1- المهر
1- تعريفه لغةً وشرعاً.
2- حكمه وحكمته، ودليله.
3- مقدار المهر (أقله وأكثره).
4- أنواعه، وأحواله، والحقوق المعَلقة به.
5- تعجيل المهر وتأجيله.
6- الزيادة والحط من المهر.
7- ولاية قبض المهر.
8- من له قبضه والتصرف فيه.
9- ضمان المهر.
10- هلاكه واستهلاكه.
11- حالات ثبوت المهر وتأكده.
أ- الخلوة الصحيحة وشروطها وأحكامها.
ب- ما توافق فيه الخلوة الصحيحة الدخول.
ج- ما تخالف فيه الخلوة الصحيحة الدخول.
12- حالات سقوط المهر.
13- الاختلاف في المهر.
14- الاختلاف في مهر السر ومهر العلن.
15- عجز الزوج عن دفع الصداق.
تعريف المهر لغة وشرعاً:
المهر في اللغة والاصطلاح هو المال الذي تستحقه الزوجة ومن في حكمها على الزوج ومن في حكمه بالعقد أو الوطء، وهو من باب قطع، يقال: (مَهر يمهَر) كما يقال: (أَمهر)، وجمعه (مهورة) مثل (بعل وبعولة)[1].
وللمهر في الفقه الإسلامي أسماء عدة، منها: الصَّداقُ، والصَدُقُةُ، والنَّحلة، والعطية، والعُقر، وقد جاء ببعضها القرآن والسنة، فمن ذلك قوله تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) (النساء:4)، ومنه ما روي عن صلى الله عليه وسلم قوله: (ليس على زان عُقْر) [2].
حكم المهر وحكمة تشريعه:
المهر حكم من أحكام العقد الصحيح، وأثر من آثاره، يجب به للزوجة على زوجها، كما أنه أثر من آثار كل وطء خال عن الحد، يجب به للموطوءة على واطئها.
وعلى هذا فليس المهر شرطاً من شروط العقد، والعقد صحيح بدونه بالإجماع، وعلى هذا فلو تزوجها بغير ذكر المهر، صح النكاح بالإجماع، ولو تزوجها على أن لا مهر لها، صح النكاح أيضاً لدى الجمهور، لم يخالف في ذلك غير المالكية، كما تقدم في شروط صحة النكاح.
وفي تلك الأحوال يثبت لها المهر حكماً، أثرا من آثار العقد.
وبهذا يظهر أن المهر ليس ثمناً للمرأة يدفعه الزوج إليها، وإلا كان شرطاً من شروطه كما في الثمن في عقد البيع، وإنما هو هدية تكريم تلزم الزوج لزوجته عنواناً على رغبته فيها، وشدة تعلقه بالارتباط بها، ومشاركتها حياتها، كما أن فيه إظهار خطر الزواج وتمكين الزوج من الإحساس بجدية بأعباء الزواج المالية، فلا يقدم عليه إلا وهو عارف مرماه وأبعاده ومستلزماته، كما أن في التزام الزوج به دون الزوجة -رغم اشتراكها في منافعه وثمراته- الإعلان بالقسمة التي شرعها الله تعالى بين الزوجين في متطلبات الحياة الزوجية الأسرية، فالإنفاق على الزوج والرعاية على الزوجة، وهي قسمة عادلة تتناسب وما أُهِّل له كل من الرجل والمرأة من الصفات الفطرية، وما تنحرف إليه بعض الأمم والشعوب من الزام الزوجة بنفقات الجهاز وما إليه دون الزوج، ما هو إلا قلب للمفاهيم الإسلامية، واعتداء عليها، نعم لا مانع من شيء من المشاركة في ذلك بقدر محدود، وأولى أنواع المشاركة هو تخفيف المهر والمتطلبات عن الزوج، دون القيام بها بدلاً منه.
و قد نص قانون الأحوال الشخصية السوري على هذا الحكم في المادة (53) منه، فقال:
المادة /53/
يجب للزوجة المهر بمجرد العقد الصحيح، سواء سمى عند العقد أو لم يسم أو نفي أصلاً.
ودليل وجوب المهر قوله تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) (النساء: من الآية4)، وقوله تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَة) (النساء: من الآية24).
ومن السنة المطهرة أمر النبي صلى الله عليه وسلم به في أكثر من حديث شريف، كما سوف يأتي، بالإضافة إلى السنة العملية، فقد تزوج صلى الله عليه وسلم مرات، وكان يمهر زوجاته في كل منها، كما زوج بناته وطلب لهن مهراً، بل ألح على ذلك كما يأتي في تزويج علي من فاطمة رضي الله عنهما .
مقدار المهر:
أجمع الفقهاء على أن المهر ليس له حد أعلى، وذلك لعدم قيام الدليل على تحديد حد أعلى له، بل إن عمر رضي الله عنه هم أن يمنع الناس من المغالاة في المهور مرة، وخطب الناس في ذلك وقال فيما رواه الشعبي فقال: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قام خطيباً فقال: لا تُغالوا في صدُقات النساء، فما بلغني أن أحداً ساق أكثر مما ساقه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا جعلت الفضل في بيت المال، فاعترضته امرأة من نساء قريش، فقالت: يعطينا الله وتمنعنا؟ كتاب الله أحق أن يتبع، قال الله تعالى: {وآتيتم إحداهن قنطاراَ فلا تأخذوا منه شيئاً}، فرجع عمر رضي الله عنه وقال: كل أحد يصنع بماله ما شاء) [3].
هذا وبالرغم من صراحة الآية الكريمة في عدم تعيين أي حد لأعلى المهر، فقد اتفق الفقهاء على استحسان الاعتدال في المهور، دون التغالي فيها، لما ورد في السنة الشريفة من أحاديث تحض على ذلك وترغب فيه، فمن ذلك.
1- ما روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ أَعْظَمَ النِّكَاحِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُ مُؤْنَةً) رواه أحمد.
2- ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كَانَ الصَّدَاقُ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَةَ أَوَاقٍ) رواه النسائي.
هذا ومن السنة أن يكون في العقد مهر مهما قل، وأن لا يخلو عن المهر بالكلية، وذلك حفاظاً على التكريم الذي يحققه إيجاب المهر للزوجة، ودليله أحاديث شريفة عدة جاءت تحض على المهر دون الإغلاء فيه، من ذلك:
1- ما رواه سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه (أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ لأَهَبَ لَكَ نَفْسِي، فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا، فَقَالَ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّه،ِ قَالَ اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا، قَالَ انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي، قَالَ سَهْلٌ مَا لَهُ رِدَاءٌ، فَلَهَا نِصْفُه،ُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ، فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ ثُمَّ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَلِّيًا، فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ مَاذَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ؟ قَالَ مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا عَدَّهَا، قَالَ أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِك، قَالَ نَعَمْ، قَالَ اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآن) رواه البخاريِ.
2- ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أَعْطَى فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ مِلْءَ كَفَّيْهِ سَوِيقًا أَوْ تَمْرًا فَقَدْ اسْتَحَلَّ) رواه أَبُو دَاوُد .
3– ما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجة من نسائه إلا وأمهرها شيئاً.
فيما تقدم بيان واضح لمعنى المهر وحكمته، فالإسلام لا يرغب بالزواج بدون مهر، لما فيه من إغفال كشف مدى رغبة الزوج بزوجته، وشده تعلقه بالارتباط بها، وهو سر السعادة الزوجية، كما أنه لا يرغب في الإغلاء بالمهر، لئلا يعنت الشباب، ولكن يجب التيسير دون تحديد مقدار معين لا يجوز تجاوزه، وهو أمر متروك للأعراف والظروف، والإمكانات، وفي ذلك رد واف وشاف على تلك الدعاوى التي تظهر بين الفينة والفينة لتحديد المهور أو إلغائها، فإنها دعوات مناقضة للتشريع الإسلامي، والروح الإسلامية بعامة، بالإضافة إلى أنها دعاوى عقيمة مستحيلة التطبيق.
هذا كله في أعلى المهر، وأما في أدناه:
فقد ذهب الشافعية والحنبلية إلى أنه لا أدنى له، بل كل ما كان مالا صلح مهراً، مهما قل.
وذهب الحنفية إلى أن أقل المهر عشرة دراهم فضة، أو قيمتها، لا يقبل أدنى منها.
وذهب المالكية إلى أن أقله ثلاثة دراهم فضة، أو ربع دينار من الذهب.
الأدلــة:
استدل الشافعية والحنبلية لمذهبهم بأدلة منها:
1 – قوله تعالى: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِين) (النساء: من الآية24)، حيث جاءت الآية الكريمة مطلقة دون تحديد بمقدار معين لا يجوز النزول عنه.
2- ما تقدم من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم للخاطب: (انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ) رواه البخاري، فإنه إشارة إلى عدم التحديد.
3 – ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صداق النساء فقال: هو ما اصطلح عليه أهلوهم) رواه الدرقطني والبيهقي.
و استدل الحنفية لمذهبهم بأدلة منها:
1 – بما روي عن علي رضي الله عنه قوله: (لا مهر أقل من عشرة دراهم) رواه البيهقي.
2 – معنى المهر هو إظهار مكانة المرأة، وهذا لا يكون في القليل جدا، فلا أقل من أن يثبت بما يثبت به حد السرقة، وهو عشرة دراهم، فكان مثله.
واستدل المالكية بما استدل به الحنفية من المعنى، إلا أنهم يرون قطع يد السارق في ثلاثة دراهم، فقاسوا أقل المهر عليه.
وقد اتجه قانون الأحوال الشخصية السوري إلى ما اتجه إليه الشافعية، ونص عليه في المادة /54/ منه فقال:
المادة /54/
1- لا حد لأقل المهر ولا لأكثره.
2- كل ما صح التزامه شرعاً صلح أن يكون مهراً.
أنواع المهر وأحواله وشروطه والحقوق المتعلقة به:
للمهر أنواع متعددة، يثبت كل منها في حال من الأحوال، بشروط معينة، وفيما يلي تعريف بكل نوع منه، وبيان لأحواله وشروطه:
1 – المهر المسمى: هو ما اتفق عليه المتعاقدان في عقد الزواج، أو اتفق عليه الزوجان بعد الزواج، ويشترط لصحة هذا النوع من المهر شروط، يفسد بفواتها أو بفوات واحد منها، وهي:
أ- أن يكون مالاً: فإذا سمى لها ميتة لم يصح المهر، لأن الميتة ليست مالاً أصلاً، ويستوي في المال هنا أن يكون عيناً أو منفعة، فيجوز أن يكون المهر عقاراً، أو ذهباً، أو سلعة، أو منفعة دار مدة محددة، أو منفعة إنسان أو منفعة حيوان، فلو سمى لها عقاراً جاز، ولو سمى لها سكنى داره سنة جاز، ولو سمى لها خدمة فلان لها مدة وهو عبده أو أجيره جاز، لأن ذلك كله مال.
ب – أن يكون متقوماً: أي يحل الانتفاع به شرعاً، فلو سمى لها خمراً أو خنزيراً فسد المهر، لأن ذلك مال غير متقوِّم.
ج – أن يكون معلوماً: فلو سمى لها مجهول القدر أو الجنس فسد المهر، كما إذا سمى لها عشرين مثقالاً ولم يبين جنسه، أو سمى لها ذهباً ولم يبين مقداره، هذا والجهالة المؤثرة هي الجهالة الفاحشة المفضية للنزاع، أما الجهالة اليسيرة فغير مؤثرة، لعدم إمكان التحرز منها، وكذلك الجهالة غير المشكلة، فإنها لا تفسد المهر المسمى، كما إذا سمى لها مهر أمثالها ولم يحدد، فإنه صحيح، لأنه يمكن التوصل إليه بالخبراء.
و قد اختلف الفقهاء في تسمية تعليمها القرآن أو أحكام الدين، فذهب متقدمو الحنفية إلى عدم جواز ذلك، لأنها منفعة غير متقوِّمة بمال، إلا أن المتأخرين أفتوا بجواز أخذ المال على ذلك استحساناً، مما يقتضي جواز تسميته مهرا [4]، سيما وقد وافق النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك في حديث سهل بن سعد المتقدم، حيث جعل المهر تعليمها ما معه من القرآن الكريم.
أحوال وشروط وجوب المهر المسمى:
ويجب المهر المسمى للزوجة في حال واحدة منضبطة بشروط ثلاثة، هي:
أ - أن يكون العقد صحيحا، فلو كان باطلاً أو فاسداً، لم يجب لها فيه المسمى بالاتفاق.
ب – أن يكون فيه مسمى، فلو أُغفلت فيه التسمية أو نُفي المهر، لم يجب المسمى لانعدامه.
ج - أن تكون التسمية صحيحة، أي مستجمعة كل الشروط السابقة، فلو سمى لها خمراً مثلاً، أو مجهولاً، لم يصح المسمى لاختلال شرطه، وهو هنا التقوُّم.
إلا أن وجوب المسمى بالعقد المتقدم لا يتأكد إلا بالدخول بعده أو الموت، فإذا طلقها قبل الدخول لم يجب لها سوى نصف المسمى، وقد ألحق الحنفية الخلوة الصحيحة بالدخول هنا، خلافاً للجمهور.
وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية السوري بمذهب الحنفية، ونص عليه في المادة /58/ منه، وهذا نصها:
المادة /58/
إذا سمي مهر في العقد الصحيح ووقع الطلاق قبل الدخول والخلوة الصحيحة وجب نصف المهر.
أثر التسمية على العقد:
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن التسمية إذا فسدت بقي العقد صحيحاً، ووجب بدلاً من المسمى نوع آخر من المهر كما سوف يأتي.
وخالف المالكية، وقالوا: إذا فسدت التسمية فسد العقد كله.
2- مهر المثل:
هو المهر الذي اعتاد الناس تسميته لامرأة تماثل هذه المرأة من أسرة أبيها ممن حالهن وصفاتهن مثل حالها وصفاتها فيما يختلف المهر باختلافه، كالجمال والثقافة والسن والمال والزمان والمكان، فإن لم يوجد أحد من أهل أبيها بهذه الصفات، قيس على مهر من حالهن مثل حال أهل أبيها، ثم إن اتفق الطرفان على تحديده حدد بما اتفقا عليه، وإلا طلب منهما البينة، فإن أقامها أحدهما قضي له بها، وإن أقاماها، قدمت بين الزوجة لأنها تدعي الزيادة، وإن عجزا عنها، قدم يمين الزوج، لأنه ينكر الزيادة، فإن حلف قضي له بيمينه، وإن نكل قضي عليه بنكوله، لأن النكول إقرار أو بذل، وهو مما يجري في الأموال.
أحوال وشروط وجوب مهر المثل:
و يجب مهر المثل في الأحوال الآتية:
أ- أن يكون العقد صحيحاً خالياً عن تسمية المهر وقد دخل الزوج بزوجته، وقد ألحق الحنفية الخلوة الصحيحة بالدخول هنا كما تقدم، فلو عقد عليها عقداً صحيحاً دون تسمية مهر، ثم طلقها قبل الدخول والخلوة، لم يجب لها مهر المثل بالاتفاق، ولكن المتعة، وكذلك إذا شرطا أن لا مهر لها.
ب- أن يكون العقد صحيحاً، وفيه مهر مسمى، إلا أن التسمية فيه فاسدة، لفوات شرط من شروطها المتقدمة، كالجهالة، وعدم التقوُّم و..... وقد دخل الزوج بزوجته أو اختلا بها أو مات عنها.
ج – أن يكون العقد فاسداً وقد تبعه وطء، سواء كان فيه مسمى أو لا، وسواء كانت تسمية صحيحة أو لا، للقاعدة الفقهية: (إذا بطل الشيء بطل ما في ضمنه) [5].
هذا ولا أثر للخلوة هنا صحيحة كانت أو فاسدة، وكذلك الموت، على خلاف الخلوة والموت بعد النكاح الصحيح.
إلا أنه إذا سمى لها مهراً صحيحاً في هذا العقد الفاسد، ثبت لها عند جمهور الحنفية الأقل من مهر المثل والمهر المسمى، وخالف زفر والشافعي وقالا: لها مهر المثل بالغاً ما بلغ.
وقال مالك: بل لها المهر المسمى، لأن التسمية صحيحة، فتلزم، ولا أثر لفساد العقد عليها عنده.
3- الحد الأدنى للمهر:
تقدم أن الحنفية والمالكية يفرضون حداً أدنى للمهر لا يجوز النزول عنه، وهو عشرة دراهم عند الحنفية، وثلاثة دراهم عند المالكية، والدرهم عملة مضروبة قديمة من الفضة وزنها يساوي /3/غراما تقريباً، فيكون وزن العشرة الدراهم /30/ غراما.
و يجب الحد الأدنى في حال واحدة هي: أن يكون العقد صحيحاً، وقد سُمِىَ فيه المهر تسمية صحيحة، وكانت بمقدار الحد الأدنى أو قيمته أو أقل منه، ففي هذه الحال يجب الحد الأدنى، هذا إن حصل دخول أو خلوة أو وفاة، وإلا بأن فرق بينهما قبل ذلك، فإنه يجب نصف المسمى مطلقاً [6].
وهذا كله مذهب الحنفية والمالكية، وذهب الشافعية والحنبلية -كما تقدم– إلى أنه ليس للمهر حد أدنى، فيجب في هذه الأحوال كلها المسمى مطلقاً.
4- نصف المسمى:
تقدم بيان المهر المسمى وشروطه وحال وجوبه، ونصف المسمى هنا هو نصفه، ويجب نصف المسمى في حال واحدة، هي أن يكون العقد صحيحاً فيه مهر مسمى تسمية صحيحة مستوفية لشروطها، وقد تم الفراق بين الزوجين قبل الدخول والخلوة الصحيحة بالطلاق، وذلك لقوله تعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (البقرة:237)، فإذا تم الفراق بالموت، فالواجب المسمى كله، كما تقدم، سواء كان الموت قبل الدخول أو بعده.
وإذا تم الفراق بالفسخ، فإن كان الفسخ بعد الدخول أو الخلوة، تقرر المسمى كله مطلقاً، وإن كان قبل الدخول والخلوة، فإن كان الفسخ بسبب مرافق لنشوء العقد، كخيار البلوغ مثلاً، لم يثبت للزوجة فيه شيء من المهر، سواء أكان بخيار الزوج أم بخيارها هي، وإن كان بسبب طارىء على العقد، فإن كان من جهة الزوج، أو من جهة الزوجة بسبب من الزوج، كان لها نصف المهر المسمى، وإن كان من جهة الزوجة لا بسبب من الزوج، لم يكن لها شيء من المهر أصلاً.
وهذا كله إذا كانت التسمية في ضمن العقد، فإذا لم يكن في العقد تسمية، ثم اتفق الزوجان على التسمية بعد العقد، أو كان في العقد تسمية ثم اتفق الزوجان على زيادتها أو نقصانها بعد العقد، ثم حصل بينهما فراق بغير الموت.
فقد ذهب الجمهور من الفقهاء إلى أن الأمر لا يتغير، ويجب نصف المهر المسمى بعد العقد، أو نصف المهر بعد جمع أو طرح ما زيد عليه أو نقص منه، إن كان هناك زيادة أو نقص، وذلك لأن التسمية اللاحقة، وكذلك الزيادة والنقصان بعده، يلحق به ويعطى حكمه.
وذهب الحنفية إلى أن الزيادة والنقصان لا يصيبهما التصنيف، ولكن تلغوان وينصف المسمى في العقد وحده، فلو تزوجها على عشرين ثم زادها عشرة فأصبحت ثلاثين، ثم طلقها قبل الدخول والخلوة، كان لها عشرة فقط.
و كذلك التسمية بعد العقد، فإنه لا يصيبها التنصيف عند الحنفية، فلو تزوجها بدون مسمى، ثم سمى لها مهراً صحيحاً بعد العقد، ثم طلقها قبل الدخول، لم يكن لها نصف ما سماه لها بعد العقد، ولكن المتعة لا غير.
5- المُتعــة:
المتعة هي مبلغ من المال يساوي ما تحتاجه المرأة لكسائها كساء ً كاملاً بما لا يزيد عن نصف مهر المثل، وذلك بحسب الوسط من حالها وحال الزوج عند الحنفية، وبحسب حال الزوج وحده عند المالكية والشافعية والحنبلية، وذلك اعتباراً بالنفقة.
حكم وحالات وشروط ثبوت المتعة:
وتجب المتعة عند الحنفية في حال واحدة، للزوجة المطلقة قبل الدخول والخلوة بعد نكاح صحيح ليس فيه مهر مسمى، وهو لها بدل نصف المسمى، بدليل قوله تعالى: (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ) (البقرة:236).
إلا أنها تستحب لكل مطلقة، سوى المطلقة قبل الدخول والخلوة بعد عقد صحيح فيه مسمى صحيح، فإن لها نصف المهر فقط دون المتعة.
وذهب الشافعية إلى وجوب المتعة لكل مطلقة فوق ما يجب لها من المهر، إن كان وجب لها شيء منه، ولا يستثنى من هذا الحكم سوى المطلقة قبل الدخول إذا سمى لها فيه مهر، فإن لها نصف المسمى، ولا متعة لها، وذلك استدلالاً بقوله تعالى: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ) (البقرة:241)، وقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً) (الأحزاب:49).
وذهب المالكية إلى أن المتعة لا تجب بحال، ولكنها مندوبة لكل مطلقة، ثم استثنوا من الندب حالات، منها المطلقة قبل الدخول إذا سمى لها فيه مهر، فلها نصف المسمى فقط، ولا متعة لها أصلاً.
الحقوق المتعلقة بالمهر:
ثبت المهر في التشريع الإسلامي حقاً للمرأة أصلاً تكريماً لها، إلا أن فيه معان وحقوقاً أخرى إلى جانب هذا الحق، وقد حصرها الفقهاء في ثلاثة، هي: حق الله تعالى، وحق الزوجة، وحق أولياء الزوجة، ذلك أن المرأة جزء من المجتمع العام، وفي تكريمها تكريم لأبناء جنسها وللمجتمع كله، فكان في المهر لذلك إلى جانب حقها فيه حق المجتمع، وهو ما يسميه الفقهاء حق الله تعالى، هذا إلى جانب أن هذا التكريم يصيب أولياء الزوجة مثل ما يصيبها، فكان فيه حق لهم أيضاً، وقد نتج عن هذه الحقوق الثلاثة المتعلقة بالمهر أحكام، وهي:
أ- فأما أنه حق الله تعالي: فيترتب عليه ثبوته حكماً بمجرد حصول سببه، وهو العقد الصحيح، أو الوطء الخالي عن الحد، وعلى هذا فلو عقدا العقد مع إجهال المهر أو مع اتفاقهما على نفيه، نتج عن ذلك ثبوت المهر للزوجة حكماً، لما فيه من حق الشرع، الذي لا يقبل الإسقاط بإسقاط أحد، نعم لو أسقطته الزوجة بعد ثبوته سقط بالاتفاق، لأن حق الشرع مقصور على ثبوته دون تقاضيه، فإن تقاضيه حق شخصي للزوجة، فيسقط بإسقاطها.
ثم إن من آثار كونه حقاً لله تعالى عند الحنفية والمالكية عدم صحة نزوله في التسمية عن الحد الأدنى للمهر، وهو ثلاثة دراهم أو ربع دينار عند المالكية، وعشرة دراهم عند الحنفية، فإذا سميا أقل من ذلك في العقد يثبت الحد الأدنى حكماً، ولغا المسمى حماية لحق الشرع، أما الشافعية والحنبلية فلم يروا ذلك أصلاً، كما تقدم.
وأما أنه حق الزوجة، فيترتب عليه ثبوت ملكها فيه، وعدم صحة نزوله عن مهر أمثالها إلا برضاها المعتبر، وعلى ذلك فلو زوجها وليها أو وكيلها، كان حق قبض المهر والتصرف فيه لها وحدها، دون الولي أو الوكيل، إلا بتوكيل وتفويض خاص منها بذلك، لثبوت حقها فيه، ثم إن زوجها بمهر المثل لزم المهر المسمى، وإلا كان لها حق الاعتراض والرفع إلى مهر المثل.
هذا إذا كانت عاقلة بالغة، فإذا كانت ناقصة الأهلية أو فاقدتها، فإن كان المزوج هو الأب أو الجد أو الابن، لم يكن لها حق في قبض المهر، ولا في عدم نزوله عن مهر المثل، لعلة شفقتهم المقدرة والمظنونة، وإن كان الولي غير هؤلاء، فسد العقد بأقل من مهر المثل، وأما قبضه، فهو لوليها نيابة عنها، لفقد أهليتها أو نقصانها، كسائر أموالها الأخرى.
ج – وأما أنه حق الولي، فيترتب عليه عدم جواز نزوله عن مهر المثل إلا برضاه، فإن نزل كان له حق طلب فسخ الزواج، ما لم يرفعه الزوج إلى مهر المثل، وهذا مذهب أبي حنيفة، وخالفه فيه أبو يوسف، ولم يثبت للولي هذا الحق.
هذا كله في أصل ثبوت المهر لها، وأما بقاؤه واستمراره بعد ثبوته على النهج السابق، فهو حق لها وحدها، لا يتصرف فيه أحد، ولا يسقطه أو ينقص منه أحد، إلا بإذنها ورضاها، ما دامت عاقلة بالغة، فإن كانت قاصرة، فكذلك في الإسقاط والإنقاص، لما فيه من الإضرار بها، وأما التصرف فيه، فهو لوليها، ما دامت ناقصة الأهلية أو فاقدتها، كسائر أموالها.
وعلى ذلك، فلو وهبت الزوجة العاقلة البالغة زوجها مهرها كله أو جزءاً منه، أو أبرأته عنه بعد ثبوته، صح ذلك كله منها، ولا حق لأحد في الاعتراض عليها، وسوف يأتي تفصيل ذلك.
تعجيل المهر وتأجيله:
اتفق الفقهاء على جواز جعل المهر المسمى كله مؤجلاً، أو كله معجلاً، وعلى جواز تعجيل بعضه وتأجيل البعض الآخر، وذلك باتفاق الزوجين أو العاقدين المفوضين بذلك.
إلا أن الجمهور اشترطوا في الجزء المؤجل أن يكون أجله معلوماً، فإذا أجل إلى أجل مجهول، كما إذا أجل إلى الحصاد، أو إلى الفراق، وكذلك إذا أجل إلى أجل بعيد أكثر من خمسين سنة عند المالكية، أو أهمل الأجل أصلاً، فسدت التسمية، وثبت مهر المثل، وذلك قياساً على الثمن في البيع، والأجرة في الإجازة.
أما الحنفية فقد صححوا التسمية المؤجلة، سواء كان الأجل معلوماً أو غير معلوم، ولكن إن علم الأجل استحق المؤجل بحلوله، وإن جهل جعل الفراق بالطلاق أو الموت هو الأجل حكماً للعرف.
هذا إذا نص على شيء من ذلك في العقد، فإن لم ينص في العقد على التأجيل أو التعجيل أصلاً، اتبع العرف المستقر، فإن جهل العرف جعل المهر كله معجلاً، لأنه الأصل.
وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية السوري بذلك، ونص عليه في المادتين /55-56/ منه.
ثم إن كان المهر معجلاً استحق بالعقد، وكان للزوجة المطالبة به، ومنع نفسها وعدم الانتقال إلى بيت الزوجية حتى تتسلمه، ما لم يمنع من ذلك مانع، وإن كان مؤجلاً، لم يكن للزوجة طلبه حتى حلول أجله، فإذا منعت نفسها لأجله عدت ناشزا، فإذا كان بعضه معجلاً والبعض الآخر مؤجلاً، طالبت بالجزء المعجل، وانتظرت حلول الأجل في الجزء المؤجل، فإذا تابعت زوجها حتى دخل بها قبل قبضها معجل مهرها، كان لها حق المطالبة به فقط دون منع نفسها، فإن منعت نفسها منه عدت ناشزاً، هذا عند الصاحين من الحنفية، وهو مذهب المالكية، وذهب أبو حنيفة إلى أنها على حقها في المطالبة والامتناع عنه مطلقاً، حتى تقبض آخر جزء من معجل مهرها، وهو الراجح في المذهب الحنفي، وعليه العمل في مصر، وقد أشار القانون السوري إلى التزامه في المادة / 66 / منه ونصها:
المادة /66/
على الزوجة بعد قبض معجل مهرها أن تسكن مع زوجها.
الزيادة والحط من المهر:
اتفق الفقهاء على أن للزوجين بعد العقد الزيادة على المهر المسمى والحط منه باتفاقهما، ذلك أن المهر بعد ثبوته يصبح حقاً خالصاً للزوجة، لا يشاركها في ذلك غيرها، فيكون لها حق الحط منه، أو الإبراء منه بالكلية، فإذا أبرأت الزوج منه كله أو من بعضه صح ذلك دون حاجة إلى موافقة الزوج على ذلك، إلا أن هذا الحط أو الإبراء يرتد برد الزوج، و كذلك الزيادة عليه، فإنها تبرع من الزوج، فتصح.
إلا أن لصحة الحط أو الزيادة أو الإبراء شروط: وهي:
1 – أن تكون الزوجة في الإبراء أو الحط، والزوج في الزيادة، كاملي الأهلية، أي عاقلين بالغين، فإذا كانا ناقصي الأهلية أو فاقديها لم يصح، لأنه نوع تبرع، وهو باطل من ناقص الأهلية.
وهل للولي أن يزيد في المهر أو يحط منه؟
ذهب الحنفية إلى أن ولي الزوج إذا كان أباً أو جداً أو ابناً، جاز له الزيادة في مهر الزوجة مطلقاً، لأن له أن يزوجه بالمهر الذي يشاؤه أصلاً، فيكون له الحق في زيادته، ولأن عرف الناس جرى على الزيادة في المهر، والإهداء بعد العقد، فإذا كان الولي غير الأب والجد والابن، فمقتضى المذهب الحنفي أن لا تصح الزيادة إذا كانت فوق مهر المثل، وإلا فينبغي أن تصح، لأنه ليس لهم أن يزوجوه بأكثر من مهر المثل أصلاً.
وأما ولي الزوجة، فليس له أن يحط من مهرها بعد العقد مطلقاً، أباً كان أو غيره، لأنه ضرر محض بها، وهو لا يملك ذلك، ولم يجر العرف به.
2- أن تكون الزيادة والحط معلومين، وإلا بطل الحط والزيادة للجهالة، كما إذا قال لها: زدتك في مهرك عشرة، أو قالت له حططت عنك عشرين، إلا أن يكون هناك عرف مستقر يبين ذلك فيصح.
3- أن تكون الزيادة والحط في حال قيام الزوجة حقيقة أو حكماً، كالمعتدة من طلاق رجعي، فإذا كان ذلك بعد انقضاء الزوجية، فهو هبة مبتدأة لا علاقة لها بالمهر.
4- أن تقبل الزوجة أو وكيلها أو وليها الزيادة في مجلس الإيجاب، لأنها هبة، والهبة لا تنعقد إلا بإيجاب وقبول في المجلس.
هذا في الزيادة، أما الحط، فإن كان المهر ديناً وجاء الحط بصيغة الإيراء، فإنه لا يشترط فيه موافقة الزوج، إلا أنه يرتد برده، وإن كان جاء بصيغة الهبة فلا ينعقد إلا بموافقة الزوج عليه في المجلس، كالزيادة، وإن كان المهر عيناً، اشترطت له موافقة الزوج مطلقاً، لأنه هبة، لأن الأعيان لا تقبل الإسقاط، على خلاف الديون.
هذا وقد نص قانون الأحوال الشخصية السوري على صحة الزيادة والحط على النحو المتقدم، إلا أنه اشترط لصحتها شرطاً جديداً، وهو أن يكون أمام القاضي، ونص عليه في المادة /57/ منه، ونصها:
المادة /57/
لا يعتد بأي زيادة أو إنقاص من المهر أو إبراء منه إلا إذا وقعت أثناء الزوجية أو في عدة الطلاق، وتعتبر باطلة ما لم تجر أمام القاضي، ويلحق أي من هذه التصرفات الجارية أمام القاضي بأصل العقد، إذا قبل به الزوج الآخر.
ولاية قبض المهر:
سبقت الإشارة عند الكلام عن الحقوق المتعلقة بالمهر، إلى أن المهر بعد ثبوته يصبح حقاً خالصاً للزوجة، وعلى ذلك فليس لأحد أنا كان أن يقبضه عنها أو يتصرف فيه إلا بإذن منها، ما دامت كاملة الأهلية، عاقلة بالغة رشيدة، فإن كانت ناقصة الأهلية أو فاقدتها، كالصغيرة والمجنونة، كان حق قبض المهر عنها لوليها على المال، كسائر أموالها الأخرى.
وهل للولي أو الوكيل في الزواج أن يقبض المهر عن البالغة؟
اتفق الفقهاء على أنها لو منعت الولي والوكيل من قبض مهرها، لم يكن لهما قبضه من الزوج، ولو قبضاه منه لا تبرأ ذمة الزوج عنه بذلك، إلا أنها إذا لم تمنعهم من القبض، فإن كانت بكراً كان لوليها إن كان أباً أو جداً أن يقبضه عنها للعرف، وإن كان الولي غيرهما أو كانت الزوجة ثيباً، لم يكن لأحد مطلقاً أن يقبضه عنها إلا بأمرها، أما الوكيل، فإن كان مفوضاً من قبلها بقبض المهر بالنص، كان له ذلك، وإن لم ينص في الوكالة على ذلك، لم يكن له قبضه.
وهل يلزم الزوجة تجهيز منزل الزوجية بالمهر؟
ذهب الحنفية، إلى أن الزوجة حرة التصرف في مهرها، ولا يلزمها شىء من الجهاز مطلقاً، إلا أن يزيد الزوج في المهر شيئاً للجهاز، فيلزمها ذلك بمقدار هذه الزيادة في قول، ولا يلزمها في قول آخر.
و ذهب المالكية، إلى أن الجهاز واجب على الزوجة في حدود المهر الذي قبضته، إذا قضى العرف بذلك، فإذا لم يكن عرف مستقر لم يلزمها شيء من الجهاز.
وقد سكت القانون السوري للأحوال الشخصية عن ذكر هذه الناحية بشكل صريح، إلا أنه أشار إشارة لطيفة إلى أخذه بمذهب الحنفية، وعلى كل لو عددناه ساكتاً عنه لوجب الرجوع فيه إلى مذهب الحنفية، وفقاً للمادة /305/ منه.
ضمان المهر:
إذا صح العقد ووجب المهر كان الوجوب متعلقاً ولازماً للزوج، سواء كان هو العاقد بنفسه، أو عقد عنه وليه، أو وكيله، هذا ما لم يكفله عنه أحد غيره، قريباً أو بعيداً، فإذا كفله أحد عنه، لزم الكفيل إلى جانب الزوج، وكان للزوجة حق مطالبة الكفيل أو الزوج، أيهما شاءت، وذلك بموجب الكفالة، هذا مع الإشارة إلى أن من صحة الكفالة أن يكون الكفيل كامل الأهلية، وغير محجور عليه في ماله، وأن تقبل الزوجة أو وليها الكفالة في مجلس الإيجاب، وإلا لغت الكفالة.
وهل يرجع الكفيل على الزوج إذا أدى المهر للزوجة؟
إن كان الكفيل غير أب الزوج، رجع عليه بما دفع من المهر، إن كان كفله بأمره، فإن كفله بغير أمره كان متبرعاً، ولا يرجع عليه بشيء، وإن كان الكفيل أباه، فإن كان الزوج عاقلاً بالغاً، كان الأمر كغير الأب، وإن كان ناقص الأهلية أو فاقدها، فإن أشهد الأب عند الكفالة أو عند الأداء أنه يريد الرجوع عليه، رجع عليه، وإن لم يشهد لا يرجع، ويعد متبرعا، هذا إذا أدى المهر من مال نفسه، فإن أداه من مال الصغير، نفذ على الصغير من الأصل، لولايته عليه، ولم يضمن الأب.
هلاك المهر أو استهلاكه:
إذا هلك المهر أو استهلك بعد القبض، هلك على الزوجة، فلا ترجع على الزوج منه بشيء، وإن هلك أو استهلك قبل القبض، هلك مضموناً على الزوج، إلا أن يهلك بفعل الزوجة، فيهلك عليها، ويعد هلاكه بفعلها قبضاً منها له حكماً.
الاختلاف في المهر:
كثيراً ما يختلف الزوجان في المهر بعد العقد، وأكثر ذلك إذا كان العقد والمهر غير مسجلين، ولا بد في هذه الحال من البحث عن طريق لفض هذا الاختلاف بينهما، على أسس فقهية، وقد بحث الفقهاء في هذا الموضوع، وبينوا طرق حله حسب الآتي:
الاختلاف في المهر بين الزوجين يتركز في ثلاث نقاط هي:
أ- الاختلاف في التسمية وعدم التسمية.
ب- الاختلاف في مقدار المسمى من المهر.
ج – الاختلاف قي قبض المهر وعدمه.
وسوف نبحث في هذه النقاط الثلاث، ونبين طرق حل الخلاف فيها:
أ- الاختلاف في التسمية وعدمها:
إذا ادعى أحد الزوجين تسمية المهر في العقد، وأنكر الثاني التسمية فيه، طلب من مدعي التسمية البينة على دعواه، سواء كان هو الزوج أو الزوجة، فقد ذهب الحنفية إلى أنه إن أقامها على مقدار معين حكم له به، وإن عجز وطلب تحليف الثاني اليمين، وجهت اليمين على الثاني، فإن حلف قضي له بمهر المثل، بما لا يزيد عما ادعته الزوجة.
هذا إذا لم يحصل فراق قبل الدخول أو الخلوة، فإن حصل فراق قبلهما بينهما، قضي بالمتعة بدلاً من مهر المثل، وإن نكل، قضي للأول بالمسمى المدعى به، لأن النكول إقرار أو بذل، وهما مما يجري في المهر.
وذهب المالكية إلى قبول البينة منهما معاًً، فإن عجزا أو أقاماها معاً، قضي لمن يشهد له العرف.
ب – الاختلاف في مقدار المهر المسمى:
فلو أقر الزوجان بالتسمية في العقد، إلا أنهما اختلفا في مقدار التسمية، فزعم الزوج مقدارا، وزعمت الزوجة مقدارا أكبر منه، فقد ذهب أبو يوسف إلى أن الزوجة هي المدعية، لأنها تدعي الزيادة، والزوج مدعى عليه، لأنه ينكر الزيادة، والقاعدة أن البينة على المدعي واليمين على المنكر، فإن أقامت الزوجة البينة حكم لها بها، وإن عجزت وطلبت تحليف الزوج اليمين ونكل، قضي لها بما ادعت أيضا، وإن حلف قضي له بدعواه، هذا ما لم يدع الزوج مقداراً تافها لا يصدقه العرف، وإلا قضي عليه بمهر المثل، بما لا يزيد عما ادعته الزوجة.
و قال أبو حنيفة [7] ومحمد بن الحسن، وهو الأرجح في المذهب الحنفي، أن كلا منهما مدع، فإن أقام البينة قضي له بها، وإن عجزا عنها معا معاً قضي لمن يشهد له مهر المثل، فإن كان مهر المثل بينهما تحالفا، فإن حلفا أو نكلاً أو أقاما البينة، حكم بمهر المثل، وإن نكل أحدهما قضي عليه بدعوى صاحبه.
ج – ولو اختلف الزوجان في قبض المعجل، فادعى الزوج تسليمه له، وأنكرت الزوجة ذلك، فإن كان الخلاف قبل الدخول، فالزوج مدع وعليه البينة، والزوجة منكرة وعليها اليمين، وإن كان بعد الدخول، نظر إلى العرف، فإن لم يوجد عرف مستقر على تسليمه بعض المعجل أوكله قبل الدخول، فالحكم كالسابق، البينة على الزوج واليمين على الزوجة، وإن كان هنالك عرف مستقر على تسليم بعض المهر المعجل، فإن كان الخلاف على أصل القبض، بأن ادعى الزوج أنه أوفاها المهر كله، وأنكرت الزوجة ذلك، فالقول للزوج بيمينه، ولا يلتفت لدعوى الزوجة، ويقضى عليها بما جرى به العرف، وإن كان الخلاف على قبض بعض المهر المعجل دون جميعه، فالقول قول الزوجة بيمينها، والبينة على الزوج.
الاختلاف في متاع البيت والجهاز:
تقدم الاختلاف في المهر، وأما الاختلاف في أثاث البيت، بأن ادعت الزوجة أن الأثاث الفلاني لها، وادعى الزوج أنه له، عد كل منهما مدعياً، وطلب منه البينة، فإن أقامها حكم له بدعواه، وإن أقاماها، أو عجزا عنها كلاهما، كان لكل منهما ما يناسبه من المتاع بيمينه، لشهادة الظاهر له، وما يناسبهما معا فهو للزوج بيمينه، لأنه صاحب اليد على البيت، فالظاهر معه، هذا ما ذهب إليه الطرفان، وذهب أبو يوسف إلى أن ما يناسبهما للزوج بيمينه، فيما زاد عما تتجهز الزوجة به عادة، أما ما تتجهز به عادة فهو للزوجة بيمينها، لشهادة العرف لها، وهو قوي وراجح في نظري.
هذا إذا كان الخلاف بين الزوجين وهما أحياء، فإن حصل الخلاف بين ورثتها بعد وفاتهما، فالحكم كذلك عند الحنفية.
وإن كان الخلاف بين أحد الزوجين وورثة الثاني، فالحكم كذلك عند الصاحين من الحنفية، وذهب أبو حنيفة إلى أن القول للحي من الزوجين بيمينه.
الاختلاف في مهر السر والعلن:
كثيراً ما يتفق الزوجان على مهر معين، ثم يعلنان أثناء التعاقد أكثر منه للشهرة، أفيجب للزوجة مهر السر أم مهر العلن؟
إذا استطاع الزوج أن يثبت الاتفاق السري بالبينة أو إقرار الزوجة، لم يجب لها غير مهر السر، لأنه المهر الحقيقي، وإن عجز، فالواجب هو المهر المعلن في العقد، لأن القول قولها فيه بشهادة الظاهر.
حالات تأكد المهر:
يثبت المهر بأسباب ثلاثة، هي: العقد الصحيح، والعقد الفاسد المتبوع بالوطء، والوطء المقترن بشبهة معتبرة، إلا أنه يثبت بالعقد الفاسد المتبوع بالوطء، وبالوطء بشبهة معتبرة ثبوتاً متأكدا لا يقبل السقوط بحال من الأحوال بغير الأداء أو الإبراء، وأما ثبوته بالعقد الصحيح من غير دخول أو خلوة صحيحة، فهو ثبوت غير متأكد، بل قابل للسقوط كلياً أو جزئياً بما قد يعرض على النكاح من فسخ أو إنهاء، إلا أنه يتأكد ولا يقبل السقوط بغير الأداء أو الإبراء بأمور أربعة، اختلف الفقهاء في بعضها واتفقوا في البعض الآخر، وهي: الدخول، والموت، والخلوة الصحيحة، والإقامة سنة في بيت الزوج.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أ – الدخول، والمراد به هنا الاتصال الجنسي بين الزوج وزوجته، سواء أكان الاتصال حلالاً أو صرفا، أو فيه حرمة، كالاتصال بها وهي حائض أو نفساء، فإن حصل ذلك تأكد المهر ولم يسقط بعد ذلك كلياً ولا جزئياً إلا بالأداء أو الإبراء، وذلك باتفاق الفقهاء، لقوله تعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمٌْ) (البقرة:237)، فإنه يدل بالمفهوم على عدم سقوطه بعد المس، وعلى ذلك، فلو طلق الزوج زوجته بعد الدخول بها، أو فسخ زواجها بعد الدخول، لخيار عتق أو خيار بلوغ أو..... لم يسقط المهر ولا شيء منه بحال، سواء كان الفراق من جهة الزوجة أو من جهة الزوج، وذلك لتأكده بالدخول.
ب- الموت: فإذا عقدا الزواج وقبل الدخول والخلوة مات أحد الزوجين، استحقت الزوجة المهر المسمى كاملاً على زوجها، ثم إذا كانت هي الحية قبضته من تركته، وإن كانت هي الميتة استحقه –إرثا عنها- ورثتها، هذا إذا كان في العقد مهر مسمى، فإن لم يكن فيه مهر مسمى، فعند الجمهور يثبت لها مهر المثل كاملاً، وعند المالكية لا مهر لها، ولكن لها الميراث فقط.
و يستوي في ذلك كله عند جمهور الفقهاء أن يكون موت أحد الزوجين طبيعياً أو قتلا على يد أجنبي، أو قتل الزوج نفسه أو زوجته، أو قلت الزوجة نفسها، وذهب زفر إلى أن الزوجة إذا قتلت نفسها فلا مهر لها.
أما لو قتلت الزوجة زوجها، فقد ذهب الحنبلية وجمهور الحنفية إلى أن لها المهر كاملاً، كما لو قتله غيرها، وذهب المالكية والشافعية وزفر من الحنفية إلى أنه يسقط مهرها بذلك، للقاعدة الفقهية الكلية: (من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه) [8].
ج – الخلوة الصحيحة: وهي اجتماع الزوجين بعد العقد الصحيح في مكان يتمكنان فيه من الوطء، وذلك بأن يكونا آمنين فيه من دخول ثالث عليهما، أو إطلاعه عليهما، وليس بأحد الزوجين مانع طبيعي أو شرعي يمنع من الاتصال الجنسي، فإذا توافرت هذه الشروط كلها سميت الخلوة صحيحة، وإذا اختل واحد منها سميت خلوة فاسدة.
فإذا كانت الخلوة صحيحة عدت كالدخول في حق تأكد المهر، فإذا طلق الزوج زوجته بعد ذلك أو فسخ زواجها بخيار أو غيره، كان لها المهر المسمى كاملاً، إن كان في العقد مهر مسمى، وإلا كان لها مهر المثل كاملاً، ولو لم يحصل دخول حقيقي بينهما، لأن للخلوة الصحيحة حكم الدخول في ذلك.
وهذا هو مذهب الحنفية والحنبلية، وذهب المالكية والشافعية، إلى أن الخلوة الصحيحة لا عبرة بها في حق تأكد المهر أصلاً، فلو طلق الزوج زوجته بعد الخلوة وقبل الدخول، كان لها نصف المسمى أو المتعة لا غير.
الأدلــة:
استدل الحنفية والحنبلية لمذهبهم بأدلة، منها:
أ – قوله تعالى: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً، وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) (النساء:20-21)، ذلك إن الإفضاء هو الاختلاء.
ب – ما رواه الدارقطني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كشف خمار امرأته ونظر إليها فقد وجب الصداق دخل بها أم لم يدخل) [9].
ج – ما يجب على الزوجة بالزواج هو التمكين، وبالاختلاء يحصل ذلك، فتكون قد أدت ما عليها، وقامت بالتزاماتها كاملة، فحق لها تأكد المهر كله بذلك، ولا يؤثر فيه تقصير الزوج في استيفاء حقه فعلاً.
واستدل المالكية والشافعية لقولهم، بما يلي:
1 – بقوله تعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ) (البقرة:237)، إذ أوجب الله تعالى قبل المس نصف المهر فقط، والمس هو الاتصال الجنسي.
2 – كما فسروا الإفضاء في الآية الكريمة السابقة التي احتج بها الحنفية بالوطء دون مطلق الاختلاء.
هذا وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية السوري بمذهب الحنفية، فأنزل الخلوة الصحيحة منزلة الوطء في حق تأكد المهر، وأشار إليه في المادة /58/ منه، ونصها:
المادة /58/
إذا سمي المهر في العقد الصحيح، ووقع الطلاق قبل الدخول والخلوة الصحيحة، وجب نصف المهر.
شروط الخلوة الصحيحة:
لتكون الخلوة صحيحة تقوم مقام الدخول في تأكيد المهر، فلا بد من أن تتوفر فيها الشروط التالية:
أ- أن يوجد الزوجان في مكان واحد مدة يتمكن الزوج فيها من الوطء، فلو كانا في غرفتين منفصلتين بينهما جدار، فسدت الخلوة، وكذلك إذا كانا في غرفة واحدة غير مغلقة الباب، إلا أن تكون غرفة من دار مغلقة لا أحد فيها غيرهما، وكذلك إذا كانا في برية، أو في مكان عام لا يؤمن دخول أحد عليهما فيه، كالحانوت والمسجد، أو لم يستمر وجودهما في الغرفة أكثر من ثوان لا يتمكن أمثالهما فيها من الجماع فيها.
ب – أن يكون بينهما عقد صحيح، فإذا لم يكن بينهما عقد أصلاً، أو كان بينهما عقد باطل أو عقد فاسد، لم تصح الخلوة مطلقا، لأن الحل لا يثبت بينهما بذلك، فلا تكون الخلوة مفضية إلى الجماع، فلا تحل محله.
ج – أن لا يكون بين المختليين مانع يمنع الوطء، والموانع ثلاثة، هي:
1 – مانع حسي، كأن يكون في الزوجين أو أحدهما مانع جسدي من الاتصال الجنسي، كالمرض الشديد، أو الرتق أو القرن في الزوجة، أو الجب في الزوج.
2 – مانع شرعي، بأن يكون في الزوجين أو أحدهما ما يجعل الاتصال الجنسي محرماً عليه مدة الخلوة، كأن يكونا أو أحدهما صائماً في نهار رمضان، أو تكون المرأة حائضاً أو نفساء، أو أنه يصلى صلاة فرض أداء، فإذا كان الاتصال الجنسي مكروها لا محرماً، لم تفسد الخلوة به، كما إذا كانا أو أحدهما في صوم نفل، أو صلاة نفل.
3 – مانع خُلُقي أو اجتماعي، بأن يكون الزوجان أثناء الخلوة في وضع تمنع الأخلاق والعرف الاتصال الجنسي معه، كأن يكون مع الزوجين إنسان ثالث قريباً كان أم غريباً، إلا أن يكون صغيرا لا يدرك أمور الجموع، كالصبي في المهد وما إليه، أو يكون الثالث مجنوناً أو نائماً، لأن العرف يمنع الاتصال بين الزوجين في حضور هؤلاء.
فإذا توافرت هذه الشروط في الخلوة، كانت صحيحة، وأعطيت حكم الدخول، وتأكد المهر بها، عند الحنفية والحنبلية، كما تقدم، فإذا اختلت هذه الشروط أو واحد منها، عدت خلوة فاسدة، ولم يتأكد المهر بها بالاتفاق.
ما توافق فيه الخلوة الصحيحة الدخول، وما تخالفه فيه:
تقدم بيان أثر الخلوة الصحيحة على تأكد المهر الثابت بالعقد الصحيح، وإنها فيه كالدخول، وفيما يلي بيان لما توافق فيه الخلوة الصحيحة الدخول مطلقاً، وما تخالفه فيه.
ما توافق الخلوة الصحيحة فيه الدخول أمور، منها:
1 – تأكد وجوب المهر بتمامه بها كما تقدم.
ب – وجوب العدة بها بعد الفراق، إذا تم الفراق قبل الوطء، هذا وتجب العدة أيضاً بالخلوة الفاسدة احتياطاً، بشرط أن لا يكون سبب فسادها مانعا حسيا، فإذا كان سبب فسادها مانعا حسيا لم تجب العدة بها.
ما تخالف فيه الخلوة الصحيحة الدخول أمور، منها:
أ- وجوب الغسل، فإنه يجب بالوطء فقط، ولا يجب بمجرد الخلوة الصحيحة، ومن باب أولى أنه لا يجب بالخلوة الفاسدة.
ب – ثبوت الإحصان، فإنه لا يثبت إلا بالوطء فعلاً، فلو فرق بين زوجين بعد الخلوة الصحيحة وقبل الدخول، ثم زنى أحدهما، كان حده الجلد دون الرجم، لعدم الإحصان، بخلاف ما لو كان قد وطء زوجته سابقاً، فإن حده الرجم للإحصان بذلك.
ج- تحريم الربيبة، فلو عقد على امرأة واختلى بها خلوة صحيحة دون وطء، ثم طلقها لم يحرم عليه بنتها بذلك، بخلاف الوطء.
د – حلها لمطلقها الأول، بأن طلقها زوجها ثلاثاً، ثم تزوجت آخر واختلى بها خلوة صحيحة دون وطء، ثم طلقها، فإنها لا تحل بذلك لزوجها الأول، بخلاف ما لو وطئها.
هـ – تحقق الرجعة بها، بأن طلق زوجته رجعيا، وفي العدة اختلى بها خلوة صحيحة دون وطء، فإنه لا يعد بذلك مراجعاً لها، على خلاف ما لو وطئها أو نال منها ما يحرم على غير الزوج، فإنه مراجعة عند الحنفية.
و– التوارث بين الزوجين، فلو طلقها بعد الخلوة ثم مات وهي في العدة، أو ماتت هي، فلا توارث بينهما، على خلاف ما لو طلقها رجعياً بعد الدخول بها، ثم مات أحدهما وهي في العدة، فإنهما يتوارثان، هذا في قول لدى الحنفية، وفي قول آخر يتوارثان كالدخول، والأول هو الأرجح في المذهب، لجريان المتون عليه، أما لو طلقها بائناً ومات أحدهما وهي في العدة، فلا توارث بينهما مطلقاً، لا بعد الخلوة ولا بعد الدخول، إلا في طلاق الفرار عند الحنفية.
ز – تزويجها بعد ذلك كالأبكار، فلو طلقها بعد الدخول بها، ثم زوجت بعد ذلك فإنها تزوج زواج الثيِّب، أما لو طلقها بعد الخلوة الصحيحة دون وطء، فإنها تزوج بعد ذلك تزوج زواج الأبكار، فيكون إذنها صماتها.......
حالات سقوط المهر:
إذا ثبت المهر وتأكد بالدخول أو الخلوة الصحيحة كما تقدم، أو ثبت متأكداً من أصله كالوطء بعد النكاح الفاسد أو الوطء بشبهة، لم يسقط بعد ذلك بحال إلا بالأداء أو الإبراء بشروطهما الآتية، سواء حصل فراق بعد ذلك بين الزوجين أو لا، وسواء كان الفراق من جهة الزوج أو من جهة الزوجة، ذلك أن بدل المهر هو البضع، وهو يستوفى بالدخول، فلا يسقط المهر بعد ذلك لذلك.
وهل يسقط المهر إذا ثبت بالعقد ولم يتأكد بالدخول أو الخلوة؟
نص الفقهاء على أحوال يسقط فيها المهر عن الزوج بعد ثبوته وقبل تأكده، إذا حصل بينه وبين زوجته فراق، وقد اختلفوا في هذه الأحوال على آراء، بحسب اختلاف مذاهبهم، بل إنهم اختلفوا فيما بينهم في المذهب الواحد، وقد حققت هذا الموضوع، وجمعت شوارده، ولم أجد من ضبطه بضابط محكم، وبعد جهد توصلت إلى الضابط الآتي:
1- إذا كان الفراق بموت أحد الزوجين، تأكد المهر ولم يسقط، لا كله ولا جزء منه، لتأكده بالموت مطلقاً، كما تقدم، إلا أن يكون الموت حصل بقتل الزوجة زوجها، فإنه يسقط به مهرها عند المالكية والشافعية وزفر من الحنفية، للقاعدة الفقهية الكلية: (من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه) [10]، وذهب الحنبلية وجمهور الحنفية إلى أن لها مهرها كاملاً، لتأكده بالموت مطلقاً عندهم، وقد تقدم ذلك في أسباب تأكد المهر.
2 – إذا كان الفراق بالطلاق، ثبت المسمى، إن كان في العقد مسمى صحيح، وإلا وجبت المتعة لا غير.
3 – إذا كان الفراق بالفسخ.
فإن كان الفسخ لسبب رافق نشوء العقد، كخيار الكفاءة، أو خيار البلوغ، سواء كان من جهة الزوج أو من جهة الزوجة، سقط المهر كله، ولم يجب على الزوج منه شيء، ذلك أن الفسخ عاد بأثر رجعي على العقد، فعد كأن لم يكن، فسقط المهر.
وإن كان الفسخ لسبب طرأ على العقد، فإن كان من جهة الزوج، كخيار بلوغه، أو من جهة الزوجة بسبب من الزوج، كتقبيله ابنتها، لزم الزوج نصف المهر فقط، وسقط عنه الباقي إن كان في العقد مسمى صحيح، وإلا لزمه المتعة لا غير.
وإن كان الفسخ من جهة الزوجة لا بسبب من الزوج، كإرضاعها ضرتها الصغيرة، أو زناها بابنه، سقط مهرها، ولم يجب على الزوج منه شيء [11].
هذا ويسقط المهر عن الزوج في كل أحواله، سواء أكان متأكد أم غير متأكد بالأداء إلى الزوجة، أو إلى وكيلها، إن كانت عاقلة بالغة رشيدة، وقد نصت في الوكالة على إذنها له بقبض المهر، فإن كانت قاصرة برئ الزوج منه بالأداء إلى ولي المال عنها.
كما يسقط المهر في كل أحواله عن الزوج بالإبراء عنه من الزوجة العاقلة البالغة الرشيدة، إن كان ديناً، فإن كان عيناً، بريء عنه بالإهداء إليه من قبلها، لأن الأعيان لا تسقط بالإبراء، لعدم ثبوتها بالذمة أصلاً، إلا أن الهبة هنا لا تتم إلا بقبوله إياها في المجلس، وإلا فسدت الهبة وبقي لزوم المهر، على خلاف الإبراء، فإنه لا يحتاج إلى قبول من الزوج، إلا أنه يرتد بردِّه له –كما تقدم-.
إلا أن الإبراء والهبة في المهر من الزوجة لا يصحان إلا بشرط أن تكون الزوجة عاقلة بالغة رشيدة غير محجور عليها، لأنه نوع تبرع، فلا يصح بدون هذه الشروط، فإن كانت صغيرة أو مجنونة أو محجورا عليها، لم يصح تبرعها بالمهر، ولا بغيره، لأنه ضرر محض.
امتناع الزوج أو عجزه عن دفع المهر:
إذا ثبت المهر للزوجة وامتنع الزوج عنه، فإن كان الامتناع عن المهر المؤجل، لم يتأثر العقد، بل لم يكن للزوجة مطالبته به أصلاً، حتى حلول أجله، لأن حقها في المطالبة سقط برضاها بتأجيله، ولهذا لم يكن لها منع نفسها عنه لذلك، فإذا امتنعت عدت ناشزاً.
وإذا كان امتناع الزوج عن دفع المهر المعجل لعجزه عن الدفع أو لغير ذلك، عد ظالما، وحق للزوجة مطالبة به ومنع نفسها عنه لذلك، ولا تعد ناشزاً بهذا المنع، باتفاق الفقهاء.
وهل لها طلب فسخ الزواج بذلك؟
ذهب الحنفية إلى أنه ليس لها طلب فسخ الزواج، ولكن المطالبة والامتناع، وطلب التنفيذ في ماله إن كان له مال، ومطالبة كفيله به إن كان له كفيل.
وذهب الشافعية والحنبلية إلى أن لها ذلك كله، كما أن لها طلب فسخ الزواج في قول من أقوال ثلاثة لهما، وهو أقواها.
وسوف يأتي مزيد تفصيل لهذا الموضوع في مباحث التفريق إن شاء الله تعالى.
ــــــــــ
ـــــ
ـ
[1] انظر مختار الصحاح مادة ( مهر ) وابن عابدين 3/100.
[2] النهاية لابن الأثير 3/274، وابن أبي شيبة في مصنفه .
[3] الحاوي 12/11، والمغني 6/681.
[4] ابن عابدين 3 / 108.
[5] المادة (52) من مجلة الأحكام العدلية، وانظر كتابنا المدخل الفقهي ص...
[6] انظر تفصيل ذلك في كتابنا فسخ الزواج ص 90.
[7] انظر المادة / 106 / من قدري باشا.
[8] المادة /99/ من مجلة الأحكام العدلية، وانظر كتابنا المدخل الفقهي ص ....
[9] بدائع الصنائع 2/292.
[10] المادة /99/ من مجلة الأحكام العدلية، وانظر كتابنا المدخل الفقهي ص 24.
[11] انظر كتابنا فسخ الزواج ص 90 – 91.