضيق منه بكثير، ذلك أن أبا حنيفة لم يعتد بعقد الصغار والمجانين، ولا بالعقد مع اختلاف مجلس الإيجاب والقبول، ولم يرتب عليها أي أثر لبطلانها، على خلاف القانون السوري.
إلا أنني أرى أن القانون السوري لم يحدد حالات البطلان بواحدة، كما ظن ذلك بعض الكتاب، بل وسعها كما فعل الإمام أو حنيفة، فقد نص في مواضع عدة على أن العقد غير منعقد، وهو يعني البطلان لا الفساد، لأن الفاسد غير صحيح وليس غير منعقد، كما جاء ذلك في المادة /31/ مثلاً، ونصها: (لا ينعقد الزواج المضاف إلى المستقبل، ولا المعلق على شرط غير متحقق) فإنه يعني البطلان لا الفساد.
وقد أحسن القانون الأردني إذ وسع دائرة البطلان، كما فعل الجماهير من الفقهاء، ونص على ذلك بوضوح قاطع للشبهات في المواد (33 – 34) منه، وإن كان لنا عليه بعض الملحوظات، منها إنه أدخل في النكاح الفاسد نكاح المتعة، وهو باطل لدى الجماهير.
وأتمنى لو عدل القانون السوري، ونص على ما يلي:
1- النكاح الباطل هو كل نكاح انتقص ركنه أو شرطاً من شرائط انعقاده.
2- النكاح الفاسد هو كل نكاح انتقص شرطاً من شروط صحته.
3- النكاح الموقوف هو كل نكاح انتقص شرطاً من شروط نفاذه.
4- النكاح المخير هو كل نكاح انتقص شرطاً من شروط لزومه.
5- النكاح اللازم هو النكاح المستوفي لجميع شروطه.
ثم يذكر الشروط مصنفة ومرتبة على غرار ما قدمنا في مبحث شروط العقد.
ج- الزواج الموقوف:
الزواج الموقوف هو الزواج الذي افتقد شرطاً من شروط نفاذه، كزواج الفضولي.
وقد أعطى الفقهاء الزواج الموقوف قبل الإجازة حكم الزواج الفاسد، وهو كالباطل قبل الدخول، فإذا لحقه دخول ثبت له الأحكام الضرورية، وقد تقدمت.
هذا ما لم تلحق الإجازة، فإذا لحقته الإجازة عد صحيحاً نافذاً من تاريخ انعقاده، وعلى هذا، فلو عقد فضولي لفتاة قاصر على شاب بالغ كفء بمهر المثل دون وكالة من ولي الفتاة، كان العقد موقوفاً ما لم يجزه الولي، فإذا دخل الشاب بها وأنجب منها، فإن أجاز الولي العقد بعد ذلك، عددنا العقد صحيحاً نافذاً من أصله، وأعطيناه كل أحكام العقد الصحيح النافذ، وإن امتنع الولي عن الإجازة أو سكت، أعطيناه حكم الفاسد، وأثبتنا له الأحكام الضرورية، وهي: النسب، والمهر، والعدة، ومنع الحد، ولم نزد على ذلك، فإن لم يكن دخل بها أصلاً، فإن أجازه الولي نفذ من تاريخ انعقاده، وإن امتنع أو سكت لم يترتب عليه حكم ما كالفاسد.
وقد نص على ذلك قانون الأحوال الشخصية السوري في المادة /52/ منه، فقال:
المادة /52/
الزواج الموقوف حكمه قبل الإجازة كالفاسد.
د- الزواج المخيَّر:
الزواج المخير هو الزواج الذي يثبت فيه أحد الخيارات التي تقدم تفصيلها، كخيار البلوغ أو الإفاقة.
والزواج المخير حكمه حكم الزواج اللازم تماماً، وسوف يأتي بيانه، سواء أعقبه دخول أو لا، ولا يفترق عنه إلا في حكم واحد لا ثاني له، هو أنه يقبل الإنهاء بإرادة من ثبت الخيار لمصلحته من الزوجين، سواء أكان الزوج أو الزوجة، على خلاف النكاح اللازم، فإنه لا ينهى بذلك.
هـ- الزواج اللازم:
الزواج اللازم هو الزواج المستوفي لكافة شروط انعقاده وصحته ونفاذه ولزومه، وأحكامه هي ما تقدم من الأحكام الضرورية الثابتة بالدخول بعد النكاح غير الصحيح، يضاف إليها بعض الأحكام الترفيهية، فيكون مجمل ذلك الآتي:
1- المهر، وهو هنا المهر المسمى بالغاً ما بلغ، إن كان فيه مهر مسمى صحيح، وإلا ثبت مهر المثل مطلقاً، هذا إذا تبعه دخول، أو خلوة صحيحة عند الحنفية، فإذا طلقها قبل الدخول والخلوة ثبت لها نصف المسمى أو المتعة، كما سوف يأتي بتفصيل.
2- النسب.
3- حل المعاشرة الزوجية.
4- وجوب المتابعة.
5- حرمة المصاهرة.
6- النفقة الزوجية.
7- العدة عقب انقضائه بالموت أو الطلاق أو غيرهما.
8- نفقة العدة سوى عدة الوفاة.
9- التوارث بين الزوجين.
وقد التزم بهذه الأحكام قانون الأحوال الشخصية السوري، ونص عليها في المادة (49) منه.
وسوف أبين أحكام الزواج الصحيح اللازم هذه واحدا واحدا، مفصلاً أحكام كل وشروطه وأحواله، مقدماً المهر، ثم النفقة الزوجية، ثم حل المعاشرة، ثم وجوب المتابعة، مؤخراً النسب إلى مكانه من حقوق الأولاد، ثم العدة ونفقتها إلى مكانها من آثار انحلال الزوجية، وأما حرمة المصاهرة، فقد تقدم تفصيلهاً في مبحث المحارم، وأما الإرث فقد أفردته بالبحث في الدراسة في قسم مستقل من كتابي الأحوال الشخصية (الأهلية والوصية والتركات).
هذا ومن الملاحظ من استعراض هذه الحقوق، أنها مجموع حقوق والتزامات متوجبة على كل من الزوجين قبل الزوج الآخر، وهي متوازية ومتعادلة، وفقاً لقوله تعالى: (ولَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(البقرة: من الآية228).
كما يلاحظ أن بعضها مالي والآخر اجتماعي وُخُلقي، وإن الالتزامات المالية كلها على الزوج، كالمهر، والنفقة، وليس على الزوجة منها سوى الإرث عند وفاتها، و في هذا منتهى التكريم للمرأة، ابتعاداً بها عن الحاجة إلى التبذل لطلب الرزق.